"أوبرا العتبة".. مسرحية تبدأ من السوق الشعبية قبل دخول المسرح بالقاهرة

time reading iconدقائق القراءة - 6
مشهد من مسرحيّة "أوبرا العتبة" التي تعرض على مسرح الطليعة في ميدان العتبة وسط العاصمة المصرية القاهرة - AWP
مشهد من مسرحيّة "أوبرا العتبة" التي تعرض على مسرح الطليعة في ميدان العتبة وسط العاصمة المصرية القاهرة - AWP
القاهرة-AWP

في ميدان العتبة الشهير بالعاصمة المصرية القاهرة، وعلى مقربة من مبنى المسرح القومي العريق، يتابع روّاد أحد الأسواق الشعبية مشهداً يتكرّر كلّ ليلة حين تقف مغنية أوبرا الساعة 9 مساءً (6 بتوقيت جرينتش) لتصدح بمقاطع من معزوفات عالميّة وإلى جوارها زميلها المغني ليُكمل المعنى.

وعلى الرّغم من صخب أصوات الباعة والمارة في الميدان المزدحم في أغلب الأوقات، إلا أنّ المشهد الافتتاحيّ لمسرحيّة "أوبرا العتبة" الذي تقدمه المغنيّة الأوبرالية وزميلها، يثير انتباه المارة وشغف المتجولين على نحو يدفع البعض منهم إلى الدخول لمعرفة سرّ وقوف المغنيين في هذا المكان.

المشهد نفسه يبدو مثيراً لجمهور المسرحيّة، التي تُعرض على مسرح الطليعة في منطقة العتبة وتحظى باهتمام إعلاميّ وتستقطب جمهوراً متنوعاً منذ أن بدأ تقديمها قبل نحو 3 أسابيع.

بعد المشهد الافتتاحي الذي يبدأ في الشارع، يدخل الجمهور إلى المسرح ليجد نفسه في مواجهة خشبة تقليديّة مقسّمة إلى قسمين، يمين المسرح ويساره؛ في اليمين، يرتب رجل أركان مكتبته ويبدو عليه مظهر المثقف القابع في برج عاجي بينما تجلس سيدة حائرة تُمسك بجهاز تحكم عن بعد في التلفزيون ينقلها من قناة فضائيّة إلى أخرى، قبل أن تقرر الاتصال بالسوبر ماركت.

وتطلب السيدة من السوبر ماركت سلعاً متعددة تشبه نهمها للاستهلاك، ويبدو أنها محاصرة بخوفها المرضيّ من نقص السلع والأدوية، ومن عودة زوجها الذي يعمل في الخارج بينما تستنزف هي مدخّراته.

أوبرا العتبة تناقش العشوائيات

مؤلّف المسرحيّة ومخرجها هاني عفيفي، قال لوكالة أنباء العالم العربي (AWP)، إنّ هذ العمل تأسس على مفارقة العلاقة بين الداخل والخارج؛ وأنه أراد منه "نقل الداخل إلى الخارج والعكس".

وأضاف: "تنقل المسرحية إجمالاً الصخب العشوائي في الأسواق المجاورة إلى داخل المسرح؛ كما ترغب في استقطاب جمهور تلك الأسواق ليتحرّك إلى داخل المسرح ويكسر اغترابه عن نوعيّة معيّنة من الفنون يظنّ أنّها نخبويّة، في حين أنّها جماهيريّة لكنها تعجز عن الوصول إليه".

وأشار عفيفي إلى أنّ ما وصفه بالحصار الذي تفرضه الأسواق العشوائية على موقع مسرح الطليعة والمسرح القومي، هو الذي ألهمه بفكرة العرض؛ إذ أصبح المسرحان اللذان يمثّلان القيم الثقافيّة في عزلة عن المجتمع والجمهور، الذي لا يدرك قيمة المسرحين ولا يعرف كيف يصل إليهما".

ويرى الناقد المسرحي أحمد خميس، أنّ المسرحيّة تخوض مغامرة يوميّة من خلال مشهد مغنيّة الأوبرا التي تقف وسط الميدان بين الباعة الجائلين وتثير اهتمامهم، ويصف فكرتها بأنّها "شجاعة، لأنها تستفز الجمهور وتدين عُزلة المثقّف وتكشف قبح ثقافة الاستهلاك".

وقال: "العرض ينتمي إلى عروض الاسكتشات التي لا يجمعها رابط أو خيط دراميّ واحد، لكنّها تطرح قضاياها على المتفرج وتنقل ما يحدث في المجتمع".

أوبرا العتبة تناقش التشوّش العام

طوال العرض، الذي يستمرّ نحو ساعة، يُتابع الجمهور مجموعة من الاستعراضات التي تكشف حالة من التشوّش العام، وتنقل استجابة الجميع لما تطرحه مواقع التواصل الاجتماعيّ من قضايا تُصبح على رأس أولويّات المجتمع.

ويظهر داخل المسرح ممثلو العرض وهم يؤدّون أدوار الباعة ويُمسكون بمكبّرات الصوت الصاخبة؛ كما ينقل النصّ معاناتهم في ظلّ صعوبات الوضع الاقتصادي.

وأشاد خميس بقدرة مؤلّف العرض ومخرجه على "تمرير رسائل وانتقادات بمنتهى الحرفيّة والمهارة دون التورّط في صدام مباشر مع الرقابة؛ إذ اعتمد على آليات التهكّم والكوميديا لكشف الطابع العشوائي وأثره على المجتمع".

ينتهي العرض وجميع الأطراف محاصرون بمجموعة من صناديق السلع والأدوية بعد تفشّي حالة الخوف المرضي، وتلقي المسرحيّة أيضاً الضوء على قضية اغتراب المثقف القابع في برجه العاجي غير قادر على الاشتباك مع القضايا اليومية؛ فهو غارق في متاهة المصطلحات الفلسفيّة ومنفصل تماماً عن التحديات التي يفرضها الواقع.

ويرى خميس أنّ المسرحية ترفض تصنيف الإنتاج الفني قياساً إلى مدى استجابته لمطالب فئة أو شريحة من المثقفين أو الجمهور، وتنتصر لقبول فكرة التعدد "إذ لا تعارض بين الشعبي والنخبوي طالما أنه يحقق المتعة".

وتجسّد شخصيات المسرحيّة مجموعةٌ من الممثلين الهواة، إلى جانب الممثلة دعاء محمد حمزة والممثل محمد عبد الفتاح (كالابالا)، أما المخرج هاني عفيفي، المتخرّج في ورشة الإخراج بمركز الإبداع الفني في دار الأوبرا المصرية، فسبق أن قدّم مجموعة من العروض، منها "عن العشاق"، و"مشاحنات"، و"ولا في الأحلام".

تصنيفات

قصص قد تهمك