عندما قام دينزل واشنطن منذ حوالي عشر سنوات ببطولة فيلم The Equalizer، كان عمره 59 عاماً، ولم يكن قد عُرف عنه من قبل أنه أحد نجوم العضلات والأكشن، ولكن الفيلم حقق نجاحاً كبيراً محلياً وعالمياً، وهاهو واشنطن، وهو يقترب من السبعين، يقوم ببطولة جزء ثالث من السلسلة، يحقق مفاجأة في شباك التذاكر وردود الفعل لا تقل عما حققه الجزءان الأول والثاني.
ينضم دينزل واشنطن بهذه السلسلة إلى قائمة من نجوم الأكشن فوق الستين، مثل هاريسون فورد، وكيانو ريفز، وبروس ويلز، وأرنولد شوارزنيجر، وسلفستر ستالون، وتوم كروز، وغيرهم، فيما يبدو أنه توجه مقصود، ربما له أسباب انتاجية، ولكن الملحوظ أن هذه الأفلام تحقق نجاحاً كبيراً لدى الجمهور ليس فقط من متوسطي العمر، ولكن من الشباب الصغير أيضاً، ولعل نجاح سلسلة John Wick التي لعب بطولتها كيانو ريفز أكبر دليل على ذلك.
دينزل واشنطن هو واحد من أحب نجوم السينما على مدار عقود. لم يترك نوعاً فنياً تقريباً لم يمثل فيه، ونجح في كل الأنواع. وهو ممثل من نوع نادر قادر أن يبث الحياة في أي شخصية يلعبها، وأن يقنع المشاهد بصدق أي كلمة يتفوه بها، وهو بالتأكيد العنصر الفني الرئيسي الذي تقوم عليه سلسلة The Equalizer، ولكن السلسلة ليست دينزل واشنطن فقط.
أفلام ومسلسلات وروايات
The Equalizer التي تعني حرفياً "المُعادل"، ويقصد بها هنا الشخص الذي يعيد للأمور توازنها، كانت في الأصل مسلسلاً من تأليف مايكل سلوان، وريتشارد ليندهايم، أنتجته وبثته محطة CBS في 4 مواسم و22 حلقة بين عامي 1985 و 1989، من بطولة إدوارد ووديارد في دور عميل المخابرات روبرت ماكول.
وفي 2021، بعد نجاح الفيلمين اللذين قام ببطولتهما واشنطن، قامت المحطة بإعادة إنتاج المسلسل، بعد تحويل الشخصية الرئيسية فيه إلى إمرأة أمريكية إفريقية اسمها روبين ماكول، لعبت دورها كوين لطيفة.
الطريف أن نجاح الفيلم كان سبباً أيضاً في قيام واحد من مؤلفي المسلسل بكتابة عدد من الروايات صدرت أولها في 2014، بالتزامن مع عرض الفيلم، وأعقبها بروايتين أخريتين حتى الآن.
نجاح يفوق التوقعات
ظهر الفيلم الأول من Equalizer في 2014 من إخراج أنطوان فوكا، وحقق مفاجأة كبيرة في شباك التذاكر، إذ تجاوزت إيراداته 100 مليون دولار محلياً وما يقرب منهم عالمياً، علما بأن ميزانيته لم تتجاوز 55 مليون دولار، وهو ما دفع صناعه إلى إنتاج جزء ثان عُرض في 2018، وحقق تقريباً ما حققه الفيلم الأول من نجاح تجاري، ووصلت إيراداته إلى ما يقرب من 195 مليون دولار.
يبدأ الفيلم الأول بروبرت ماكول الضابط السابق بالبحرية الأمريكية ووكالة المخابرات الحربية (إحدى أجهزة المخابرات الأمريكية)، متقاعداً في مدينة صغيرة في ولاية بوسطن، إلى أن تبدأ عناصر من المافيا الروسية في ارتكاب الجرائم أمام عينيه، بداية بالاعتداء على إحدى الفتيات اللواتي يتم تهريبهن من أوروبا للعمل بالدعارة، وبعد أن يقضي ماكول على العصابة المحلية يتبين أن وراءها عصابة أكبر بكثير، لكن ماكول يستطيع أن يقضي عليهم جميعاً.
اتسم الفيلم بعدة أشياء منها طبيعة شخصية ماكول بأداء دينزل واشنطن، فهو شخص شديد الهدوء، قليل الحركة حتى وهو تحت مرمى وابل من الرصاص من كل اتجاه، لكن كل حركة منه تودي بقتيل حرفياً، وهو يمتاز بقدرته على استخدام أي شئ متوفر في المكان كسلاح (كما في المشهد الختامي المثير داخل مخزن البضائع).
الخلطة السرية للأكشن!
لا يختلف الفيلم الجديد كثيراً عن سابقيه، حيث يتبع الحبكة نفسها والخلطة نفسها: ماكول يرغب في الاعتزال، ولكن الأوغاد لا يتركونه في سلام، حتى لو ذهب إلى أبعد وأهدأ قرية على وجه الأرض، وهؤلاء الأوغاد ليسوا فقط مجرمين متوحشين بلا قلب يؤذون الأبرياء، ولكنهم أيضا أعداء لأمريكا والعالم الحر، يمارسون غسيل الأموال والاتجار في المخدرات والتعاون مع الارهابيين.
يبدأ الفيلم في صقلية بإيطاليا، حيث يذهب ماكول لأداء مهمة، يقوم خلالها، كالعادة، بالقضاء على عصابة بأكملها، غير أن صبياً صغيراً، ابن رئيس العصابة، يطلق على ماكول النار ويصيبه إصابة خطيرة، ثم يستيقظ ليجد نفسه في ضيافة طبيب طيب في قرية صغيرة، وفيما يبدو أن ماكول قد عثر أخيراً على مكان يعتزل فيه، يتبين أن المافيا هناك أيضاً، وأنها تتاجر في المخدرات مع عناصر من داعش سوريا.
يتصل ماكول بعميلة في وكالة المخابرات الأمريكية (داكوتا فاننج) ليعطيها بعض المعلومات لمداهمة المهربين، ولكن بعد أن تقوم العصابة المحلية بالاعتداء على شرطي شاب شريف، صديق لماكول، يجد نفسه مضطراً للتدخل، وينتهي الأمر بقتل العصابة كلها، التي، كالعادة أيضاً، يتبين أنها جزء من المافيا الأكبر.
نصير المظلومين
ربما لا يصدق المرء أن دينزل واشنطن الوسيم الرقيق عادة، يمكن أن يلعب دور الشخص القاسي الذي يتلذذ بالقتل والتمثيل بأعداءه، ولكن هذا تحديداً ما يفعله واشنطن هنا، في أحد المشاهد يجر مجرماً بعد تسميمه في شوارع المدينة ليلقى حتفه قبل أن يستطيع الوصول إلى المستشفى، وعندما يموت يستمتع ماكول (أو واشنطن) بقضم تفاحة بشراهة.
مع تلك القسوة مع الأشرار، فإن واشنطن (أو ماكول) حنون بشكل هائل مع الأطفال والأبرياء والشرفاء، مستعد للتضحية من أجلهم بحياته، ونقطة قوته التي تقهر أعداءه ليست قوته البدنية أو مهارته في استخدام الأسلحة، بقدر ما هي استسلامه للموت واستعداده له، ما يعطيه هالة قدسية تعادل قسوته كقاتل.
في النهاية نحن أمام فيلم هوليوودي تقليدي من أفلام الأكشن "الوطني"، يعيد تجسيد الصورة النمطية للبطل المغوار العادل، في مواجهة الخطر الخارجي القادم من المافيا الروسية، أو من تحالف المافيا الإيطالية مع الإرهاب.
ويعاني الجزء الجديد من The Equalizer مما عاناه الجزءان السابقان، ومما تعانيه معظم أفلام هذه النوعية: سيناريو مكرر ومتواضع، شخصيات ذات بعد واحد، بجانب مشاهد أكشن جيدة التنفيذ، ومشاهد تمهيدية طويلة وضعيفة.
هو وجبة سريعة مسلية لمحبي الأكشن ومشاهد العنف.. لا أكثر.. ولا أقل.
* ناقد فني
اقرأ أيضاً: