تمثل الحرب الإلكترونية جانباً حاسماً، ولكن غير مرئي إلى حد كبير، من الحرب الروسية على أوكرانيا، إلا أن القادة العسكريين يتجنبون مناقشتها خوفاً من تعريض العمليات للخطر من خلال كشف الأسرار، بحسب وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية.
وتستهدف تكنولوجيا الحرب الإلكترونية الاتصالات وأنظمة الملاحة والتوجيه التي تُستخدم لتحديد مواقع العدو، والخداع، وتوجيه الضربات القاتلة. كما تُستخدم ضد المدافع، والطائرات المقاتلة، وصواريخ "كروز"، والطائرات المُسيرة، وغيرها من الأسلحة. وتستخدمها الجيوش أيضاً لحماية قواتها في الوقت ذاته.
وأفادت "أسوشيتد برس"، في تقرير الجمعة، بأن الحرب الإلكترونية هي أحد المجالات التي كان يُعتقد أن روسيا تتفوق تفوقاً واضحاً فيها في الحرب. ولكن لأسباب غير واضحة، لم يظهر هذا التفوق كثيراً في المراحل الأولى من الحرب، والتي شهدت فشلاً فوضوياً في السيطرة على العاصمة الأوكرانية، كييف.
وأصبحت الحرب الإلكترونية أكثر من مجرد عامل في القتال العنيف بشرق أوكرانيا، حيث تسمح خطوط الإمدادات الأقصر والتي يمكن الدفاع عنها بسهولة أكثر، لروسيا بنقل معدات الحرب الإلكترونية إلى أماكن أقرب من ساحة القتال.
"على خط التماس"
وقال مسؤول في "أيروروزفيدكا"، فريق استطلاع مُكون من مُصلحي المركبات الجوية غير المأهولة في أوكرانيا، للوكالة إنهم "يشوشون على كل ما يُمكن أن تصل إليه أنظمتهم".
وأضاف المسؤول الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته: "لا يُمكننا القول إنهم يسيطرون، ولكنهم يعيقوننا بشكل كبير".
ووصف مسؤول استخباراتي أوكراني التهديد الروسي، بأنه "خطير للغاية عندما يتعلق الأمر بتعطيل جهود الاستطلاع واتصالات القادة مع القوات"، موضحاً أن "التشويش الروسي على أجهزة الاستقبال الخاصة بتحديد المواقع الجغرافية في الطائرات المُسيرة التي تستخدمها أوكرانيا لتحديد مواقع العدو وتوجيه ضربات المدفعية، مُكثف بصورة خاصة على خط التماس".
وحققت أوكرانيا بعض النجاحات في مواجهة الجهود الروسية في الحرب الإلكترونية، واستولت على أجزاء هامة من المعدات، الأمر الذي وصفته الوكالة بأنه "انقلاب استخباراتي كبير"، ودمرت وحدتين متخصصتين في الحرب الإلكترونية.
وقالت الوكالة إن قدرات الحرب الإلكترونية التي تمتلكها أوكرانيا يصعب تقييمها، ويقول محللون إنها تحسنت بشكل ملحوظ منذ عام 2014، عندما استولت روسيا على شبه جزيرة القرم وتحريضها لتمرد الانفصاليين في شرق أوكرانيا.
عناصر الحرب الإلكترونية
ومع ذلك، توجد إخفاقات أيضاً لأوكرانيا، إذ تقول روسيا الأسبوع الماضي، إنها دمرت مركزاً للاستخبارات الإلكترونية في مدينة دنيبروفسكي جنوب شرقي البلاد.
واستفادت أوكرانيا أيضاً من التكنولوجيا والمعلومات الاستخباراتية المقدمة من الولايات المتحدة والأعضاء الآخرين في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، حيث ساعدت هذه المعلومات على إغراق الطراد الروسي "موسكفا".
وتقدم الأقمار الاصطناعية وطائرات المراقبة التابعة للحلفاء المساعدة لأوكرانيا، إضافة إلى شبكة الاتصالات "ستارلينك" التابعة للملياردير إيلون ماسك.
وأوضحت "أسوشيتد برس" أن الحرب الإلكترونية تتكون من 3 عناصر أساسية هي التحقق، والهجوم، والحماية.
ويتم في البداية جمع المعلومات الاستخباراتية من خلال تحديد موقع الإشارات الإلكترونية للعدو، وعند الهجوم، يؤدي التشويش باستخدام "الضوضاء البيضاء" إلى تعطيل أنظمة العدو، بما في ذلك الاتصالات اللاسلكية، والهواتف المحمولة، وأنظمة الدفاع الجوي، ورادارات المدفعية. وبعد ذلك يأتي دور الخداع الذي يربك العدو.
وقال العقيد المتقاعد لوري بوكهوت، قائد سابق في سلاح الحرب الإلكترونية بالجيش الأميركي: "العمل في ساحة قتال حديثة من دون بيانات أمر صعب للغاية"، مُوضحاً أن "التشويش قادر على إصابة الطائرات بالعمى والصمم بسرعة كبيرة، خاصة في حالة فقدان نظام تحديد المواقع والرادار أثناء التحليق بسرعة 600 ميل في الساعة".
وقال جيمس ستيدهام، الخبير الأميركي في أمن الاتصالات، للوكالة إنه "مجال سري للغاية، لأنه يعتمد اعتماداً كبيراً على التكنولوجيا المتغيرة والمتطورة، حيث يُمكن نسخ ومسح المكاسب بسرعة كبيرة".
وتعلمت أوكرانيا دروساً قاسية من الحرب الإلكترونية في عامي 2014 و2015، عندما تغلبت روسيا على قواتها باستخدام هذه التكنولوجيا لإسقاط الطائرات المُسيرة، وتعطيل الرؤوس الحربية، واختراق شبكات الاتصالات.
تشويش واسع النطاق
وقال مسؤولون أوكرانيون إن قدرات الحرب الإلكترونية لديهم تحسنت تحسناً جذرياً منذ عام 2015، وأنها تتضمن استخدام معدات الاتصالات الأميركية والتركية المشفرة التي تمنحهم ميزة تكتيكية.
وقال العقيد تايسون ويتزل، الزميل في الحلف الأطلسي، إن روسيا شاركت في التشويش على أنظمة تحديد المواقع في مناطق من فنلندا إلى البحر الأسود. واضطرت شركة الطيران الفنلندية "ترانسافيا بالتيكا" إلى إلغاء بعض رحلات لمدة أسبوع.
وقال فرانك باكس، مسؤول تنفيذي في شركة "كراتوس ديفينس" الأميركية، إن التشويش الروسي تسبب في تعطيل البث التلفزيوني في أوكرانيا.
ومع ذلك، كان الاستخدام الروسي للحرب الإلكترونية أقل فعالية من المتوقع، وربما يكون ذلك قد أسهم في فشل روسيا في تدمير ما يكفي من الرادارات والوحدات المضادة للطائرات لاكتساب التفوق الجوي.
ويرى بعض المحللون أن القادة الروس أوقفوا وحدات الحرب الإلكترونية خوفاً من استيلاء أوكرانيا عليها. وربما تكون روسيا قد قيدت استخدام معدات الحرب الإلكترونية في بداية الصراع بسبب مخاوفها من تشغيلها بشكل غير صحيح من قبل الفنيين غير المدربين.
اقرأ أيضاً: