تُعد قضية الإجهاض، وحق النساء في اختيار الإبقاء على أجنتهم من عدمه، قضية مركزية في المجتمع الأميركي، خصوصاً بعد التسريبات الأخيرة التي نشرتها مجلة "بوليتكو".
وتفيد الوثائق المسربة بعزم المحكمة العليا حظر الإجهاض وتقهقرها عن دعم القضية على المستوى الوطني بالولايات المتحدة، والتي دأبت عليه منذ عام 1973.
ويستعرض التقرير التالي المواقف الأميركية من الإجهاض عبر التاريخ، والتي تحمل جذوراً تعود إلى القرن الـ17.
إرهاصات تقدمية
على خلاف السجال السائد اليوم في المجتمع الأميركي على صعيد تشريعي وحقوقي بشأن قضية الإجهاض، شهد تاريخ الولايات المتحدة عقوداً عديدة لم تكُن فيها ممارسة الإجهاض موضع جدل أو استقطاب.
وحسب الموقع الرسمي لمنظمة "تنظيم الأسرة الأميركية"، لم يتطرق القادة إلى شرعية الإجهاض من عدمه قبل منتصف القرن الـ19، إذ كان قبل ذلك، محض جزء من حياة النساء في الولايات المتحدة.
وقُبيل تلك الحقبة، كان الإجهاض يُمارس بشكل معتاد في قارة أميركا الشمالية، بالتحديد في الفترة بين الأعوام 1600 و1900، فيما كانت لدى بعض المجتمعات القبلية وسائل معروفة لتحفيز الإجهاض.
وفي تلك الفترة التي كان الإجهاض مسموحاً به في الولايات المتحدة، كانت تلك المهمة عادةً ما توكل إلى القابلات المتمرسات، أو الممرضات، وبعض ممارسي الطب النسائي.
عقاقير سريّة
وفي حين سمح القانون العام بالإجهاض حتى مرحلة "التسريع"، وهو مصطلح شائع في تلك الحقبة يُشير إلى حركة الأجنة، التي تحدث عادةً في الشهر الرابع من الحمل، كانت الاستثناءات تمتد إلى السيدات الحوامل من ذوات البشرة السمراء، ولا سيما في ضوء العبودية.
وبما أن الإجراءات الجراحية كانت نادرة إلى حد بعيد آنذاك، كانت الأدبيات والصحف الطبية تحفل بإشارات لأعشاب وعقاقير تُحفز الإجهاض، خصوصاً في الفترة ما بين أواخر القرن الـ18 وأوائل القرن الـ19.
أما في حالة النساء المستعبدات ذوات البشرة السمراء، فكان الإجهاض يُمارس أيضاً، ولكن على نحو غير شرعي. ففي حين كان القانون يسلب منهن حق الإجهاض، شاع بينهن استخدام بعض الأعشاب سراً لتحفيز العملية.
وعلى الرغم من أن العبودية ألغيت بحلول 1865، فإن حظر الإجهاض على ذوات البشرة السمراء تواصل إلى ما بعد ذلك.
جذور الحظر
تتشابك جذور حركة تجريم الإجهاض من خلال حكومات الولايات قرابة عام 1880، وحظره أخيراً في 1910، إلى حد بعيد، فلا يُمكن إرجاعها إلى عامل واحد، وجماعات ضغط بعينها.
وحسب تقرير لشبكة "سي إن إن"، كانت الكنيسة الكاثوليكية تبيح ضمنياً الإجهاض، ولم تدِن الممارسة الطبية قبل عام 1869، بالتزامن مع تسييس تلك القضية.
من ناحية أخرى، يرجع مؤرخون صعود الحملة المجتمعية التي أفضت أخيراً لتجريم الإجهاض إلى محاولة لتكريس سلطة الأطباء الذكور في ذلك الحين مقابل القابلات، وبالتحديد في تخصص طب النساء والتوليد.
وفي الواجهة من تلك الحملة، كان الهلع من حركة تدفق المهاجرين غير البيض إلى الولايات المتحدة يتصدر الدعوة لتجريم الاضطهاد، التي تذرّعت بالوطنية كحجة لإجبار النساء البيض على الأمومة، لمجابهة أعداد المواليد من الأجانب.
العملية "جين"
لكن هل أدى تجريم ممارسة الإجهاض إلى تراجع الممارسة؟
وفقاً لليزلي ريجان، أستاذة التاريخ بجامعة إلينوي، ومؤلفة كتاب "متى كان الإجهاض جريمة؟"، تواصلت الممارسة على هامش التجريم، ولكن خلف الأبواب المغلقة، وبمعاونة وسائل غير آمنة.
وخلال فترة الكساد الاقتصادي والسنوات التي تلتها بالتحديد، بحسب تصريحات ريجان لـ"سي إن إن"، عادت ممارسة الإجهاض للواجهة مرة أخرى، إذ باشر ممارسو طب النساء عملهم، وفتحت عيادات الإجهاض أبوابها، من دون أن تتعرض للتضييق، على خلفية الظروف الاقتصادية.
ويُقدر معهد "جوتماشر" البحثي، المعني بالحقوق الجنسية والصحة الإنجابية بالولايات المتحدة، عمليات الإجهاض غير الشرعية التي مورست في الفترة بين 1950 و1960 بنحو 200 ألف عملية إلى 1.2 مليون عملية كل عام.
غير أن صعود الحركة النسوية في الستينيات بالتزامن مع حركة الحقوق المدنية، أسهمت إلى حد بعيد في إعادة تشريع الإجهاض.
وتُعد خدمات الإجهاض الآمن السرية، التي كانت سائدة في ولاية شيكاجو بالتحديد بدعم من الحركة النسوية، نموذجاً لدفع الحركة النسوي لحق الإجهاض بالولايات المتحدة، إذ أسهمت تلك الخدمات، التي عُرفت بالاسم الرمزي "جين" في الفترة بين 1969 و1973، في إجراء 11 ألف عملية إجهاض آمن.
"رو ضد ويد"
وتُعد قضية "رو ضد ويد"، التي جرى تحريكها عام 1969، قضية تاريخية أفضت بالنهاية إلى إقرار حق الإجهاض بالولايات المتحدة من قبل المحكمة العليا في عام 1973، بتصويت 7 أعضاء، ضد اثنين رافضين.
ويشير اسم "رو" إلى رو-جين، الاسم المستعار للمدعية نورما ماكورفي، وهي سيدة أميركية من تكساس، لجأت إلى محاميتين نسويتين لدعمها في الحصول على حق الإجهاض في حملها الثالث عام 1969، بحسب ما يسرد نعي نورما ماكورفي المنشور بصحيفة "ذا جارديان" عام 2017.
ورفعت المحاميتان دعوى قضائية نيابة عن ماكورفي في محكمة اتحادية أميركية ضد محامي مقاطعة دالاس هنري وايد، وعلى الرغم من أنها أنجبت ولم تجهض، فإن قضيتها تسببت في تشريع الإجهاض أخيراً في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
ويحمي قانون "رو ضد وايد" حق الأميركيات في إجراء الإجهاض، حتى اللحظة التي يستطيع فيها الجنين التعايش خارج رحم الأم، قرب الأسبوع الـ24 من الحمل، فيما يترك لحكومات الولايات حرية تقييد الممارسة بعد ذلك.
وفي قرار يعود لعام 1992 في ختام قضية "بلاند بيرنتهود ضد كيسي" (Planned Parenthood v. Casey)، كفلت المحكمة العليا حق المرأة في أن تنهي طوعاً حملها ما دام جنينها غير قادر على البقاء على قيد الحياة خارج رحمها، أي لغاية نحو 22 إلى 24 أسبوعاً من بدء الحمل.