موسم الهجرة إلى مصر.. لماذا اجتذبت 9 ملايين أجنبي؟

time reading iconدقائق القراءة - 12
مطعم سوري بمدينة 6 أكتوبر في محافظة الجيزة المصرية- 19 مارس 2016 - REUTERS
مطعم سوري بمدينة 6 أكتوبر في محافظة الجيزة المصرية- 19 مارس 2016 - REUTERS
القاهرة- آلاء عثمان

ارتبطت أحلام الهجرة في أذهان الكثيرين بالرحيل إلى الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها من الدول ذات الدخل المرتفع، لكن تقريراً حديثاً للمنظمة الدولية للهجرة القى الضوء على وجهة أخرى لم يتوقع الكثيرون أن تظهر بقائمة الدول الجاذبة للمهاجرين، وهي مصر.

وكشف التقرير أن مصر، التي تواجه ضغوطاً اقتصادية متزايدة جراء تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا، باتت تستضيف الآن أكثر من 9 ملايين مهاجر دولي ينتمون إلى 133 دولة، بعد أن زادت أعداد القادمين إليها منذ 2019.

9 ملايين مهاجر

وتقدر المنظمة الدولية للهجرة، في تقريرها الجديد، العدد الحالي للمهاجرين الدوليين الذين يعيشون في مصر بـ9 ملايين و12 ألفاً و582 مهاجراً، أي ما يعادل 8.7٪ من إجمالي السكان المصريين البالغ تعدادهم 103 ملايين و655 ألفاً و989 نسمة.

وتفوق تقديرات المنظمة التقديرات الرسمية المصرية الأخيرة، التي كانت تحدد أعداد المهاجرين بـ6 ملايين مهاجر.

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد أشار إلى هذا العدد في يناير 2022، خلال افتتاحه "منتدى شباب العالم"، الذي تنظمه الحكومة المصرية بمدينة شرم الشيخ، حين قال إن "مصر تستضيف ما لا يقل عن 6 ملايين شخص فروا من الصراع والفقر في بلادهم".

وأضاف أن حكومته "على عكس بعض البلدان الأخرى، لا تحتجز المهاجرين في مخيمات، لكنها تسمح لهم بالعيش بحرية في المجتمع". ولفت إلى أن القاهرة توفر التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات لجميع المهاجرين واللاجئين على الرغم من مواردها المحدودة والضغوط الاقتصادية.

وأكد في خطابات سابقة عدم وجود معسكرات للاجئين في مصر، التي قال إنها تطلق على المهاجرين اسم "ضيوف" وليس "لاجئين".

ولفتت المنظمة الدولية للهجرة إلى وجود زيادة ملحوظة في عدد المهاجرين إلى مصر منذ عام 2019، بسبب عدم الاستقرار الذي طال أمده في البلدان المجاورة لمصر، مما دفع الآلاف من السودانيين وجنوب السودان والسوريين والإثيوبيين والعراقيين واليمنيين إلى البحث عن ملاذ في مصر.

وقالت المنظمة الدولية إنه "قد يُنظر إلى الخطاب الإيجابي للحكومة المصرية تجاه المهاجرين واللاجئين، على أنه عامل جذب للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء مؤخراً إلى مصر". 

وأكدت أن "مصر كانت دوماً سخية في إدراج المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء في النظم الوطنية للتعليم والصحة، على قدم المساواة مع المصريين في كثير من الحالات، وهذا على الرغم من التحديات، التي يواجهها هذان القطاعان والتكاليف الاقتصادية الباهظة".

واعتبرت أن "إدراج السكان المهاجرين في خطة التطعيم الوطنية ضد فيروس هو مثال حديث واضح على نهج الحكومة المصرية في معاملة المهاجرين، على قدم المساواة مع المواطنين المصريين".

وتعتبر المنظمة الدولية للهجرة أن المهاجر هو "أي شخص يتحرك أو ينتقل عبر حدود دولية أو داخل دولة بعيداً عن مكان إقامته المعتاد، بغض النظر عن وضعه القانوني، وأسباب هجرته ومدة إقامته وما إذا كانت هجرته طوعية أو غير طوعية".

133 دولة

ذكرت المنظمة الدولية للهجرة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة أن المهاجرين إلى مصر يأتون من 133 دولة، بينهم مجموعات كُبرى مثل المهاجرين السودانيين (4 ملايين) والسوريين (1.5 مليون) واليمنيين (مليون) والليبيون (مليون)، لافتة إلى أن هذه الجنسيات الأربع تشكل 80٪ من المهاجرين المقيمين حالياً في البلاد.

وتشير البيانات أيضاً إلى وجود 300 ألف من جنوب السودان، و200 ألف من الصومال، و150 ألفاً من العراق، و135 ألفاً و932 فلسطينياً، و17 ألف إثيوبي.

وأوضحت المنظمة أن عدد السعوديين المقيمين في مصر، والبالغ عددهم 600 ألف سعودي، اختاروا الانتقال إلى مصر بغرض الدراسة في الجامعات المصرية أو التقاعد، ومن بينهم مجموعات تسافر لقضاء موسم معين، خاصة الصيف في مصر.

ولفتت إلى أن متوسط عمر المهاجرين فى مصر هو ​​35 سنة، مع نسبة متوازنة من الذكور (50.4٪) والإناث (49.6٪)، ويقيم غالبيتهم (56٪) في 5 محافظات، هي: القاهرة والجيزة والإسكندرية ودمياط والدقهلية.

أسباب اختيار مصر

يشير تقرير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن العمل هو أحد الأسباب الرئيسية للبقاء في مصر، حيث يمثل العمل المنزلي الوظيفة الرئيسية لعدد كبير من المهاجرين من بنجلاديش وإريتريا وإثيوبيا وإندونيسيا والفلبين ونيجيريا والسودان وجنوب السودان وسريلانكا.

ويبين التقرير أيضاً أن التعليم من الأسباب الرئيسية للبقاء في مصر، مشيراً إلى أن عدد الطلاب المهاجرين واللاجئين المسجلين في الجامعات المصرية للعام الدراسي 2020/2021 بلغ 102 ألف طالب، معظمهم من الجنسيات العربية، بما في ذلك الكويت والسعودية والبحرين والإمارات والأردن والعراق وقطر، بنسبة 70% ذكور و30% إناث، إلا أن الكويتيين يتصدرون القائمة بـ20 ألف طالب.

وأوضح التقرير أن الدراسة في جامعة الأزهر من أسباب بقاء الكثير من المهاجرين الآسيويين في مصر.

وبحسب قسم الطلاب الوافدين بالأزهر، بلغ عدد الطلاب الأجانب المسجلين لعام 2020/2021 أكثر من 38 ألفاً من 120 دولة، منهم 11 ألفاً من 36 دولة إفريقية.

ويشير التقرير إلى أن من أسباب الإقامة في مصر الرغبة في التقدم بطلبات للحصول على وضع اللاجئ وطلب اللجوء من خلال مكاتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر، لا سيما من جانب المهاجرين بشكل رئيسي من سوريا والسودان وجنوب السودان وإريتريا.

وتضم قائمة الأسباب أيضاً الضيافة والثقافة واللغة المتشابهة، وغياب متطلبات التأشيرة والقرب الجغرافي والأمن السلمي مع الظروف الاقتصادية الجيدة، مقارنة بالدول التي جاء منها المهاجرون.

جدوى اقتصادية

كما كشفت دراسات منظمة الهجرة الدولية والبيانات، التي جمعتها من السفارات، أن أكثر من ثلث المهاجرين في مصر (37٪) يعملون في وظائف ثابتة وشركات مستقرة، مما يشير إلى أنهم يساهمون بشكل إيجابي في سوق العمل ونمو الاقتصاد المصري.

وقالت المنظمة إن السوريين، على سبيل المثال، والذين يشكلون 17٪ من أعداد المهاجرين الدوليين في مصر "يعتبرون من أفضل الجنسيات التي تساهم بشكل إيجابي في سوق العمل والاقتصاد المصري"، لافتة إلى أن حجم الأموال، التي استثمرها 30 ألف مستثمر سوري، مُسجل في مصر بنحو مليار دولار".

 وبالنسبة إلى مدة إقامة المهاجرين في مصر، أظهر التقييم أن 60٪ من المهاجرين مندمجون جيداً فى المجتمع المصري لأكثر من 10 سنوات (5.5 مليون شخص)، مع 6٪ يعيشيون باندماج داخل المجتمع المصرى لمدة 15 عاماً أو أكثر (بما في ذلك الأجيال الثانية).

وتقدر المنظمة الدولية للهجرة أن 15٪ من المهاجرين في مصر (بين 1,1 إلى 1.3 مليون) يمكن اعتبارهم مهاجرين "مستضعفين" أو أشخاصًا قد يكونون في حاجة إلى مساعدة مخصصة، لا سيما بسبب جائحة كورونا، التى أصابت السوق غير الرسمية للعمل بشكل سلبى للمهاجرين والمصريين على حد سواء.

وأشارت المنظمة الدولية للهجرة في مصر إلى أن تقييمها للمهاجرين في مصر بدأ في أكتوبر 2021 وانتهى فى يونيو 2022.

أجانب ومهاجرون

غير أن مصر ليست حديثة العهد باستضافة المهاجرين والأجانب على أراضيها وتداخلهم بين طوائف المجتمع، حسبما يؤكد هشام مخلوف، أستاذ السكان بجامعة القاهرة ورئيس الجمعية الإحصائية المصرية، فيقول: "شهدت مصر طوال تاريخها وجود نسبة من الأجانب والمهاجرين من مختلف الجنسيات، عايشوا وتعايشوا، وسكنوا أغلب المحافظات ورحب بهم المصريون". 

ويرجع مخلوف ذلك إلى ما يصفه بـ"الطبيعة المضيافة" للشعب المصري وتقبله للأجانب، ويقول: "في أغلب الأحيان لم يشكل هؤلاء عبئاً على الموارد، بل كانوا يقومون بجهد في العملية التنموية والتشغيل في مصر، وقاموا بأنشطة إنتاجية وخدمية، ولذا كان مرحباً بهم".

ويضيف: "في السابق كان هناك الأرمن والإيطاليون، واليوم هناك السوريون الذين يساهمون في الإنتاج". 

ويلفت مخلوف إلى أنه: "في بعض الأحيان لا بد من رصد الهجرة وتضمينها داخل الدراسات السكانية للتنبوء بالمخاطر المحتملة، مع العلم بأن الهجرة ليست شراً كلها، بل قد تحمل خيراً للجميع إذا ما أحسنا التخطيط لها".

اعتبارات متباينة

ويقول أشرف ميلاد روكسي، المحامي والمحاضر في شؤون الهجرة واللاجئين، إن "مصر احتضنت أجيالاً متتابعة من المهاجرين من جنسيات مختلفة، خاصة في ضوء اندلاع الحرب العالمية الأولى أوائل القرن العشرين، والتي جلبت لمصر مهاجرين من الأرمن والإيطاليين، تلاهم السودانيون، الذين كانوا جزءاً من نسيج المجتمع المصري قبل استقلال السودان في خمسينيات القرن العشرين، إلا أن الأعوام القلائل الماضية أضافت موجات جديدة إلى قائمة المرتحلين لمصر".

ويلفت روكسي إلى وجود اعتبارات خاصة بمصر تجعلها قبلة للمهاجرين واللاجئين وقت الأزمات، إلا أن كل جنسيه تجد عامل جذب خاص لها في مصر، ويوضح ذلك قائلاً: "يأتي في مقدمة تلك الاعتبارات تحول مصر إلى دولة عبور، أي محطة انتظار يمكث فيها طالب اللجوء بانتظار الانتقال النظامي إلى دولة أخرى ينشد الاستقرار على أراضيها". 

ويضيف: "بينما يفضل بعض المهاجرين السودانيين المكوث في مصر نظراً لوجود صلات النسب والعلاقات الأسرية، أما المهاجرون من الصومال، على سبيل المثال، فينشدون الحصول على أعمال ووظائف يتمكنون من تنفيذها، ومن ثم يندمجون في سوق العمل المصرية". 

ويشدد روكسي على أن المهاجرين واللاجئين السوريين يجدون جدوى اقتصادية في الارتحال لمصر بدلاً من دول عربية أخرى، فيقول: "مصر بلد كبير ذو معدل استهلاك عالي، والسوريون درسوا السوق المصرية واعتبارات التنافسية داخله، وقدموا منتجات عالية الجودة، في حين لا يمكن تسويق الطعام السوري في الأردن على سبيل المثال نظراً لتشابهه مع الأطعمة المحلية".

ويضيف: "يجدر بنا أيضاً الإشارة إلى أن الاعتبارات السياسية المتغيرة فرضت على السوريين في تركيا قيوداً غيرت معالم المشهد". 

اقرأ أيضاً: 

تصنيفات