مسلسل 2024... مزيج من الجريمة والرومانسية وتقنيات الإبهار

time reading iconدقائق القراءة - 8
الملصق الدعائي لمسلسل "2024" - المكتب الإعلامي لمنصة "شاهد"
الملصق الدعائي لمسلسل "2024" - المكتب الإعلامي لمنصة "شاهد"
القاهرة -حنان أبو الضياء*

يأتي صنع مسلسل ينتمي إلى مسلسلات الجريمة والرومانسية، وتقديم موسم ثان له، كما في مسلسل "2024"، ليؤكد استعراض القدرات الدرامية الأسلوبية، فبعد كل ما تعرضت له النقيب (سما) نادين نسيب نجيم في القضية (2020)، تٌجبر على العودة، واستئناف عملها مرة أخرى، لتواجه تحديات وصعوبات قاتلة، وتتعرض هي وابنتها لمحاولة القتل، بل وتتورط هي نفسها في أعمال إجرامية، وتصبح حياتها مربوطة بشخصية (لؤي الديب) التي يؤديها الممثل محمد الأحمد. 

يمكن التنبؤ بنجاح المسلسل، إذا استخدمت كل عناصر وتقنيات الإبهار، لإسقاط أحد زعماء المخدرات، مع حدوث الإثارة عند كل منعطف بالدراما، والقدرة على بث الرعب والقلق، وهذا أسلوب أقرب إلى ملحمة الجريمة الأميركية لعائلة مافيا كورليوني في نهاية الخمسينيات.

اتسمت الجماليات البصرية للمسلسل بالمناظر الطبيعية الحضرية، وزوايا التصوير الدرامية، تبنى المخرج والمصورون زخارف بصرية جريئة، وخلقوا لغة بصرية متميزة أصبحت مرادفة لهذا المسلسل عند التنقل بين القصور والقلاع في لبنان وتركيا.

يلقي  مسلسل "2024" نظرة على العشيرة الإجرامية، ربما ساعده على النجاح، أن النسخة المسبقة لا تٌنسى، خاصة أن إحساس المخرج بالتوقيت والإيقاع جعل من "2024" يبدو وكأنه إنجاز حقيقي، حتى بعد مرور وقت على الجزء الأول.

تبدأ الأحداث بذهاب سما وابنتها ميرا للعيش في ضيعة بعيدة عن منزلهما بأسماء مختلفة للابتعاد عن عائلة الديب،  وتقبض الشرطة على ناظم، ويموت والد سما بجلطة قلبية، ويعود لؤي ابن ناظم الديب من الخارج.

كما هو معتاد في الدراما الإثارة والجريمة، يركز مسلسل "2024" على العناصر المثيرة لكل من الجرائم الناجحة، وعلى عكس إجراءات الشرطة، فالتركيز على مجرم أو مجموعة من المجرمين، بدلاً من التركيز على تطبيق القانون، إلى جانب التركيز على المؤامرات، وغالباً ما تكون عنيفة وعدمية.

فبعد نجاح سما في تهريب ناظم من المستشفى وتنقله بسيارة الإسعاف، يتوفى بداخلها، ويعرف لؤي بما حدث لوالده خلال عملية المبادلة، فيطلب من رسمية (كارمن لبس) إطلاق النار على ميرا (تالين بو رجيله)، ويفتش النقيب أيمن (وسام صليب) منزل سما لوجود شكوك تجاهها، وتحاول سما الانتحار لاعتقادها أن ابنتها قٌتلت، ويواجه أيمن- سما بما فعلته فتخبره عن مقتل ميرا.

عالم من العصابات

في مسلسل "2024" نحن أمام عالم من العصابات، تمتد جذورها عبر تاريخ كل عائلة، واستخدم المؤلف بلال شحادات تقنيات السرد القصصي، ليستكمل أحداث الجزء الأول من المسلسل، الذي يؤثر في الأسلوب السردي لهذا الجزء، فكان بمثابة مقدمة بارزة لعناصر الحركة والتشويق التي ستصبح مرادفة لأحداث الجزء الجديد، خاصة أن لؤي يخطط للانتقام من الغول، فيحبس لؤي - ميرا لإجبار سما على العمل معه في المهمة المطلوبة بإيقاع الغول والانتقام منه، ويسافر لؤي وسما إلى تركيا بصفتهما زوجين بأسماء مستعارة.

اعتمد المخرج كثيراً على السرد القصصي البصري والصور التعبيرية، واستخدم هذا لنقل المآثر المثيرة للمجرمين وأفراد العصابات، وبمساعدة الصوت المتزامن مع تدفق الصورة، مما يستحوذ على خيال المشاهد، لقد أنجز ذلك من خلال الإضاءة الدرامية، وحركات الكاميرا الديناميكية. مع استخدام لغة الجسد وتعبيرات الوجه، تلك العناصر عملت على تضخيم التوتر والدراما في تناول الأحداث، ويبدو هذا واضحاً عندما تطلب ليلى من لؤي وسما بعد خطفهما قتل الغول، وفي المقابل ستجعلهما أكبر تاجري مخدرات، ويتضح أن ليلى هي ابنة الغول واسمها غادة، وفعلت ذلك لاختبارهما، ويقرر الغول التعاون مع لؤي وسما.

أتاح المخرج للمشاهد قدراً عاطفياً كبيراً، مكن المشاهد من الاستمتاع بالمطاردات والصراع بين العقول المدبرة الإجرامية، والإمكانيات الذهنية لبطلة العمل. علاوة على ذلك، أصبح صوت إطلاق النار والإيقاع المميز للغة العصابات المنظمة واضحاً، هذه العناصر المميزة للنسيج الفني كانت الركيزة الأولى لاستكمال نجاح المسلسل في الجزء الثاني، خاصة عندما يعتدي لؤي وسما على هرم ويختطفانه، ويعرف هرم (طوني عيسى) أن لؤي ابن ناظم، ويُهدد لؤي – هرم بقتل والدته في حال إخبار أحد بسره، ويصل الغول (رفيق علي أحمد) لسما ولؤي بعد اختفائهما، وتحاول سما أخذ البصمة الخاصة بالغول.

مزيج من الغموض والمكايد

تميز المخرج في استخدامه للظلال والضوء. لخلق مزيج من الغموض والمكايد، ولعب التصوير دوراً حاسماً في تهيئة الجو، في الواقع أن الإضاءة المنخفضة والتناقضات الصارخة والظلال العميقة، أضفت عمقاً إلى السرد الدرامي، إلى جانب إثراء اللغة المرئية لتقنيات رواية القصة، عندما ذهب عماد (غبريال يمين) إلى سما، ولؤي لإنقاذهم في اللحظة نفسها يأتي الغول، ويقوم لؤي بإطلاق النار علي الغول، ويذهب عماد وهرم بالغول إلى المنزل لاستخراج الرصاصة.

هذا الأسلوب في السرد الدرامي يأسر المشاهد، ويدفعه إلى التقاط الواقع الشجاع للبطلة والعوالم الإجرامية المحيطة بها، مما أثار شعوراً متزايداً بالتوتر والتشويق، وتضخيم الشعور بعدم الارتياح وعدم القدرة على التنبؤ، بالتنقل السريع  بين الأنشطة الإجرامية للعصابات في لبنان وتركيا.

وبالطبع الثورة الرقمية في عالم الدراما الآن من الكاميرات الرقمية وأجهزة الاستشعار عالية الدقة، مكنت المسلسل من التقاط تفاصيل معقدة، وإنشاء مشاهد مذهلة، ومتابعة مشاهد المطاردة المثيرة، فانغمس المتفرج في عوالم الجريمة وأفراد العصابات السرية، من زوايا لم يكن من الممكن الوصول إليها سابقاً، كأنه في قلب الأنشطة الإجرامية والمواجهات عالية المخاطر، فطمست الخطوط الفاصلة بين الواقع والخيال.

كانت هناك لغة بصرية شاعرية وعميقة في العلاقة بين بطلي العمل سما ولؤى، ووضع المخرج الاهتمام الدقيق بالتركيب والإضاءة والتأطير في اللقطات التي جمعت بينهما في الأوتيل بتركيا، مشيرة إلى اشتعال قصة حب بينهما، رغم المشاكل كلها التي تقف أمام ظهورها.

تستمر الجاذبية البصرية وبراعة السرد في تشكيل تطور الأحداث واستكمال الصراع بين القانون والعصابات، مما وفر نسيج غني أبهر الجمهور من خلال التقاطع بين الرومانسية والجريمة والتقاطع المثير بين سما ولؤي وأفراد العصابات. سواء أكان الأمر يتعلق بالتصرفات الغريبة للغول أو المزج الذكي بين ذكاء رجل العصابة المتمكن وسما ولؤي. وفي الواقع أن التقاطع بين الرومانسية بين بطلي العمل والجريمة قدم لمسة إنسانية على رواية الجريمة التقليدية.

الصراع الأيقوني بين الخير والشر

مع تصادم متصاعد من الأحداث بين العصابات ورجال القانون، وبسلسلة معقدة من الأحداث نستكشف الخطوط غير الواضحة بين إنفاذ القانون وما يتعرض له العاملون فيه الذين تتعرض حياتهم للخطر إلى حد الموت، كما حدث للنقيب أيمن، ومن هنا تطرح أسئلة مثيرة للتفكير حول طبيعة البطولة وحدود التهور في تنفيذها.

في مسلسل "2024"، يعاد تصور الصراع الأيقوني بين الخير والشر في سياق الجريمة المنظمة، مما يضيف طبقات من العمق والإثارة إلى حكايات الصراع بين أجهزة الأمن ورجال العصابات، الذين يقدم وجودهم، كأعداء مؤهلين بكل سبل الانتصار والنجاح، ديناميكية مقنعة تتحدى الازدواجية التقليدية للبطل مقابل الشرير.

نجح المسلسل، ونال إعجاب المشاهدين بالتباين في اللقطات المتتابعة، التي أعطت المشاهد إحساساً بالنذير والهيمنة، وكآبة ووحشية عالم العصابات الإجرامي، مما أثار استجابات عاطفية عميقة، وعزز تجربة سرد المسلسل بشكل عام، مع الدخول إلى مناطق مجهولة ضمن الأحداث، بتفاصيل معقدة ونابضة بالحياة تتمتع بمرونة وكفاءة غير مسبوقة، حيث أصبحت الخلفيات مدمجة بسلاسة في تصميم مشاهد الجريمة المعقدة وتسلسلات الحركة بدقة.

بالطبع انتشار الجريمة والعصابات خلال فترة الأزمات المالية التي يعيشها لبنان، عكست المخاوف المجتمعية وانحطاط القيم التقليدية، ونجح المسلسل في تصوير ما يحدث في صفوف الجريمة المنظمة هناك، حيث تحدي السلطة، وتدهور تطبيق القانون. 

*ناقدة فنية

تصنيفات

قصص قد تهمك