غالباً ما تنشغل محطات التلفزة الأميركية خلال عطلة نهاية الأسبوع ببرامج خفيفة أو تاريخية يغيب عنها الطابع الخبري، إلا في حالات الطوارئ والأخبار العاجلة.
هكذا كان الحال يوم السبت الماضي (18 يونيو) حتى منتصف النهار. لكن عند ساعات الظهيرة، تناقلت وسائل الإعلام خبر سقوط الرئيس الأميركي جو بايدن عن دراجته، لتفتح باب نقاش لم يكن مغلقاً، بشأن عمر الرئيس ومدى قدرته على الترشح لولاية ثانية.
وعلى الرغم من أن بايدن نهض من الحادثة وأكمل مسيره وتحدث إلى مجموعة من المواطنين تجمعوا في المكان، إلا أن الحادثة بدت وكأنها أضفت شرعية على النقاش الذي بدأته النخبة السياسية في واشنطن "على استحياء"، ولا يبدو أنه سينتهي قريباً.
الحديث عن عمر الرئيس يأتي على أبواب الانتخابات النصفية المقرر عقدها في الثامن من نوفمبر المقبل. وجرت العادة أن يبدأ الحديث عن الانتخابات الرئاسية في اليوم الذي يلي الانتخابات النصفية، أي في التاسع من نوفمبر.
ترشح بايدن
وفي الولاية الأولى لأي رئيس، عادة ما تكون النظرية القاضية بأن الرئيس المنصّب هو حتماً من سيخوض المعركة عن الحزب الذي يمثله، محسومة.
لكن من يحكم أميركا حالياً هو جو بايدن الذي سيبلغ في 20 من نوفمبر عامه الـ80. ووبما أن البيت الأبيض أعلن عبر تغريدة للمتحدثة باسمه كارين جان بيير أن الرئيس يخطط لخوض الانتخابات المقبلة، فإن هذا يعني أنه سيكون مرشحاً رئاسياً يبلغ من العمر 82 عاماً.
هذه الحقائق، طفت بعد عام ونصف العام من مواصلة خصوم بايدن الجمهوريين إثارة موضوع صحة الرئيس الأميركي في أكثر من مناسبة، ليضاف موضوع تراجع الشعبية على خلفية جملة من العوامل أبرزها ارتفاع نسب التضخم، وأسعار السلع، إلى النقاش الحاد.
ويقول ريتشارد بنسيل، الأستاذ المحاضر في "جامعة كورنيل" في تصريحات لـ"الشرق"، إنه على الرغم من أن الحديث عن قدرة بايدن الذهنية والجسدية "مبالغ فيه"، لكن "هناك وجهة نظر في ذلك، والإجابة المباشرة هي أنه لا يجب أن يترشح مجدداً".
تردد واضح
لكن النقاش بشأن سن الرئيس وإمكانية ترشحه لولاية ثانية لم يعد يقتصر على الخصوم. فالأسابيع الأخيرة أظهرت تردداً واضحاً وصريحاً في صفوف التقدميين في الحزب الديمقراطي في إعلان تأييدهم الصريح لإمكانية إعادة ترشح بايدن.
وفي مقابلة مع شبكة "سي إن إن"، تجنبت النائبة ألكسندريا أوكاسيو كورتيز الإجابة على السؤال بالقول: "سنقرر ذلك عندما نصل إلى تلك اللحظة".
أما بالنسبة للأميركيين، فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته "شركة يوغوف" تأييد 21 بالمئة من الأميركيين فقط لإعادة ترشح بايدن، مقابل رفض 64 في المئة، فيما لم تعط النسبة المتبقية رأيها.
ومن بين الديمقراطيين، أيد 43 في المئة إعادة ترشيحه، مقابل رفض 36 في المئة، فيما لم يعط 21 في المئة رأياً في هذه المسألة.
دونالد ترمب
وفي السياق، تذهب بعض الآراء إلى القول إن تقدم بايدن في العمر يمكن أن يكون ميزة المرشح الجمهوري المنافس لبايدن.
ودونالد ترمب الذي يشهد حالياً ما يشبه المحاكمة الثالثة في ظل الجلسات العلنية للجنة التحقيق بأحداث اقتحام الكونجرس في 6 يناير الماضي، ودوره فيها، مرشح محتمل للسباق المقبل بعد تمكنه من الحفاظ على قاعدته الشعبية.
وعلى رغم أنه لم يعلن رسمياً عن إمكانية ترشحه، إلا أنه فرمل انطلاق قطار الترشيحات داخل الحزب الجمهوري. وهو في حال قرر خوض السباق مجدداً سيكون في عمر 78.
ولأن واشنطن اسثنائية بكل المقاييس، فإن مشهد إمكانية إعادة ترشح بايدن بعمر 82 وترمب بعمر 78، قائم حتى اللحظة.
هذا السيناريو تعزز فرصه حقيقة غياب شخصيات تتمتع بالكاريزما داخل الحزب الديمقراطي، يمكنها أن تكون البديل عن رئيس في ولايته الأولى. كما أن نائبة الرئيس كامالا هاريس لم تنجح في خلق الشعبية الكفيلة بجعلها المرشح البديهي لخلافة جو بايدن.
ريتشارد بنسيل، الأستاذ المحاضر في "جامعة كورنيل"، قال إن "السيناريو الأمثل هو أن يعلن بايدن عدم نيته للترشح نهاية نوفمبر"، أي بعد الانتخابات النصفية، ما يعطي فرصة لوجوه بارزة في الحزب الديمقراطي لإعلان نيتها خوض السباق".
التقاعد
وجو بايدن هو الأكبر سناً كرئيس منتخب في تاريخ البلاد. لكن التغاضي عن المسألة العمرية خلال الدورة السابقة جاء على خلفية حقيقة واحدة التف حولها الديمقراطيون، مفادها أن بايدن الوحيد القادر على هزيمة ترمب. وهذا المعطى قد يكون ذا مفعول معاكس، في حال قرر بايدن الترشح لولاية ثانية.
وفي استطلاع "شركة يوغوف" عبرت غالبية الأميركيين عن رغبتهم بأن لا يزيد سن السياسيين في الولايات المتحدة عن 70 عاماً. ما يعني بالتالي، أن 30 بالمئة من أعضاء مجلس الشيوخ يجب أن يكونوا خارجه، وأن غالبية الوجوه البارزة في واشنطن، يجب أن تكون في مرحلة التقاعد.
وعلى سبيل المثال، فإن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي تبلغ من العمر 82 عاماً، وزعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل يبلغ 80 عاماً، وأنطوني فاوتشي كبير المستشارين الطبيين للرئيس الأميركي يبلغ 81 عاماً.
حقبة رونالد ريغان
هذا النقاش أعاد الأميركيين بالذاكرة إلى حقبة رونالد ريغان، الذي خاض السباق لولاية ثانية بعمر 73، واعتبر حينها أنه متقدم في السن نسبياً.
لكن ريغان بشخصيته، نجح في استثمار هذه النقطة بأسلوبه الفكاهي المعتاد، عندما عوّض عن إخفاقه في المناظرة الأولى أمام منافسه آنذاك والتر مونديل، حين قال إنه لن يجعل العمر قضية في الحملة، ولن يستغل لأغراض سياسية، شباب خصمه وقلة خبرته.
لكن ريغان الذي كان الرئيس الأكبر سناً حتى يومها عانى من ألزهايمر في ولايته الثانية، وجو بايدن ليس رونالد ريغان، وإن كان سيحسب له لاحقاً أنه تمكن من هزيمة دونالد ترمب.