مهرجان فينيسيا يفتتح دورته الـ81 بإحياء الماضي في ثوب جديد

time reading iconدقائق القراءة - 7
مجموعة من نجوم السينما العالمية تتوسطهم الإيطالية مونيكا بيلوتشي على السجادة الحمراء خلال افتتاح مهرجان فينيسيا السينمائي- 28 أغسطس 2024 - Reuters
مجموعة من نجوم السينما العالمية تتوسطهم الإيطالية مونيكا بيلوتشي على السجادة الحمراء خلال افتتاح مهرجان فينيسيا السينمائي- 28 أغسطس 2024 - Reuters
فينيسيا-عصام زكريا*

أن تصل إلى فينيسيا مساء ليلة صيف دافئة، تهبط الطائرة محلقة فوق المياه قبل أن تعبرها وصولاً إلى اليابسة، على بعد أمتار من صالة الوصول تستقبلك المياه من جديد، عليك أن تستقل مركباً لأكثر من ساعة، حتى تصل إلى قلب المدينة، حيث تقام فعاليات مهرجانها الأكبر، بينالي فينيسيا الدولي الملقب بـ"الموسترا"، والذي انطلقت فعالياته الأربعاء.

مع ذهاب أشعة الشمس تدريجياً وسقوط الليل، تبدأ معالم المدينة في التألق بشكل مختلف، مخلفة صورها على صفحة الماء، كأنك تغادر إلى عالم من الأحلام، تتماوج صور المدينة، مع حركة المياه والمراكب، بك، وحولك.

دي سيكا.. قبل الافتتاح

مع بداية اليوم الأول للمهرجان يبدو كل شيء وكأنه يتماوج، البحر واليابسة، الناس والأفلام، والمهرجان. يُذكر أن "بوستر" المهرجان عبارة عن فيل يحمل فتاة يبحران عبر مياه اللاجون الفينيسية.

قبل موعد الافتتاح الرسمي بيوم، بدأ المهرجان بفيلم (L’oro de Napoli) "ذهب نابولي"، للمخرج الإيطالي الراحل فيتوريو دي سيكا، بمناسبة مرور 75 عاماً على إنتاج الفيلم، ومرور 50 عاماً على وفاة صاحبه!

الفيلم الذي يُعد واحداً من كلاسيكيات السينما العالمية، وأحد أوائل الأفلام التي تتكون من عدة قصص متفرقة، يجمعها مكان واحد هو مدينة نابولي، حيث يسعى دي سيكا للتعبير عن روح وخصوصية هذه المدينة العريقة، وخصائص سكانها.

شارك في بطولة "ذهب نابولي" عدد من كبار نجوم السينما الإيطالية، من بينهم دي سيكا نفسه، الذي كان ممثلاً وكاتباً ومخرجاً، وأيضاً أيقونة إيطاليا صوفيا لورين، التي تحتفل في 20 سبتمبر القادم بعيد ميلادها التسعين!

تعوم مدينة فينيسيا ليس في الماء فقط، بل في الذكريات. معالمها وبيوتها القديمة تشهد على حضارات وأزمنة عمرها أكثر من ألفي عام.

ومهرجان فينيسيا السينمائي الذي أقيم لأول مرة عام 1943، هو أقدم مهرجان في العالم، ولعل ذلك ما يفسر ولع الناس به، خاصة في دورته الحالية، حيث الاحتفال بالقديم.

عودة بيرتون وكيتون.. بصحبة بيلوتشي

ينطلق "فينيسيا" إذن، قبل موعد افتتاحه بيوم، ثم تبدأ عروضه صباحاً بعرض فيلم للصحافيين وحاملي البطاقات، إلى جانب عدد آخر من الأفلام التي شغلت كل القاعات، وهو ما يعكس الاهتمام بشغل كل دقيقة من عمر المهرجان وضيوفه ورواده، الذين يتوافدون على جزيرة الليدو بمادة سينمائية ثرية.

من أبرز هؤلاء النجوم الرائعة سيجورني ويفر التي يكرمها المهرجان بجائزة "الإنجاز الفني"، وأنجلينا جولي التي أتت بصحبة فيلمها الجديد "Maria"، الذي يروي فاصلاً من حياة مغنية الأوبرا الشهيرة ماريا كالاس، إضافة إلى عدد كبير من النجوم المحليين والعالميين.

وفيلم الافتتاح هو أحدث ما جادت به قريحة النجم السينمائي الكبير تيم بيرتون "Beetlejuice Beetlejuice" هو أيضاً فيلم قديم، أو بالتحديد جزء ثان من عمل قديم بعنوان "Beetlejeuice" (فقط)، من إنتاج 1988، وكان من أوائل الأعمال التي جمعت تيم بيرتون بالممثل مايكل كيتون، قبل أن يلتقيا في العام التالي من خلال فيلم "Batman".

وفي الفيلم الجديد يعاود مايكل كيتون إلى لعب شخصية "بيتلجوز"، وهو كائن مخيف ومقزز ومضحك، لا إنسان ولا شبح، يسعى لطرد عائلة ديتز من أحد البيوت القديمة، بناء على طلب أرواح العائلة التي كانت تسكن قبلهم.

بعد أكثر من 30 عاماً، تعود الفتاة ليديا ديتز (وينونا رايدر) التي كانت في الـ15 من عمرها وقت صنع الفيلم الأول، وقد أصبحت والدة فتاة اسمها أستريد (جينا أورتيجا)، هي نسخة من جموح وغرابة أطوار أمها في الفيلم الأول، إلى المنزل المهجور عقب وفاة كبير العائلة.

ونتيجة فضول أستريد وتمردها على التحذيرات ينفتح باب الجحيم مجدداً، إذ يعود بيتلجوز إلى الحياة، مهدداً ومثيراً للرعب والتفكير، مصراً على كسر الخط الفاصل بين الموتى والأحياء: كأنه صورة من فينيسيا التي تحلم بكسر هذا الخط "الوهمي" بين الماضي والحاضر!

بجانب كيتون ورايدر وكاثرين أوهارا، التي لعبت دور الأم في الفيلم الأول، ينضم إلى الفيلم الجديد نجوم آخرون على رأسهم ويليام ديفو، ومونيكا بيلوتشي، رفيقة حياة بيرتون حالياً.

وعلى غرار الفيلم الأول، يتميز العمل الجديد بمواقفه وحواراته الطريفة سريعة الإيقاع، بداية من الحوار الذي يجمع الأم بابنتها على مقبرة الجد، تقول الأم: "الموت شيء صعب"، وترد الابنة باردة العقل: "الحياة أصعب"!

وفي المؤتمر الصحافي الذي سبق الافتتاح، أعلن تيم بيرتون أنه لم يصنع الفيلم الجديد سعياً وراء المال أو استغلال نجاح العمل الأول، وإنما لأسباب شخصية بحتة، كنوع من العودة للجذور عقب سنوات من التيه والتخبط. وكان آخر عمل قد قدمه بيرتون هو "Dumbo" منذ 5 سنوات لم يلق النجاح المنتظر رغم تكلفته الباهظة.

"انفصال".. ضربة لإدارة ترمب

إضافة إلى فيلم الافتتاح، شهد اليوم الأول للمهرجان عرض عدد آخر من الأفلام على رأسها فيلم "Separated" لمخرج الأفلام الوثائقية الكبير، الأميركي إيرول موريس، الذي اعتاد نقد سياسات الحكومة الأميركية، موجهاً نقداً شديداً إلى إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب وسياسته الخاصة باللاجئين، والتي أدت إلى انفصال عشرات العائلات المكسيكية بين الولايات المتحدة والمكسيك.

وأخيراً، كنوع من تأكيد الاحتفاء بالقديم في فينيسيا، استحدث المهرجان مسابقة جديدة بعنوان "الكلاسيكيات"، لا تعني بالطبع إعادة تحكيم الأفلام الكلاسيكية، لكنها تضم الأفلام الحديثة المصنوعة عن أفلام ونجوم قدامى، في تجسيد لفكرة المهرجان ومدينته الرائعة: كيف يجتمع القديم بالحديث في كيان واحد، ويستمر المهرجان 11 يوماً.

 * ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك