تثير صلاحيات المرشد الإيراني، خاصة أن البلاد بصدد انتخابات رئاسية ربما تغيّر من مسارها السياسي على المدى القصير لسنوات مقبلة، أسئلة كبيرة خصوصاً بعدما أقصى مجلس صيانة الدستور مرشحين محتملين بارزين لانتخابات الرئاسة، في وقت حذرت المعارضة من أن الوضع في إيران بلغ مرحلة تنصيب الرئيس من قبل المرشد الأعلى، من دون الاستناد إلى الانتخابات.
واستبعد مجلس صيانة الدستور علي لاريجاني الذي ترأس مجلس الشورى (البرلمان) لمدة 12 عاماً، كما عمل مستشاراً للمرشد علي خامنئي، والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وإسحاق جهانغيري النائب الأول لروحاني، فضلاً عن القيادي الإصلاحي مصطفى تاج زاده، وهو مساعد سياسي في وزارة الداخلية خلال عهد الرئيس السابق محمد خاتمي.
ويتكوّن مجلس صيانة الدستور من 12 عضواً، نصفهم يأتون باختيار من المرشد الأعلى نفسه، والنصف الآخر عن طريق رئيس السلطة القضائية، الذي يعيّنه المرشد أيضاً، وهو ما يمنح خامنئي سيطرة فعلية على مجلس صيانة الدستور.
وتتحدى بعض أصوات المعارضة الإيرانية سلطة خامنئي الهائلة، فهو يسيطر على السلطة القضائية، وأجهزة الأمن، والبث الإذاعي والتلفزيوني، ومؤسسات تمتلك قطاعاً كبيراً من الاقتصاد.
سلطة مطلقة للمرشد
منذ انتخابه من أعضاء مجلس الخبراء من قبل الإيرانيين في عام 1989 عقب الخميني، أصبح علي خامنئي مرشداً أعلى للثورة في إيران بسلطة مطلقة في الدولة، بموجب الدستور.
وينص الدستور الإيراني على بقاء المرشد في منصبه حتى وفاته، ولا يمكن عزله إلا من قبل المجلس ذاته في حال ثبوت عدم كفاءته، فيما تخوّل المادة الخامسة من الدستور المرشد ممارسة السلطات بالنيابة عن "الإمام المهدي الغائب".
وتحدد المادة رقم 110 من الدستور الإيراني وظائف وصلاحيات المرشد الأعلى في:
- رسم السياسات العامة لنظام الجمهورية.
- الإشراف على حسن تنفيذ السياسات العامة للنظام.
- إصدار الأمر بالاستفتاء العام.
- قيادة القوات المسلحة.
- إعلان الحرب والسلام.
- توقيع مرسوم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب.
- عزل رئيس الجمهورية مع أخذ مصالح البلاد بعين الاعتبار، بعد صدور حكم المحكمة العليا بمخالفته لوظائفه الدستورية، أو بعد تصويت مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته السياسية وفقاً للمادة 89 من الدستور.
المادة ذاتها تخوّل المرشد الأعلى تنصيب وعزل وقبول استقالة كل من:
- نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور (يبلغ عددهم 12 عضواً).
- رئيس السلطة القضائية.
- رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.
- القائد الأعلى لقوات الحرس الثوري.
- القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن.
رئيس بصلاحيات مقيّدة
وبينما يشغل المرشد الأعلى منصبه مدى الحياة ويتمتع بسلطات مطلقة تتفوق على جميع السلطات الدستورية الأخرى في البلاد، فإن رئيس الجمهورية يعطيه الدستور صلاحيات تنفيذية مقيّدة، ويتولى المنصب لمدة أربع سنوات فقط، قابلة للتجديد مرة واحدة.
وتبقى معظم صلاحيات الرئيس مقيّدة بموافقة المرشد الأعلى، أو موافقة مجلس الشورى (البرلمان).
وتنص المادة 60 من الدستور على أن رئيس الجمهورية يمارس "السلطة التنفيذية باستثناء الصلاحيات المخصصة للإمام القائد (المرشد الأعلى)". كما تنص المادة 113 على أن "رئيس الجمهورية يرأس السلطة التنفيذية إلا في المجالات التي ترتبط مباشرة بالقيادة العليا"، وهو ما يفسر كيف أن رئيس الجمهورية لا يمكنه أن يتبع سياسة خارجية لا تتفق وإرادة المرشد الأعلى للجمهورية، حتى لو كان يتمتع بتأييد شعبي واسع.
ويعتبر الفصل التاسع من الدستور رئيس الجمهورية أعلى سلطة رسمية في البلاد بعد المرشد الأعلى، ويحدد صلاحياته في أن:
- يعيّن رئيس الجمهورية الوزراء، ويطلب من مجلس الشورى الإسلامي منحهم الثقة.
- يعزل رئيس الجمهورية الوزراء، وعليه في هذه الحالة أن يطلب إلى مجلس الشورى الإسلامي منح الثقة للوزير الجديد أو الوزراء الجدد.
- يوقع رئيس الجمهورية التشريعات التي يقرها مجلس الشورى الإسلامي، ونتيجة الاستفتاء العام بعد مرورها بالمراحل القانونية، وإبلاغه إياها.
- يوقع رئيس الجمهورية المعاهدات والعقود والاتفاقيات والمواثيق التي تبرم بين الحكومة الإيرانية وسائر الدول، وكذلك المعاهدات المتعلقة بالمنظمات الدولية، بعد موافقة مجلس الشورى الإسلامي.
- يتولى رئيس الجمهورية مسؤولية أمور التخطيط والموازنة والتوظيف في الدولة، وله أن يفوّض لآخرين القيام بهذه المهام.
- في حالات خاصة، وبعد موافقة مجلس الوزراء، يحق لرئيس الجمهورية تعيين ممثل خاص أو أكثر له، بصلاحيات خاصة. وفي هذه الحالات، تعتبر قرارات الممثلين بمثابة قرارات رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء.
- يعيّن رئيس الجمهورية السفراء باقتراح من وزير الخارجية، ويوقع رئيس الجمهورية أوراق اعتماد السفراء، ويتسلم أوراق اعتماد سفراء الدول الأخرى.
- يمكن لرئيس الجمهورية تقديم استقالته إلى المرشد الأعلى، على أن يستمر في تأدية مهامه حتى تُقبل استقالته.
تحكم في الانتخابات
وتتهم أصوات المعارضة في إيران خامنئي باستغلال سلطاته الدستورية من أجل التحكم في الانتخابات، عن طريق استبعاد المرشحين الذين لا يريدهم، قبل توجه الناخبين للتصويت على قائمة المرشحين الذين يصادق عليهم خامنئي بطريقة غير مباشرة.
وينص الدستور على تشكيل مجلس لصيانته، يتولى الإشراف على انتخابات رئيس الجمهورية، والمصادقة على أهلية المرشحين لمنصب الرئيس، قبل إجراء الانتخابات.
المجلس يتكوّن من 12 عضواً، نصفهم يعيّنهم مباشرة المرشد نفسه، والنصف الآخر عن طريق رئيس السلطة القضائية.
وتشير أصوات المعارضة إلى أن خامنئي هو من يعيّن رئيس السلطة القضائية، وأن ذلك يمنح المرشد سيطرة فعلية على مجلس صيانة الدستور، ما يسمح له بالتالي بالسيطرة بشكل أساسي على قرار المصادقة على بعض المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية واستبعاد آخرين.
وأفاد موقع "إيران إنترناشيونال" بأن القيادي الإصلاحي مصطفى تاج زاده علّق، الثلاثاء الماضي، على رفض أهليته لخوض الانتخابات الحالية، قائلاً: "الأمر تجاوز هندسة الانتخابات الرئاسية وبلغ مرحلة التنصيب" من قبل خامنئي.
وعشية بدء تسجيل طلبات المرشحين، في مايو الماضي، أفادت وكالة "فارس" الإيرانية للأنباء بأن مجلس صيانة الدستور حدّد وجوب أن يكون عمر المرشح بين 40 و75 عاماً، وحاصلاً على درجة الماجستير أو ما يعادلها على الأقل، وشغل مناصب إدارية لأربع سنوات على الأقل.
وأشار المجلس إلى إمكانية ترشح الوزراء والمحافظين ورؤساء البلديات في المدن التي يزيد عدد سكانها على مليوني نسمة، وأيضاً القادة العسكريين برتبة لواء فما فوق، مشترطاً عدم وجود "سجل جنائي" للمرشح.
وبحسب موقع "إيران إنترناشيونال"، فإن منتقدين لشروط المجلس الجديدة يرون أنه إجراء "غير قانوني"، مشيرين إلى أن المجلس يؤدي بذلك دوراً "تشريعياً"، فيما "ينص الدستور الإيراني على أن البرلمان هو الجهة التشريعية الوحيدة في البلاد".
صلاحيات تتجاوز الدستور
منذ وصوله إلى رأس السلطة في إيران عام 1989، عمل خامنئي على توطيد علاقاته مع الحرس الثوري وجهاز الاستخبارات والقضاء والإعلام في البلاد، ما ساعده على إنشاء قاعدة سلطة حقيقية أتاحت له التدخل في تفاصيل إدارة هذه المؤسسات وتوسيع نطاق سلطته بما يتعدى صلاحياته الدستورية، وفقاً لـمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
ولفت المعهد الأميركي إلى أن خامنئي تمكن من زيادة نفوذه تدريجياً خلال العقود الماضية، حتى "أصبح اليوم صاحب القرار الأخير في القضايا المتعلقة بالعقيدة العسكرية والسياسة الخارجية والنووية".
كذلك، أشارت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في تقرير لها إلى أن خامنئي استخدم سلطته لبسط نفوذ وتعزيز قوة الحرس، وذلك من خلال تعيينه العديد من عناصره السابقين في مناصب سياسية رفيعة. منحه أيضاً أدواراً خارجية، وخوّله إنشاء شبكة علاقات واسعة في المنطقة تمتد من اليمن إلى سوريا والعراق وغيرها.
وبالإضافة إلى إدارة جهازه الخاص للسياسة الخارجية عبر "فيلق القدس" و"المجلس الأعلى للأمن القومي" الذي يسيطر عليه خامنئي، أصبح الحرس الثوري يتدخل إلى حدّ كبير في المؤسسات والأنشطة الدبلوماسية الإيرانية التقليدية خلال العقود الأخيرة.
وأشار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى هذه الحقيقة في تصريحات مسرّبة، في أبريل الماضي، عندما لفت إلى "الأمننة" المتنامية للسلك الدبلوماسي للنظام، ولكنه لم يوضح سبب إخفاقه في مقاومة هذا التدخل أو الاستقالة احتجاجاً على ذلك.
ووفقاً لموقع "إيران إنترناشيونال" الذي نشر التسريب، فإن ظريف أكد أن الحرس الثوري كان يفرض سياساته على وزارة الخارجية. ولم ينفِ المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زاده صحة التسجيل، ولكنه أكد اقتطاعه من حوار امتد لساعات، ولم يكن معداً للنشر، وتضمن مواقف "شخصية" لظريف الذي يشغل منصبه منذ عام 2013، بعد تولي روحاني رئاسة الجمهورية.
اقرأ أيضاً: