يبدأ فيلم Joker:Folie a Deux بفقرة رسوم متحركة خفيفة الظل بعنوان "أنا وظلي"، تدور حول شخصيات، أو ظلال مختلفة، تتنازع على سرقة شخصية الجوكر، حتى أن الشخصية الحقيقية نفسها تتعرض للحبس والضرب وتختفي، فقرة لا يتضح مغزاها سوى في المشاهد الأخيرة للفيلم.
في كل الأحوال، فإن الجزء الثاني من Joker الذي عرض في الدورة 81 لمهرجان فينيسيا السينمائي، فيلم صادم، خاصة لعشاق الشخصية التي تحولت إلى أيقونة شبابية في كل أنحاء العالم بعد الفيلم الأول.
في لحظة في بداية الفيلم، ربما حتى قبل المشاهدة، كان السؤال الذي يشغل رأسي هو: كيف سيمكن، إنسانياً وأخلاقياً، الدفاع عن آرثر فليك، ذلك القاتل الوحشي الذي يتنكر في هيئة "بلياتشو"، والذي قض مضاجع سكان مدينة جوثام لسنوات طويلة، ولولا نجاح "باتمان" في التصدي له، لدمر المدينة والعالم بأسره منذ عقود مضت؟.
كيف يمكن تمجيد شخصية الجوكر في عالم بات يعاني من الوحشية والدموية بشكل مخيف، من المؤكد أنه سيدفع أي صانع أفلام لديه الحد الأدنى من الحس السليم أن يفكر ألف مرة قبل أن يروج للعنف والقتلة المتسلسلين؟.
من الواضح أن هذه المعضلة الفنية الإنسانية هي ما شغل بال كل من كاتب الفيلم سكوت سيلفر والمخرج تود فيلبس، الذي شارك في كتابته، وفي لحظات بالقرب من وسط الفيلم ونهايته، تبدو هذه الأسئلة وكأنها تلح عليهما بشكل مزعج ومؤلم، للدرجة التي أثرت على اختياراتهما، وعلى كثير من حوارات الفيلم، وتجلى ذلك بشكل واضح في النهاية المضطربة، غير المتوقعة، التي لجأ إليها.
شخصيات غريبة الأطوار
Joker: Folie a Deux، وهو تعبير فرنسي يعني "الجنون لاثنين"، يتوجه بالأساس إلى جمهور السينما اليوم، من عشاق "مارفل" والجوكر وليدي جاجا، ولثقافة حائرة بين التمرد عن طريق التطرف وتمجيد العنف، والتمرد ضد التطرف والعنف، ثقافة عبادة الشخصيات غريبة الأطوار و"المشوهة" التي تجسد هذا التمرد والتمرد المضاد.
كيف يمكنك أن تخاطب هذا الجمهور الذي حول الجوكر إلى "معبود" ونموذج يحتذى؟ وفي الوقت نفسه تحذر من خطورة هذا العشق الذي يمكن أن يدفع الكثيرين إلى اتخاذه قدوة ومثلاً يُحتذى؟
في البداية والنهاية، هذا فيلم هوليوودي، من تلك النوعية التي ينفق عليها 200 مليون دولار أو أكثر، لكي تحقق إيرادات تقدر بالمليار، ويشاهد على نطاق واسع من قبل الملايين في كل أنحاء العالم. فيلم يحتاج بشدة إلى النجاح الجماهيري.
من أجل تحقيق هذا الهدف لجأ صناع الفيلم إلى اختيار شديد التوفيق، وهو جعله فيلماً موسيقياً غنائياً، يتحول فيه الجوكر، أو خواكين فينكس، إلى مغن وراقص، وتشارك فيه واحدة من أشهر وأحب مطربات الجيل وهي ليدي جاجا، وعلى طريقة Lala Land وStar is Born، يمتلئ Joker الثاني بأغان واستعراضات راقصة لكل من جاجا وفينكس، ومعظمها أغان كلاسيكية محبوبة مألوفة، تروق لمعظم، إن لم يكن لكل، أنواع المشاهدين.
مفارقة ساخرة
بقدرة قادر، إذن، تحول Joker 2 إلى فيلم Romantic Comedy عاطفي، يبدأ بأغنية رومانسية تقول كلماتها أن كل ما ينقص العالم هو الحب!
هذه الأغنية التي تتخلل فقرة الرسوم المتحركة المضحكة التي يبدأ بها الفيلم، تبدو وكأنها نوع من المفارقة الساخرة لفيلم يعرف مشاهدة مسبقاً أنه سيعج بمشاهد العنف والقتل، وأن من يؤدي الأغنية هو واحد من أكثر المجرمين السيكوباتيين جنونا على مر تاريخ "الكوميكس"!
لكن مع الوقت يتبين أن الأغنية ليست مفارقة ساخرة، ولكنها عنصر غريب ضمن عناصر عدة متنافرة داخل الفيلم، تخلق إحساساً بالغرابة حيناً، والملل أحياناً، والصدمة أخيراً.
من بين أكثر من ساعتين وربع الساعة هي زمن عرض الفيلم، تشغل مشاهد محاكمة آرثر فليك حوالي الساعة، والسؤال الأساسي الذي يثار في المحكمة هو هل فليك مريض عقلي ونفسي غير مسؤول عن أعماله، أم أنه يدعي المرض لكي يتهرب من مسؤولية جرائمه الوحشية؟، سؤال طالما وجهته السينما بخصوص هذه النوعية من القتلة الجذابين من أيام Psycho ألفريد هيتشكوك.
لكن السؤال الحقيقي الذي يشغل قلب الفيلم في الحقيقة ليس مدى صحة فليك العقلية، ولكن مدى صحة عشاق الجوكر العقلية!
فليك، بشكل ما، ومثل بطل Psycho، يعبر عن لا وعي جيل كامل، جيل يعاني من مشكلات أسرية واجتماعية خطيرة، خاصة مع الأم، فيما يمكن أن نطلق عليه مركب أو عقدة "أوريست" الذي قتل أمه انتقاما لأبيه، على عكس أوديب الذي قتل أبيه حبا في أمه. وهذا المركب أو العقدة ليست فردية شخصية، كما يعتقد عادة، ولكنها ثقافية عامة، إذ يشعر الجيل الحالي بأن المؤسسة السلطوية، المتقنعة في دور الأم الرحيمة، هي في الحقيقة أم شريرة تأكل أبنائها. وليس غريبا أن كل من الجوكر وحبيبته المجنونة في الفيلم قد قاما بقتل الأم.
يشير "الجوكر 2" في مشاهد عدة إلى أن "الجوكرة" باتت مرضاً اجتماعياً خطيراً، أو على الأقل ظاهرة لها جانبها الخطير إذا لم يتم الانتباه إليه، ذلك أن هذا الهوس الجماعي بالتخريب والعنف يمكن أن ينفجر في لحظة ما، مؤدياً إلى كوارث، ولعل الانفجارات الشبابية المتطرفة، غير المسيسة وغير المدعمة بفكر ووعي إنساني، التي نشبت في أماكن متفرقة من العالم في السنوات الأخيرة خير مثال على ذلك.
هذا فيلم عن أسطورة معبودة، يهدم عن عمد هذه الأسطورة!
* ناقد فني