It’s Ok.. مفاجأة إليسا ونتفليكس في عمل لا تنقصه الصراحة

time reading iconدقائق القراءة - 5
الملصق الدعائي للحلقات الوثائقية It's Ok - المكتب الإعلامي لنتفليكس
الملصق الدعائي للحلقات الوثائقية It's Ok - المكتب الإعلامي لنتفليكس
القاهرة -عصام زكريا*

خلال السنوات الأخيرة راجت موجة من الحلقات التليفزيونية والأفلام التي تتناول حياة المغنيين المعاصرين وجولاتهم الفنية، لعل أنجحها كان فيلم  تايلور سويفت Taylor Swift: The Eras Tour الذي تم توزيعه في دور العرض السينمائي، وحقق إيرادات خيالية، بالرغم من كونه تسجيلاً لبعض حفلات المغنية الشهيرة. 

وقبل سويفت طالعتنا المنصات بأعمال عن بيلي إيليش وجنيفر لوبيز وغيرهما، لكنها، على عكس فيلم تايلور سويفت، لا تتمحور حول الأغاني، وإنما حول الفنانات والفنانين أنفسهم، مركزة على قصتهم ومعاناتهم وتجاربهم العاطفية وتفاصيل يومهم، والجهد الذي يبذلونه في عملهم وطرق وطقوس إبداعهم.

شروط النجاح

وهذه المسلسلات أو الأفلام تنجح عادة في حالتين: أن يكون هناك قصة تستحق أن تروى وراء حياة الفنان محور العمل، مستعد لسردها أمام الناس بأكبر قدر من الصراحة وتعرية الذات، أو أن يكون العمل ممتعاً موسيقياً ومبهراً استعراضياً وبصرياً كما في حالة سويفت.

وعادة، فإن الصراحة والإبهار عاملين قلما نراهما في الأعمال التي تدور حول فنانات وفنانين عرب، نظراً للمناخ المحافظ الذي ينتقد الفنانين على أي هفوة، فيما يتعلق بالصراحة، ونظراً للتكلفة العالية التي تتكبدها الأعمال الاستعراضية، فيما يتعلق بالإبهار.

من هنا تأتي المفاجأة التي حملها مسلسل It’s Ok الذي بدأت عرضه منصة نتفليكس 25 يناير، وتناول في 3 حلقات، مدة كل منها 40 دقيقة، مسيرة المغنية اللبنانية إليسا.

الصدق ينقذ!

تتمثل هذه المفاجأة في عنصر متميز وأساسي، ويكاد يكون الوحيد في هذا المسلسل، وهو الصدق الذي تتحدث به إليسا عن مشوار نجاحها وحياتها الصحية والعاطفية، الصدق هو مفتاح هذا العمل ومُنقذه من الملل الذي تتسم به كثير من هذه المسلسلات والبرامج المماثلة.

يبدأ المسلسل، الذي أخرجه جورج مارون، بحلقة أولى متوسطة الجودة والإيقاع، لكن الحلقتين الثانية والثالثة يعوضان هذه البداية بمشاهد وحوارات مثيرين ومؤثرين وإيقاع متسارع بمرور الوقت.

تتحدث إليسا في البداية عن حياتها الفنية، والانتقادات التي طالما طالتها منذ أن ظهرت، بوجه وجسد جديدين بفعل عمليات التجميل، وراحت تغني متلفحة بملاءة سرير بيضاء، مثيرة زوابع من الاهتمام والانتقاد.

وحتى عندما حصلت على جائزة دولية مرموقة بفضل ألبوماتها التي تحقق أعلى المبيعات، اتهمت بأنها اشترت الجائزة، ولكن عندما حصلت عليها في العام التالي، ثم حصلت عليها مرة ثالثة، لم يجد المنتقدون بداً من تصديق أنها مغنية ناجحة.

الأخت سميرة

تحكي إليسا عن طفولتها وأسرتها متوسطة الحال، والخلافات الدائمة التي كانت تحدث بين والديها، وعن مرض أبيها وموته وشعورها بالذنب تجاهه، تعود إلى مسقط رأسها وطفولتها للبحث عن راهبة بعينها في المدرسة الفرنسية التي كانت تدرس بها، راهبة طيبة تركت تأثيراً كبيراً عليها، وكانت أول من اكتشف موهبتها.

وبالفعل تعثر إليسا على "الأخت سميرة" التي أصبحت عجوزاً جداً الآن، ولكن تحتفظ ببراءتها وروحها "الأمومية"، واللقاء لأول مرة بعد عشرات السنوات بين إليسا والراهبة عاطفي وحقيقياً للغاية، وتقريباً، منذ هذه اللحظة، يبدأ المسلسل في اتخاذ منحى إنساني مختلف عن بدايته.

بين التجميل والمرض

تتحدث إليسا عن عمليات التجميل التي شوهت ملامحها، وقصص الفشل العاطفية التي دمرت نفسيتها، وإصابتها بالسرطان في لحظة مفصلية في حياتها، كانت تتلهف فيها لتحقيق حلمها في أن تصبح أماً، ولكن بدلاً من الطفل حصلت على السرطان والعلاج الذي أدى إلى القضاء على حلم الأمومة.

تتحدث عن هذه الأمور وغيرها بصراحة، وشجاعة، وتؤكد أنها وصلت إلى النضج الذي جعلها تكف عن تحدي الزمن والطبيعة، وأن تظهر بملامحها الطبيعية بعد أن تخلصت من كل كميات "السيلكون" و"الفيلرز" التي تملأ جسمها، وأن تتقبل الخيبات والآلام البدنية والنفسية التي أصيبت بها كجزء من الحياة، التي يجب أن تستمر.

ورغم ما مرت به، تُظهر إليسا خلال الحلقات عزيمة هائلة لتجاوز ضعفها وآلام ساقها، وتشوه يدها والحروب التي تشن عليها بسبب مواقفها وآرائها السياسية، كما تظهر تسامحاً وقبولاً لمصير حياتها، بل وتفاؤلاً وثقة مدهشة بالحاضر والمستقبل، هذا التسامح والثقة اللذان يتمثلان في عبارتها الأثيرة: It’s OK، والتي يمكن أن تعني "كل شيء بخير" أو "تمام" أو بالمصري "مفيش مشكلة".

فضيلة الاختزال!

يظهر في الفيلم أيضاً عدد من أفراد عائلة إليسا والمساعدين والمقربين منها، لكن أحاديثهم لا ترقى إلى مستوى صراحتها، ربما باستثناء مساعدتها المصرية التي تحولت من فتاة صغيرة معجبة بأغانيها إلى ذراعها اليمنى وابنتها التي لم تلدها.

ربما كان يمكن اختصار زمن الحلقات قليلاً، وجعله حلقتين فقط، خاصة أن هناك مشاهد في الحلقة الثانية تُعَاد في الحلقة الثالثة، بجانب بعض التكرار والمشاهد الزائدة التي كان يمكن اختزالها.

ولكن بشكل عام فهذا مسلسل يستحق المشاهدة، كاشف، وملهم، ونموذج لأعمال السيرة، وهو يذكرنا بالزمن الذي كان يكتب فيه الفنانون مذكراتهم، وينشرونها على الناس بصراحة وتواضع قلما أن نجد لهما أثراً في الوسط الفني والمجتمع هذه الأيام.

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك