هل خسر رهان بوتين على "منظمة شنجهاي للتعاون"؟

time reading iconدقائق القراءة - 12
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال حضوره قمة منظمة شنجهاي للتعاون - سمرقند، أوزبكستان - 16 سبتمبر 2022 - via REUTERS
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال حضوره قمة منظمة شنجهاي للتعاون - سمرقند، أوزبكستان - 16 سبتمبر 2022 - via REUTERS
القاهرة- محمد سعد

حين ساهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 2001 في تأسيس "منظمة شنغهاي للتعاون" مع الصين كان الهدف المعلن للمنظمة هو مكافحة "الشرور الثلاث: الإرهاب والنزعات الانفصالية والتطرف".

لكن بجانب تلك الأهداف المعلنة، سعت موسكو إلى استخدام المنظمة لمقاومة جهود التحول الديمقراطي داخل وخارج الدول الأعضاء، وكذلك الحد من النفوذ الأميركي والغربي في آسيا الوسطى، ودعم أهداف السياسة الخارجية الروسية بشكل عام.

لكن المنظمة تاريخياً، لم تدعم السياسة الخارجية الروسية، فرغم عدم إدانة أي من دول المنظمة للغزو الروسي لأوكرانيا، لم تدعم أي من دول المنظمة الغزو، في سيناريو مشابه لرد فعل المنظمة عقب إرسال موسكو لقواتها إلى الجمهورية السوفييتية السابقة، جورجيا في 2008، واعترافها باستقلال الإقليمين الانفصاليين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.

فمثلما عبرت الصين والهند عن مخاوف وقلق بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، أدت المخاوف من النوايا الروسية، إلى الحد من نفوذها في المنظمة، وعدم تلقيها الدعم الذي كانت ترغب فيه.

"طريق موسكو الموحش"

أستاذ الحكومة والسياسة، بجامعة "جورج مايسون" الأميركية مارك ن. كاتز، قال في مقال بحثي نشر ضمن كتاب "المنظور الآسيوي Asian Perspective" في 2008 في إطار مشروع لجامعة "جونز هوبكينز"، تحت عنوان: "روسيا ومنظمة شنغهاي للتعاون: طريق موسكو الموحش من بيشكيك إلى دوشانبي"، إنه حتى قمة العام 2007 في بيشكيك عاصمة قيرغيزستان، كان لدى بوتين بعض الأسباب للاحتفاء بالمنظمة.

فرغم الخلافات بين أعضاء المنظمة التي ضمت في عضويتها قيرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان، بدا أن المنظمة "أداة مفيدة لدعم الأولويات الروسية".

لكن روسيا واجهت انتكاسات قبيل قمة 2008 في دوشانبي، كان أبرزها الانتكاسة التي واجهتها في القمة نفسها، حين رفضت الدول الأعضاء التحرك العسكري الروسي ضد جورجيا في أغسطس 2008، أو الاعتراف باستقلال إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.

ورأى كاتز أنه رغم أن عضوية روسيا في المنظمة لم تتأثر رغم التحرك في جورجيا، إلا أن تلك الأحداث "أثبتت أن فائدة منظمة شنغهاي للتعاون في دفع أهداف السياسة الخارجية الروسية محدود للغاية".

سيناريو جورجيا يتكرر 

ويتشابه ذلك السيناريو، مع الغزو الروسي لأوكرانيا، ففي القمة التي انعقدت في أوزبكستان في سمرقند الخميس والجمعة، لم يتلق الرئيس الروسي دعماً لحربه في أوكرانيا، وإنما تلقى "قلقاً وأسئلة" من الصين والهند أكبر دولتين في التكتل، وفي خطوة غير متوقعة، أقر بوتين بتلك الأسئلة والمخاوف وتعهد بتقديم إيضاحات بشأنها.

الصين والهند، الدولتين التين لم تدينا غزو أوكرانيا، لم تعربا عن أي دعم له، حتى أن البيان الصيني الذي صدر عقب أول لقاء وجهاً لوجه بين بوتين وشي جين بينج، لم يتعرض لذكر أوكرانيا ولو لمرة واحدة.

أما الهند، فقال رئيس وزرائها ناريندرا مودي لبوتين إن "الزمن الحالي ليس زمن حرب، وقد تحدثت إليك عبر الهاتف بهذا الشأن". وأضاف أن الديمقراطية والدبلوماسية والحوار تحافظ على تماسك العالم. 

بدوره، قال بوتين إنه يتفهم مخاوف نيودلهي بشأن الصراع في أوكرانيا، ويرغب في إنهائه "في أقرب وقت ممكن"، وفقاً لما ذكره بيان بخصوص اجتماع ثنائي نشره الكرملين.

وقال لمودي "أعرف موقفكم من الصراع في أوكرانيا، ومخاوفكم التي تعبرون عنها باستمرار".

تلك التصريحات، حدت بالعالم السياسي الأميركي إيان بريمر الجمعة، لوصف قمة منظمة شنغهاي في سمرقند بأنها كانت "قمة كارثية" بالنسبة لبوتين، معتبراً أن مودي "منحه إنذاراً بإنهاء الحرب".

سبب إنشاء المنظمة

ومن المفيد هنا العودة إلى ولادة منظمة شنغهاي للتعاون من رحم مجموعة "شنغهاي الخمسة" والتي تأسست أولاً في 1996 بهدف حل الخلافات الحدودية بين الصين من جهة والجمهوريات السوفييتية السابق (روسيا وقيرغيزستان وكازاخستان وطاجيكستان)، بحسب كاتز.

ففي القمة التي عقدت في يوليو عام 2000 وهي أول قمة يحضرها بوتين، أعلن القادة عزم المنظمة الحصول على نفوذ قوى ليس فقط في المنطقة ولكن عالمياً كذلك، ومع ضم أوزبكستان في 2001، تحولت مجموعة "شنغهاي الخمسة" إلى "منظمة شنغهاي للتعاون". 

وركزت المنظمة في البداية على الجهود الإقليمية لمكافحة الإرهاب والنزعات الانفصالية والتطرف في وسط آسيا.

ووقع نص ميثاق المنظمة في قمة سانت بطرسبرج في روسيا بحضور زعماء دول المنظمة في يونيو 2002، ودخل حيز التنفيذ في 19 سبتمبر 2003.

ويحدد الميثاق أهداف المنظمة وهيكلها وكذلك مناطق نشاطها، وفي عام 2006 أعلنت المنظمة خططها لمكافحة تهريب المخدرات وتمويل الإرهاب العالمي عبر تلك التجارة.

وفي 2003 أجرت دول المنظمة أول تدريبات عسكرية مشتركة بمشاركة أكثر من ألف جندي، وحصلت منغوليا بعد ذلك على صفة مراقب في قمة يونيو 2004.

تضم المنظمة حالياً 8 دول كاملة العضوية هي: الهند وكازاخستان والصين وقيرغيزستان، وروسيا، وباكستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان.

كما تضم 4 دول تحمل صفة مراقب وهي أفغانستان وبيلاروس وإيران ومنغوليا، و6 دول تملك صفة "شركاء الحوار": وهي أذربيجان وأرمينيا وكمبوديا ونيبال وتركيا وسريلانكا.

وفي عام 2021 وافقت المنظمة على بدء عملية منح إيران العضوية الكاملة، ومنح مصر والسعودية وقطر صفة "شريك في الحوار".

مواجهة الولايات المتحدة

ما جرى بين أعوام 2005 إلى 2007، أعطى الانطباع بأن الكتلة باتت تبرز كمنظمة قوية لتحدي الهيمنة الأميركية، فبعد فترة وجيزة من قمة 2005، انتقدت الولايات المتحدة قمع أوزبكستان تظاهرات سلمية، وهو ما حدا بالرئيس الأوزبكي حينها إسلام كريموف بالطلب من القوات الأميركية التي سمح لها بالتواجد على أراضي بلاده بعد أحداث 11 سبتمبر بالخروج من البلد خلال ستة أشهر.

وفي يوليو 2005 أصدر قادة التكتل إعلاناً يدعون فيه الولايات المتحدة إلى وضع جدول زمني لسحب قواتها من قواعدها العسكرية في آسيا الوسطى بعد 11 سبتمبر.

وسحبت واشنطن قواتها التي كانت متمركزة في أوزبكستان بالفعل بعدها بأشهر قليلة، واضطرت لدفع مبالغ أكبر بكثير لأوزبكستان نظير الحفاظ على قاعدتها هناك.

وفي 2005 حصلت باكستان والهند وإيران على صفة المراقب في التكتل.

قمة 2006 كانت مهمة بشكل خاص، إذ كانت الأولى التي تحضرها إيران التي مثلها الرئيس الإيراني المناهض بشدة للولايات المتحدة حينها أحمدي نجاد. وأثار حضوره المخاوف من أن المنظمة قد تشجع أو تدعم نهج طهران الصدامي تجاه الغرب. 

وفي قمة 2007 أجرت دول المنظمة تدريبات عسكرية بين الصين وروسيا شارك فيها أكثر من ستة آلاف جندي، وهو ما أثار المخاوف في الغرب من أن التكتل يتحول إلى حلف عسكري.

تنافس بين موسكو وبكين

ومع ذلك، كان واضحاً أن هناك خلافات رئيسية بين دول المجموعة، فبوتين على وجه الخصوص كان يرى أن التعاون الأمني هو الركيزة الأساسية للمنظمة، فيما كانت تنظر القيادة الصينية في ذلك الوقت، إلى التعاون الاقتصادي كهدف أساسي للمنظمة.

بعض المراقبين الروس أعلنوا بجلاء حينها مخاوفهم من أن المنظمة أصبحت وسيلة للصين لتحقيق اختراق اقتصادي في آسيا الوسطى وإلى روسيا نفسها. 

وبالإضافة لذلك، فإنه بينما كانت علاقات روسيا وأوزبكستان مع الولايات المتحدة تتدهور، فإن الصين وكازاخستان وقيرغيزستان حافظت على علاقات جيدة نسبياً مع واشنطن. أما أوزبكستان فكانت علاقاتها سيئة نسبياً مع كل دول وسط آسيا الأعضاء في المنظمة بحسب كاتز.

حدود النفوذ الروسي

ومنذ قمة بيشكيك في قيرغيزستان، في 2007، ظهرت تطورات أبرزت حدود النفوذ الروسي على المنظمة، فرغم أن أوزبكستان طردت القوات الأميركية بحلول 2005، بدا واضحاً بحلول العام 2008، أن تلك القوات بدأت في العودة مرة أخرة.

ورغم أن قرار عودة القوات الأميركية لم يكن مدفوعاً بأزمة في العلاقات مع روسيا، إلا أن علاقات موسكو وقيرغيزستان ساءت في أوائل 2008، وبدلاً من وضع تاريخ لمغادرة القوات الأميركية، شهدت المشاعر المناهضة لروسيا تصاعداً في قيرغيزستان بسبب وجود قوات روسية.

علاقات روسيا مع كازاخستان تأزمت كذلك، بسبب الحرب الروسية مع جورجيا، وتأييد موسكو لانفصال إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، في وقت كانت أستانة تسعى فيه إلى تطوير علاقاتها الاقتصادية مع جورجيا.

الخلافات مع بكين بدأت في الظهور أيضاً، إذ أن بكين اشترت رخصة من روسيا لبناء 200 مقاتلة روسية من طراز "سوخوي-27"، لكن بعد بناء نحو 105 مقاتلات، ألغت بكين العقد بشكل أحادي. ففي أوائل 2008 علمت روسيا أن بكين تصدر نسختها من "سوخوي-27"، وتنافس روسيا في أسواقها.

ذروة الخلاف

ووصلت الخلافات ذروتها بين دول المنظمة وروسيا مع المواجهة العسكرية بين روسيا وجورجيا التي اندلعت في أغسطس 2008، ورغم أن شركاء موسكو في المنظمة لم يدينوا إرسال روسيا قواتها إلى جورجيا ورفض سحبها، كما هو الحال في غزو أوكرانيا، إلا أن أياً من تلك الدول لم تدعم التحركات الروسية.

ولدى توجهه لحضور قمة دوشانبي في 2008، بدا أن الرئيس الروسي حينها ديمتري ميدفيدف، يتوقع تلقي الدعم لسياسة بلاده بشأن جورجيا وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، لكن إعلان دوشانبي شهد تعبير زعماء دول المنظمة عن "قلقهم" بشأن أوسيتيا الجنوبية، وأعلنوا دعمهم لحل سلمي عبر الحوار.

ويقول كاتز، إن رد فعل الدول الأعضاء في المنظمة حينها، على التحركات الروسية بشأن جورجيا وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية لم يكن مستغرباً، بالنظر إلى أن الاعتراف باستقلال الإقليمين ينتهك هدف المنظمة الأساسي، وهو منع النزعات الانفصالية.

كما أن الدول الأعضاء بالمنظمة خشيت من تأثير الاعتراف الروسي باستقلال الإقليمين الانفصاليين على النزعات الانفصالية في بلادهم، خصوصاً أن الصين تعارض انفصال إقليمي شينجيناج والتبت، وكذلك مطالب تايوان بالاستقلال. وتخشى كازاخستان انفصال الشمال حيث تتواجد غالبية من السكان الروس.

أوزبكستان أيضاً تخشى انفصال الأقاليم التي يسكنها الطاجيك، وتخشى طاجيكستان من الأوزبك الذين يعيشون فيها، وكذلك قيرغيزستان تخشى تقسيم البلاد عند خطوط الشمال والجنوب.

كذلك، فإن تدخل روسيا في جورجيا تحت هدفها المعلن بحماية حاملي جوازات السفر الروسية، يسبب مشكلة لدول وسط آسيا، التي تخشى أن موسكو قد تبرر بنفس الحجة تدخلاً فيها هي نفسها.

ويرى كاتز، أن الأحداث بين أغسطس 2007 وأغسطس 2008، أظهرت أن موسكو لا يمكنها الاعتماد على دعم منظمة شنغهاي للتعاون في دعم سياستها الخارجية.

بكين تستحوذ على نفوذ موسكو

وفي السياق، أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية الجمعة، إلى أن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج إلى آسيا الوسطى، تسلط الضوء على طموح بلاده لزيادة نفوذه في الإقليم الغني الواسع الذي كان يعد ملعباً روسياً.

ولفتت الصحيفة إلى مظاهر الاحتفاء الضخمة التي قوبل بها شي جين بينج، ووصف الرئيس الأوزبكي له بأنه "أعظم رجل دولة".

وقالت إنه بالنسبة إلى بكين، فإن الضجة التي قوبل بها شي، وكذلك الخطابات الرنانة لنظرائه، تظهر أن الصين ليست معزولة، رغم تعرضها لضغوط من الولايات المتحدة وأغلب الدول الغربية بشأن انتهاكات مزعومة في مجال حقوق الإنسان وتهديداتها لتايوان.

وأضافت أنه في الرواية التي تقدمها بكين، فإن شي، هو قائد عالمي موثوق، تلتفت إليه الدول الأخرى طلباً للدعم في عالم "مضطرب بفعل الهيمنة الأميركية".

وأشارت الصحيفة إلى "الاحترام الذي أظهره بوتين لشي" مقراً بأسئلته ومخاوفه بشأن الحرب في أوكرانيا.

وبينت "نيويورك تايمز" أن المظاهر الفخمة أظهرت نفوذ الصين المتعاظم في آسيا الوسطى، التي كانت تعتبر "نطاقاً روسياً"، سعت القوى الكبرى إلى النفوذ فيه.

وقالت إن بكين لطالما رأت آسيا الوسطى، على أنها جبهة حيوية لتوسعها التجاري، وأمن الطاقة، والاستقرار الإثني وكذلك الدفاع العسكري. وفي سبيل ذلك، بنت الصين سكك حديدية وطرق سريعة وخطوط لنقل الطاقة، وتوسعت في التبادل التعليمي عبر الإقليم.

وأشارت إلى أنه فيما لا تزال الجمهوريات السوفييتية السابقة مرتبطة بموسكو بالطرق والسكك الحديدة والبنية التحتية الأخرى، فإن تجارة تلك الدول تتوسع الآن مع الصين. كما أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان العام الماضي، قلل من الدور الأميركي لموازنة نفوذ موسكو وبكين.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات