أجلت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه"، ضابط استخبارات كان يعمل في صربيا في الأسابيع الأخيرة، بعد تعرضه لإصابات خطيرة تنطبق عليها "تداعيات الهجمات على الجهاز العصبي" المعروفة باسم "متلازمة هافانا"، وفقاً لما قاله مسؤولون أميركيون لصحيفة "وول ستريت جورنال".
وبحسب الصحيفة، يُعد الحادث الذي وقع في البلقان والذي لم يتم الإفادة عنه من قبل، "الأخير" ضمن ما صفه مسؤولون بأنه "توسع مطرد في الهجمات على الاستخباراتيين والدبلوماسيين الأميركيين الذين يعملون في الخارج" من قبل مهاجمين مجهولين يستخدمون ما يشتبه مسؤولون حكوميون وعلماء في أنه نوع من "مصادر الطاقة الموجهة".
وقال مسؤولون حاليون وسابقون للصحيفة، إن هجمات أخرى يشتبه في وقوعها خارج الولايات المتحدة وداخلها، إضافة إلى الهجمات التي تم الإبلاغ عنها مؤخراً في الهند وفيتنام.
هجمات مستمرة
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن جيمس جيوردانو، أستاذ علم الأعصاب بجامعة جورجتاون ومستشار الحكومة الأميركية بهذا الشأن، إنه "في غضون 60 إلى 90 يوماً الماضية، كان هناك عدد من الحالات الأخرى التي تم الإفادة عنها"، سواء داخل الولايات المتحدة أو في جميع أنحاء العالم. ووصف البروفيسور جيوردانو هذه التقارير بأنها "سليمة"، وبأنها تحتوي على "مؤشرات صحية تم التحقق منها".
وقال مسؤولون حاليون وسابقون للصحيفة الأميركية، إن هذه الهجمات المستمرة، التي تسبب الدوار، وفقدان الذاكرة، ومشكلات صحية أخرى، "ولدت شعوراً بالإحباط لدى العاملين في الدوائر الحكومية الأميركية"، وأدت أيضاً إلى "انخفاض الروح المعنوية للعاملين في وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية".
وأضاف المسؤولون أن "بعض الدبلوماسيين والاستخباراتيين المحترفين باتوا يترددون عندما يُطلب منهم تولي مهام في الخارج خوفاً على أنفسهم وأسرهم".
وقال مارك بوليميروبولوس، ضابط العمليات بوكالة الاستخبارات المركزية الذي تقاعد عن العمل في 2019 بسبب استمرار الأعراض التي عانى منها بعد زيارته لموسكو في عام 2017، إن "الضوء الأحمر يومض الآن بإلحاح". وأضاف: "هذه أزمة تواجه كبار الشخصيات المسافرين والضباط الذين يعملون بالخارج".
واشنطن تحقق
ووضعت إدارة الرئيس بايدن تحديد مصدر هذه الهجمات "على رأس أولوياتها"، بحسب ما قاله مسؤول بالإدارة لـ "وول ستريت جورنال".
كما أوضح متحدثان باسم وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية للصحيفة، أن هذه القضية تمثل "مصدر قلق بالغ"، لكنهما رفضا مناقشة حالة صربيا أو حوادث محددة أخرى.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية: "إننا نحمل كل تقرير نتلقاه على محمل الجد، ودون أي تهاون، ونعمل لضمان حصول الموظفين المصابين على الرعاية والدعم اللازمين".
كما شدد المتحدث باسم وكالة الاستخبارات المركزية على أن وكالته "تبذل كل ما في وسعها لحماية ضباطها".
وأضاف أن "مدير الوكالة (وليام بيرنز) أجرى تغييرات في القيادات في مكتب الخدمات الطبية" التابع للوكالة، و"ضاعف عدد أفراد الطاقم الطبي المعني بهذه القضية ثلاث مرات".
وكان بيرنز كلف، هذا الصيف، أحد المحاربين المخضرمين، الذين شاركوا في مطاردة أسامة بن لادن على مدى عقد كامل، بقيادة فريق عمل للبحث عن سبب هذه الحوادث.
واستدعت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، في الأسابيع الأخيرة، رئيس المحطة التابعة للوكالة في فيينا، حيث وقعت العديد من الهجمات، بشأن "قضايا تتعلق بإدارة الأزمة"، بما في ذلك طريقة التعامل مع كل فرد من أفراد طاقم العمل بالمحطة ممن يعتقدون أنهم تعرضوا لهذا النوع من الهجمات، وفقاً لما قاله مصدر مطلع على هذا الأمر لـ"وول ستريت جورنال".
اشتباه في محاولة استهداف هاريس
واقتربت بعض الهجمات الأخيرة من مسؤولين مرموقين في إدارة بايدن. وقال مسؤول أميركي إنه عندما سافر بيرنز إلى الهند في وقت سابق من هذا الشهر، أفادت تقارير بأن أحد أعضاء فريقه أصيب بأعراض تتوافق مع متلازمة هافانا، وخضع للرعاية الطبية. وكانت شبكة "سي إن إن" أول من نشر عن الحادث.
وفي أغسطس، أجلت نائبة الرئيس، كامالا هاريس، وصولها إلى فيتنام، بعد أن أبلغت وزارة الخارجية مكتبها باحتمال وقوع "حادثة صحية غريبة"، وهو الاسم الرسمي المستخدم من قبل الحكومة الأميركية لمتلازمة هافانا.
وأثار مسؤولون ومتخصصون في السياسة تساؤلاً شائكاً حول الطريقة التي ستستجيب بها واشنطن في حال ألقت بلائمة هذه الهجمات على عدو أجنبي.
وقال جيسون كيلماير، خبير مكافحة الإرهاب والسياسة الخارجية الذي كان يعمل في السابق لدى شركة "ديلويت للاستشارات القانونية" لـ"وول ستريت جورنال"، إن الولايات المتحدة يجب أن تتحرك الآن، وألا تنتظر تحديد المسؤول عن هذه الهجمات.
ودعا كيلماير إلى "اتخاذ مزيد من الإجراءات الدفاعية"، و"تضخيم قضية متلازمة هافانا في الدبلوماسية الأميركية"، و"تكثيف الضغوط على أجهزة الاستخبارات المعادية لمعرفة رد فعلها". وقال: "لقد مرت خمس سنوات على ظهور متلازمة هافانا، ولم تتشكل حتى الآن ملامح أي دليل قاطع في الأفق".
ما هي "متلازمة هافانا"؟
وبحسب "وول ستريت جورنال"، تعرف هذه الحوادث الصحية الغامضة باسم "متلازمة هافانا"، حيث ظهرت لأول مرة بين دبلوماسيين وضباط استخباراتيين أميركيين في العاصمة الكوبية في نهاية عام 2016. وتشتمل أعراض هذا المرض على الشعور بالدوار، والصداع، والإعياء، والغثيان، والقلق، وصعوبات التعلم، وفقدان الذاكرة.
ومنذ ذلك الحين، تم الإفادة بوقوع هجمات في الصين، وكولومبيا، والنمسا، وألمانيا، إضافة إلى تلك التي وقعت في صربيا، والهند، وفيتنام. وبينما أصيب جراء تلك الهجمات حوالي 200 موظف حكومي أميركي، حذر مسؤولون من صعوبة تحديد عدد الحالات بدقة لأنه يجب التحقق طبياً من كل حالة على حدة، حيث تؤول أعراض بعض الحالات إلى تفسيرات أخرى.
وفي ديسمبر، قالت لجنة الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب إن هذا "الظهور المفاجئ للأعراض" يتماشى بقوة مع "هجوم موجه بطاقة التردد اللاسلكي"، وليس التعرض العرضي أو البيئي. لكنها أكدت أن الأمر "بحاجة إلى مزيد من البحث".
من جانبها، قامت مديرة المخابرات الوطنية، أفريل هاينز، بتشكيل فريق عمل من ضباط المخابرات والعلماء الخارجيين لتحديد الآلية أو الجهاز المستخدم في هذه الهجمات. ومن المقرر أن يقدم الفريق تقريره في وقت لاحق من هذا الخريف، رغم أنه لم يتضح بعد ما سيتم إعلانه.
وقال د. جيوردانو لـ"وول ستريت جورنال"، إن هذا الهجوم يمكن أن يتم من خلال شكل من أشكال الأجهزة فوق الصوتية أو الصوتية، أو ميكرويف سريع النبض، أو نظام قائم على أشعة الليزر".
وأضاف أن "نية مستخدمي هذه الأجهزة لا تزال غير واضحة أيضاً"، مشيراً إلى أنهم "ربما يوظفون نظام مراقبة إلكترونياً له آثار جانبية غير معتادة"، أو "شكل فريد من الآلات التدميرية"، معتبراً أن "هذه طريقة لطيفة لكي نقول إن هذا سلاح".
شكوك في مسؤولية روسيا
وبعد خمس سنوات من ظهور الأعراض الأولى، لم تحدد الحكومة الأميركية بعد من يقف خلف هذه الهجمات، وما الآلية، أو الآليات التي يتم استخدامها.
وقال نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية ديفيد كوهين، في وقت سابق من هذا الشهر، في قمة الاستخبارات والأمن القومي السنوية: "فيما يتعلق بسؤال (هل اقتربنا من كشف هذا الغموض؟) أعتقد أن الإجابة هي (نعم)، ولكن ليس بما يكفي لإصدار الحكم التحليلي الذي ينتظره الناس".
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن بعض المسؤولين الحاليين والسابقين القول بأنهم يشتبهون في وقوف روسيا خلف هذه الهجمات، برغم عدم إظهار أي أدلة على ذلك. ومن جانبها نفت موسكو هذه المزاعم، بحسب الصحيفة.
وفي وقت سابق من سبتمبر الجاري، أقر مجلس النواب تشريعاً يخول وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية منح تعويضات مالية للموظفين الذين تعرضوا لإصابات دماغية أثناء العمل، وتم إرسال هذا القانون إلى البيت الأبيض للتصديق عليه من قبل الرئيس بايدن.
وقال بوليميروبولوس لـ"وول ستريت جورنال": "منذ فترة طويلة، عانينا من إصابة معنوية لجرح صامت عندما رفض الطاقم الطبي (بالحكومة الأميركية) تصديقنا. لكن هذا تغير الآن، وحانت اللحظة الحاسمة للضحايا".
وأضاف أن مشروع القانون يمثل "إقراراً" من الحكومة الأميركية بأن هذه الهجمات حقيقية، و"تعويضاً" للضحايا الذين أنفقوا آلاف الدولارات من جيوبهم الخاصة على الرعاية الصحية.
وقال مسؤول في الإدارة الأميركية، إن جهود إدارة بايدن للتصدي لهذه الهجمات تتضمن "ضمان حصول أي شخص مصاب على الرعاية اللازمة". وأضاف أنه "في حالات معينة، تفضي هذه الإصابات إلى إنهاء حياة أميركيين كرّسوا حياتهم المهنية لخدمة هذا البلد".