شهد الوسط الفني في مصر، حالة من الجدل، خلال اليومين الماضيين، بعد تداول لائحة لأجور الفنانين، عبر منصات التواصل الاجتماعي، منسوبة إلى اتحاد منتجي الدراما (حديث التأسيس).
وتباينت الآراء بشأن الأجور بين مؤيد ومعارض، رغم عدم ظهور أي جهة رسمية حتى الآن تُعلن مسؤوليتها عن وضع هذه الأرقام، في حين أصدرت نقابة المهن السينمائية وعدد من الشعب الفنية بيانات، تعقيباً على اللائحة المتداولة.
"اتحاد منتجي الدراما" جرى تأسيسه مطلع أغسطس الماضي، ويضم 18 شركة إنتاج مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بهدف التنسيق بين جهات الإنتاج الفني في مصر، والحفاظ على صناعة الأعمال الدرامية وتطويرها، حسب ما جاء ببيان التأسيس.
قائمة الأجور
وقسمت اللائحة المتداولة النجوم لفئات، وحددت أجر الفئة الأعلى بحد أقصى 25 مليون جنيه (808 ألف دولار)، في المسلسلات المكونة من 30 حلقة، وضمت النجوم كريم عبد العزيز، وأحمد عز، وأحمد مكي، وأحمد حلمي، وأحمد السقا، وتامر حسني، ومحمدرمضان، بينما لا يزيد أجر خالد النبوي، ومصطفى شعبان، وعمرو سعد، ودنيا سمير غانم، ومنى زكي، وياسمين عبد العزيز، ومنة شلبي، وهند صبري، ويسرا، ونيللي كريم، عن 15 مليون جنيه (485.3 ألف دولار).
وتضم الفئة الثالثة كل من آسر ياسين، وعمرو يوسف، ومحمد فراج، ومحمد ممدوح، وهشام ماجد، وشيكو، وأحمد فهمي، وأكرم حسني، وأحمد أمين، حيث لا تزيد أجورهم عن 10 مليون جنيه (323 ألف دولار).
ويحصل كل ممثل، على نسبة 65% من قيمة هذا الأجر، حال تقديمه مسلسل مكون من 15 حلقة، فيما تنخفض النسبة إلى 50%، إذ كان المسلسل مكون من 10 حلقات فقط.
وبالنسبة للمخرجين، جاء محمد شاكر خضير، ومحمد سامي، وكاملة أبو ذكري، وبيتر ميمي، وتامر محسن، ومحمد ياسين، وأحمد الجندي، وأحمد علاء، وأحمد نادر جلال، في المرتبة الأولى حيث تتراوح أجورهم من 6 إلى 8 مليون جنيه.
وتضم الفئة الثانية، التي تتراوح ما بين 3 إلى 5 مليون جنيه، كل من حسين المنباوي، وسامح عبد العزيز، ومحمد سلامة، وإسلام خيري، وخالد الحلفاوي، ومعتز التوني، وماندو العدل، وكريم الشناوي، وأحمد مدحت، وياسر سامي، وعمرو عرفة، ومحمد بكير، وشيرين عادل، وهاني خليفة، ووائل إحسان، وعمرو سلامة، وخالد مرعي، وأحمد خالد موسى.
وبخصوص المؤلفين، تضم المرتبة الأولى، كل من عبد الرحيم كمال، ومريم نعوم، وتامر حبيب، حيث يتراوح أجرهم بين 3 إلى 5 مليون جنيه، أما المرتبة الثانية لا تزيد الأجور فيها عن 3 مليون جنيه، وتضم محمد أمين راضي، وأيمن وتار، وأيمن سلامة، وهاني سرحان، ومحمد سليمان عبد المالك، ومصطفى صقر، ومحمد عز الدين، وباهر دويدار، وهاني كمال، ومحمد هشام عبية، وعمرو الدالي، وعمرو محمود ياسين، وصلاح الجهيني.
"أرقام مفبركة"
ونفى المنتج كريم أبو ذكري، أحد أعضاء "اتحاد منتجي الدراما"، لائحة أجور الفنانين المتداولة، مؤكداً أن
"ما ورد في هذه القوائم لا أساس له من الصحة، وليس له علاقة بالواقع إطلاقاً"، مطالباً بتحري الدقة في مثل هذه الأمور، بدلاً من تداولها.
وأوضح كريم، في بيان صحافي، أن الاتحاد تأسس بهدف تطوير صناعة الدراما والحفاظ عليها، مع مواجهة محاولات البعض مؤخراً لرفع الأجور بصورة مبالغ فيها، إذ وصلت في بعض الأحيان إلى 100% ببعض القطاعات، موضحاً أن هذا يؤثر على استمرار الصناعة نفسها، لذلك يعمل الاتحاد لصالح جميع العاملين في سوق الدراما وحفاظاً على الحقوق.
وشدد على ضرورة مراعاة الحالة الاقتصادية التي فرضت على العالم بأكمله وليس مصر فقط، متابعاً "لا يمكن أن نقبل كصناع دراما بهذه الأجور المبالغ فيها، حيث إن الهدف هو حصول الجميع في سوق الدراما على فرص متساوية مع أجور عادلة ومرضية لكل قطاعات الإنتاج التليفزيوني دون مبالغة".
كما نفت المنتجة مها سليم، عضو اتحاد منتجي الدراما، قائمة الأجور المتداولة، مؤكدة أن جهات الإنتاج تحاول تقنين الأجور وليس تخفيضها بشكلٍ مبالغ فيه كما يزعم البعض، مستنكرة تسريب لائحة غير صحيحة لأجور الفنانين، إذ تساءلت بقولها: "من وضع هذا اللائحة؟.. ومن يسعى لخلق الخلاف الكبير الحاصل حالياً من لا شيء؟".
وأوضحت مها سليم، في بيان صحافي، أن صناعة الدراما في مصر، تواجه أزمة اقتصادية طاحنة، ومن الضروري البحث عن حلولٍ فورية لإنقاذ الموقف، متابعة أن "تلك الظروف الصعبة قد تتسبب في قلة الإنتاج، وهو الأمر الذي سيُهدر العديد من فرص العمل، أو تقديم أعمال درامية ذات جودة ضعيفة ودون المستوى، وذلك لا يليق بالدولة المصرية كونها صاحبة الريادة في الدراما التلفزيونية".
وأكدت أن الأزمة الاقتصادية ليست في مصر فحسب، بل العالم كله، مشددة على ضرورة التكاتف في الوقت الحالي ومواجهة أي تحديات، بغرض الحفاظ على صناعة الدراما، متابعة أن"الاتحاد يسعى جاهداً لتقنين الأجور ومواجهة زيادة الأسعار، بشأن الحفاظ على صناعة الدراما، وعدم تشريد العاملين فيها".
آراء متباينة
وقبل أن يصدر توضيح بشأن اللائحة المنسوبة للاتحاد، أحدثت الأرقام المتداولة، تبايناً كبيراً في الآراء بين مؤيد ومعارض، حيث رأى البعض أنها لن تُجدِ نفعاً في مواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها الصناعة في مصر، وأن هناك حلولاً أخرى أكثر فاعلية.
وأبدى رئيس اتحاد النقابات الفنية عمر عبد العزيز، رفضه لتحديد أجور العاملين في الصناعة، وتصنيفهم، قائلاً لـ"الشرق"، إنّ: "ذلك سيصنع تفرقة بين الفنانين، خاصة وأن السوق عرض وطلب، فهذا بمثابة كارثة كبيرة على الدراما، وسنُصدر بياناً عاجلاً خلال الساعات القليلة المقبلة"، متسائلاً بقوله: "من يُقيم الفنان؟ وعلى أي أساس؟.
أما المنتج محمد فوزي، فشدد على ضرورة خلق سوق مفتوحة أمام جميع العاملين، وعدم تصنيف أي شخص، أو تحديد أجره، إذ أبدى رفضه لمحاولات تسريب أجور الفنانين عبر منصات التواصل الاجتماعي، قائلاً لـ"الشرق"، إنّ: "هذه التسريبات تضر بالصناعة، وستبث الخلافات بين الفنانين وبعضهم البعض، كما سيضطر أي منهم للعمل بالخارج".
ومن جانبه، قال المؤلف فداء الشندويلي، لـ"الشرق"، إنه: "ليس من الطبيعي أن يتحكم مجموعة من الموظفين في تصنيف المبدعين، فالإبداع ليس له مقاييس.. الفن يحكمه العرض والطلب، ومن يعمل على تلك الآليه هو الخاسر"، متسائلاً بقوله: كيف يتم التصنيف؟ ولماذا يتم التصنيف من الأساس؟.
الناقدة ماجدة موريس، استنكرت الحديث عن أجور الفنانين بشكلٍ علني، موضحة لـ"الشرق"، أن "هذا سيخلق نوعاً من الكراهية بين العاملين في المجال"، وأبدت رفضها لتصنيف الفنانين والمؤلفين والمخرجين: "العمل الفني ليس له حدود، والكتابة والعمل الإبداعي يتوقف على أمور كثيرة، ويجب أن يكون لديه الهمة والمقدرة لزيادة الإبداع فكيف يتم تصنيفه؟".
وتابعت أن "بعض المؤلفين الشباب في ورش الكتابة، مستواهم جيد والآخر سيء، فهل سيتم مساواتهم؟!"، معتقدة أن هذه اللائحة، هي إحدى ثمار الاجتماع التأسيسي لاتحاد منتجي الدراما.
وقال المخرج كريم الشناوي، عبر حسابه على "فيس بوك": "مستحيل يكون الحل في تقليل أجور الصُنّاع أو حتى تحديدها بحد أقصى، لأن حتى لو الصانع قلل أجره، فسعر خشب الديكور لن يقل، وسعر وجبات الطعام لن تقل، وبالتالي من المجحف أنّ يتحمل الصُنّاع كل ذلك، فالحل هو فتح السوق وليس وضع حد أقصى للأجور.. السوق الحر التنافسي هو الحل".
ورأى أنّ "وضع شرائح للأجور سيُدمر الصناعة، ويُفقدها ميزة تنافسية كبيرة، وسوف يتسبب في هجرة الصُناع حال وجود ظروف أفضل لصُنع أعمالهم".
المنتج عبد الله أبو الفتوح، أشار إلى حجم الخسائر التي تتكبدها بعض الجهات الإنتاجية، حيث قال إنّ: "تكلفة إنتاج مسلسل 30 حلقة في موسم رمضان، قبل 10 سنوات، لا تساوي حجم تكلفة إنتاج مسلسل مكون من 5 حلقات"، متسائلاً بقوله: "هذا قوبل ذلك بتغيير في الدخل الإعلاني والاشتراكات للقنوات والمنصات بنفس النسبة؟!.. بالتأكيد لا".
أما الفنانة نجلاء بدر، اقترحت بعودة قانون حق الأداء العلني، للنجوم الذين يتقاضون أجوراً عالية، موضحة أنّ "هذا القانون سيضبط الأجر الذي يحصل عليه هذا النجم، بجانب حصوله على نسبة من بيع المسلسل في كل مرة، حسب النسبة المُتفق عليها في سعر البيع، وذلك لن يتعرض المُنتج لخسائر مادية، ولن يقل أجر النجم بدرجة كبيرة".
قرارات لتحسين منظومة العمل
وعقدت نقابة المهن السينمائية اجتماعاً، الاثنين، لمناقشة الإشكاليات التي تشهدها الصناعة حالياً، إذ اتخذت مجموعة من القرارات في ضوء تحسين أوضاع العمل، منها تطبيق حد أدنى للأجور وفقاً لقرارات كل شعبة على حدة.
وألزمت بضرورة تطبيق حد أقصى لساعات العمل اليومي، وألا تتجاوز 12 ساعة، أما ساعات العمل الإضافي لا تتجاوز عن ساعتين فقط، معربة عن طموحها لتخفيض ساعات العمل بعد تعافي الصناعة من الأزمة الحالية إلى 8 ساعات فقط، كما ينص قانون العمل.
وطالبت الجهات الإنتاجية، بتطبيق مشروع تأمين صحي على جميع العاملين بأي عمل سينمائي وتلفزيوني، سواء مهنيين أو عمال، طوال مدة التعاقد، وذلك من مخاطر المهنة.
ومن جانبها، قررت جمعية مؤلفي الدراما العربية، برئاسة السيناريست بشير الديك، عدم التفاعل مع لائحة الأجور المتداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي، كونها غير صادرة من أي جهة رسمية، كما أنها تحتوى فى مضمونها على إهانة كل فنانى مصر وكُتابها ومخرجيها بتقسيمهم إلى فئات، موضحة أن "لكل مبدع اتجاهه وأفكاره ولا يمكن لأى شخص مهما كان أن يصنف المبدعين إلى درجات وفئات".
وشددت الجمعية، على ضرورة الالتزام بالعقد الموحد للمؤلف الذى أقرته شعبة السيناريو بنقابة المهن السينمائية، وإقرار ما سوف تتخذه الشعبة من قرار بشأن تحديد الحد الأدنى لأجر كُتاب السيناريو الجدد، لافتة إلى تطبيق قانون حق المؤلف رقم 82 لسنة 2002 وعدم تنازل المؤلف عن حقوقه التي تضمنها القانون، والتي يتنازل عنها الجميع طواعية لصالح شركات الإنتاج .
وطالبت جهات الإنتاج وقنوات العرض بتطبيق ما تضمنه القانون ونص عليه الدستور، من نسبة عند إعادة العرض وهو المعروف بحق الأداء العلني.
كما دخلت شعبتا الصوت والتصوير، بنقابة المهن السينمائية، على خط الأزمة، وأصدرت كل منهما حزمة من القرارات، على خلفية محاولات الجهات الإنتاجية في مصر لضبط الأجور، إذ طالبا بتحسين الرواتب، وتطبيق أنظمة تأمينية مختلفة، في ضوء الحفاظ على أمن وسلامة العاملين، فضلاً عن تحديد فترات العمل.
وطالبت شعبة التصوير، جهات الإنتاج عبر بيانٍ صحافي، بصرف أسبوع تحضير مع التعاقد، وذلك نظير المعاينات والاجتماعات وتصحيح الألوان، لإثبات جدية التعاقد، كما أنّ الأجر المتفق عليه، مسُتثنى منه قيمة الضريبة المضافة، إذ تتحملها شركة الإنتاج نفسها.
وقالت إنّ "أيام العمل ٦ أيام متتالية بحد أقصى، وألا تتجاوز عدد ساعات العمل في اليوم الواحد الـ12 ساعة، تبدأ من الحضور، ومتضمنة ساعة الراحة، وفي حالة الحاجة إلى العمل لساعات إضافية، يكون ذلك في الضرورة القصوى فقط، وبعد موافقة رؤساء الأقسام، ونظير أجري إضافي لكل ساعة"، لافتة إلى حصول مدير التصوير والكاميرا مان ومساعد المصور على نسخة من العقد في نفس وقت التعاقد.
أما شعبة الصوت، أصدرت مجموعة من القرارات، على خلفية تلقيها شكوى من مهندس الصوت محمد الدالي، ضد مها سليم، مُنتجة مسلسل "نعمة الأفوكاتو" بطولة الفنان مي عمر، المُقرر عرضه في موسم دراما رمضان 2024، حيث إنّ: "مها أبلغته بتخفيض أجره بعدما بدأ العمل بالفعل، وأمضى 3 أسابيع عمل فيه بأجر قد اتفق عليه الطرفين في وقتٍ سابق، وذلك بحجة ما تم بينها وبين اتحاد منتجين الدراما، من اتفاق على لائحة أجور تطبق على الجميع".
وقالت شعبة الصوت، في بيانٍ صحافي إنه على خلفية عدم الاستقرار التي تشهده صناعة الدراما في مصر، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتغيرة، تقرر وقف جميع التعاقدات الجديدة مع نهاية شهر أغسطس، لأجل غير مسمى، ووقف التعامل مع أي جهة إنتاجية أو ممثليها ترغب في الاتفاق مع أي مهندس صوت دون الرجوع للائحة الأجور المعلنة من مجلس شعبة الصوت، مُحذرة بإيقاف أي مهندس صوت يخالف هذه القرارات.
كما أقرت "رابطة مونتيرين مصر" مجموعة من القرارات هي الأخرى، منها الالتزام بالحد الأدنى للأجور، الذي يقرره مجلس شعبة المونتاج والأجر المتفق عليه، وهو أجر نهائي صافي بدون خصم ضرائب وبدون ضريبة القيمة المضافة، إذ تتحملها الجهة المنتجة، وذلك بجانب حصول المونتير ومساعديه على نسخه العقد فور توقيعه دون أي تأخير أو مماطلة، وفي حالة عدم الحصول على نسخة، يحق له التوقف عن العمل دون أدنى مساءلة.
وأضافت الرابطة، في قراراتها: "يتم إدراج عدد أيام التصوير في العقد المبرم بين الطرفين مع ذكر تاريخ الانتهاء من التصوير، وفي حالة تجاوز عدد الأيام المتفق عليها أو زيادة مدة تنفيذ العمل، يحق للمونتير ومساعديه المطالبة بزيادة الأجر بما يتماشى مع حجم الزيادة عن المتفق عليه، فضلاً عن تخصيص يوم واحد أسبوعياً كراحه للمونتير ومساعديه في حالة استمرار التصوير بشكل متواصل.
وتابعت "يحق للمونتير ومساعديه طلب أجر إضافي أو مطالبة جهة الإنتاج بتوفير فريق مونتاج آخر في حالة التصوير بوحدة ثانية أو تزامن وقت التصوير مع وقت العرض دون المساس بأجور الفريق الأساسي".
فيما قالت رابطة إدارة الإنتاج الفني في مصر، إن "الجدل الدائر الآن بالوسط الفني، لا محل له من الإعراب، لأنه يدور حول لائحة مجهولة المصدر، حيث يحاول أصحاب المصالح المتعارضة مع كيانات ومؤسسات السينما المصرية، تسريب وترويج أرقام غير صحيحة".
وأدانت الرابطة، تحرك الشُعب الأخرى، واتخاذ قرارات لتحسين ظروف العمل لصالح المهنة والصناعة، إذ اقترحت "اختيار مندوب من جميع الشعب لفتح حوار عاقل وهادئ، مراعياً الظرف الاقتصادي والاجتماعي التاريخي الذي تمر به صناعة السينما والدراما في مصر، حيث إن الوقت الراهن يحتم علينا التكاتف والترابط".
اقرا أيضاً: