حضت لجنة للذكاء الاصطناعي، بقيادة الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل، إريك شميدت، الولايات المتحدة على تعزيز مهاراتها في مجال الذكاء الاصطناعي لمواجهة الصين، بما في ذلك من خلال السعي إلى امتلاك أسلحة "مدعومة" بهذا الذكاء، وهذا أمر نأت عنه غوغل لأسباب أخلاقية.
وسلّمت "لجنة الأمن القومي للذكاء الاصطناعي" الكونغرس، الاثنين، تقريرها النهائي في هذا الصدد، علماً بأن شميدت والمسؤولين التنفيذيين الحاليين في غوغل ومايكروسوفت وأوراكل وأمازون، هم من أعضائها الـ15. وقال شميدت: "للفوز في الذكاء الاصطناعي نحتاج إلى مزيد من الأموال والمواهب، وقيادة أكثر قوة".
وذكرت وكالة أسوشيتد برس أن التقرير يفيد بأن الآلات التي يمكنها "الإدراك، واتخاذ القرار، والعمل بسرعة أكبر" من البشر وبدقة أكبر، ستُنشر لأغراض عسكرية، مع أو من دون مشاركة الولايات المتحدة والدول الديمقراطية الأخرى. وحذر من استخدام غير مقيّد للأسلحة المستقلة بذاتها، معرباً في الوقت ذاته عن معارضته لفرض حظر عالمي في هذا الشأن. كذلك دعا إلى فرض "قيود حكيمة" على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل التعرّف على الوجه، التي يمكن استخدامها للمراقبة الجماعية.
التكنولوجيا والقيم الغربية
وقال أندرو مور، وهو عضو في اللجنة، يرأس Google Cloud AI: "علينا تطوير تكنولوجيا تحافظ على قيمنا الغربية، ولكن علينا أن نكون مستعدين لعالم، لا يفعل فيه الجميع ذلك".
واللجنة قادرة على التواصل مع أبرز المشرعين من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، لكنها تعرّضت لانتقادات، إذ تتضمن أعضاء كثيرين يعملون في شركات تكنولوجيا فازت بعقود حكومية ضخمة، ولديها بالتالي الكثير على المحك في القواعد الفيدرالية بشأن التكنولوجيا الناشئة، وفق "أسوشيتد برس".
ويدعو التقرير إلى "استراتيجية يقودها البيت الأبيض"، للدفاع ضد التهديدات المتصلة بالذكاء الاصطناعي، ووضع معايير لكيفية استخدام الآلات الذكية بشكل مسؤول، وتعزيز البحث والتطوير في الولايات المتحدة، للحفاظ على تقدّمها التكنولوجي على الصين.
وقال شميدت أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي: "نعتقد بأننا متقدمون على الصين بسنة أو سنتين، لا بخمس أو عشر" سنين. وأوضح الاثنين أنه كان يعبّر عن آرائه الشخصية، وليس بالضرورة عن آراء اللجنة.
الذكاء الاصطناعي والسياسات الحزبية
وليس واضحاً بعد مدى توافق إدارة الرئيس جو بايدن مع نهج اللجنة، علماً بأنها لا تزال تنتظر تثبيت تعيين مدير جديد لمكتب سياسة العلوم والتكنولوجيا في البيت الأبيض، الذي رفعه بايدن إلى منصب وزاري.
وقال مايكل كراتسيوس، الذي كان أبرز مسؤولي التكنولوجيا في الولايات المتحدة خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، وقاد حملة لضخّ مزيد من الموارد في تطوير الذكاء الاصطناعي عبر الوكالات الفيدرالية: "تميل سياسة الذكاء الاصطناعي إلى أن تحظى بدعم شديد من الحزبين". وشدد على وجوب أن "يطوّر الغرب التقنيات العظيمة المقبلة للذكاء الاصطناعي".
ولفتت أسوشيتد برس إلى احتمال أن يشكّل نهج بناء المواهب في الذكاء الاصطناعي، أحد الاختلافات الكبرى بين إدارتَي بايدن وترمب، علماً بأن اللجنة توصي بسياسة هجرة أكثر انفتاحاً ممّا يفضله الرئيس السابق.
شكّل الكونغرس لجنة الذكاء الاصطناعي في عام 2018، وعيّن 12 من أعضائها الـ 15، فيما اختار الآخرين، وزيرا الدفاع والتجارة في عهد ترمب. وأرغم قاضٍ اللجنة لاحقاً على جعل اجتماعاتها وسجلاتها في متناول الجمهور، بعدما طعن "مركز معلومات الخصوصية الإلكترونية"، المدافع عن الحريات المدنية، في طابعها السري.
قاد شميدت اللجنة، بعدما ساهم سابقاً في قيادة "مجلس الابتكار الدفاعي"، الذي يقدّم المشورة لوزارة الدفاع الأميركية بشأن التكنولوجيا الجديدة.
نزاع في غوغل
أثار ذلك نزاعاً في عام 2018، بعدما تراجعت غوغل عن "مشروع مافن" Project Maven، وهي مبادرة عسكرية أميركية تستخدم تكنولوجيا رؤية الكمبيوتر القائمة على الذكاء الاصطناعي، لتحليل لقطات لطائرات من دون طيار في مناطق صراع. وتعهدت الشركة أيضاً، استجابة لحراك قاده موظفون، بالامتناع عن استخدام الذكاء الاصطناعي في أيّ تطبيقات متصلة بالأسلحة.
وقال شميدت أمام مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي: "لم أتفق مع قرارات غوغل بشأن مافن". واعتبر ذلك "انحرافاً"، مقارنة بقطاع التكنولوجيا ككلّ، لافتاً إلى أن شركات كثيرة ترغب في العمل مع الجيش. وأضاف أن أنظمة الذكاء الاصطناعي والرؤية الآلية، جيدة بشكل خاص في "مراقبة الأشياء"، وهذا أمر يقضي الجيش الكثير من الوقت في فعله.
وتضمّ اللجنة أيضاً مديرين تنفيذيين، مثل سافرا كاتز، الرئيسة التنفيذية لشركة أوراكل العملاقة للبرمجيات، والرئيس التنفيذي المقبل لشركة "أمازون"، أندي جاسي، الذي يدير الآن قسم الحوسبة السحابية في المؤسسة، إضافة إلى خبراء بارزين في الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت وغوغل.
وتنافست الشركات الأربع للفوز بعقود فيدرالية للحوسبة السحابية. وأشارت أسوشيتد برس إلى أن ممثلي مايكروسوفت وغوغل انضمّا إلى الأعضاء الآخرين في الموافقة على التقرير النهائي الاثنين، لكنهما لم يقرّا القسم المتعلّق بالشراكات الحكومية مع القطاع الخاص.
ملف حقوق الإنسان
ونقلت الوكالة عن جاك بولسون، وهو باحث سابق في غوغل، يدير الآن مؤسسة تراقب قطاع التكنولوجيا، إن استبعاد مجموعات مدافعة عن حقوق الإنسان وخبراء عاديين في التكنولوجيا، من اللجنة، مكّنها من تأطير هذا الملف السياسي بسهولة أكبر، بوصفه تنافساً ضد الصين في إطار مقاربة "الديمقراطية مقابل الاستبداد"، وأن تتجنّب في الوقت ذاته مسائل أكثر صعوبة، مثل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.
وأضاف بولسون: "السبب الشكلي لوجود هؤلاء الرؤساء التنفيذيين في هذه اللجان، هو أنهم خبراء في التكنولوجيا. لكنهم أيضاً يخضعون لمتطلّبات المساهمين، ويعملون لمصلحة شركاتهم. إنهم لا يريدون تنظيماً مهماً، أو تطبيقاً لمكافحة الاحتكار" في الولايات المتحدة.
لكن ميغان لامبيرث، وهي باحثة مساعدة في "مركز الأمن الأميركي الجديد"، اعتبرت أن الشراكة بين الحكومة وقطاع التكنولوجيا قد تكون مهمة بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها، لمساعدتها في صوغ معايير للاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي. وتابعت: "يتمتع الذكاء الاصطناعي بإمكان تغيير، ليس فقط كيفية خوض الجيوش للحروب، ولكن أيضاً كيفية عمل الاقتصادات وتفاعل المجتمعات والأفراد مع بعضهم بعضاً. إذا كانت هناك فجوة في القيادة، فستملأ دولة أخرى هذا الفراغ".
حماية الحقوق المدنية
وأعلن "الاتحاد الأميركي للحريات المدنية" أن اللجنة قدّمت توصيات مفيدة، مستدركاً بأن عليها أن تمضي أبعد من ذلك، من خلال تأسيس هيئة لحماية الحقوق المدنية، قبل أن تنشر أجهزة الاستخبارات والجيش، أنظمة الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع.
وأشارت أسوشيتد برس إلى أن اللجنة دعت الكونغرس إلى سنّ قوانين جديدة، تتطلّب من الوكالات الفيدرالية إجراء تقييمات متصلة بحقوق الإنسان، لأنظمة الذكاء الاصطناعي الجديدة المستخدمة على الأميركيين. لكنها لم توصِ بحدود المراقبة الملزمة، التي تطالب بها الجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان.