بريطانيا.. هل يتحوّل ملف الهجرة الشرعية ورقة انتخابية بيد "المحافظين"؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
أشخاص يقفون داخل منطقة مسيجة بمركز مانستون للمهاجرين في بريطانيا. 7 نوفمبر 2022 - REUTERS
أشخاص يقفون داخل منطقة مسيجة بمركز مانستون للمهاجرين في بريطانيا. 7 نوفمبر 2022 - REUTERS
لندن -بهاء جهاد

أعلن المركز الوطني للإحصاء في بريطانيا أن اجمالي المهاجرين في البلاد تضاعف تقريباً بين عاميْ 2016 و 2022، وهو ما يثقل كاهل حزب المحافظين الحاكم، خاصة الذين أيدوا الخروج من الاتحاد الأوروبي من أجل ضبط الحدود، ووقف تدفق المهاجرين الأجانب إلى البلاد.

وكحال "مهاجري القوارب" الوافدين من السواحل الفرنسية، بات القادمون بطرق قانونية هماً يشغل بال الحكومة، فمضت تبحث عن خيارات لتقليص أعدادهم، بما في ذلك الطلبة الأجانب وأقاربهم الذين يرافقونهم خلال فترة دراستهم، ما أثار قلقاً بين الجامعات التي تعتبر رسوم هؤلاء الطلبة "مصدر دخل أساسي".

كانت الحكومة أعلنت مطلع مارس الماضي، عزمها تقديم مشروع قانون جديد ضد الهجرة غير الشرعية يستهدف خصوصاً منع الأشخاص الذين يصلون عبر بحر المانش على قوارب صغيرة، من طلب اللجوء في المملكة المتحدة.

ويشتمل هذا النص الذي كان موضع ترقب منذ أسابيع، على تدابير لتسهيل احتجاز طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى المملكة المتحدة بطريقة غير شرعية، وترحيلهم "في أقرب وقت ممكن"، حسبما ذكرت صحيفتا "تايمز" و"ديلي ميل" في 5 مارس.

وقد يفوق ضبط الهجرة غير الشرعية قدرة الحكومة لأسباب داخلية وخارجية، ولكن ماذا عن المهاجرين الذي يأتون بشكل قانوني وأمني؟ هل يستطيع رئيس الحكومة ريشي سوناك ووزرائه فعلاً تقليص أعدادهم؟ أم أن الحديث عن الهجرة بكل أشكالها، مجرد رسائل مبطنة لجماعات اليمين كي تعزز من دعمها لحزب المحافظين الحاكم؟   

تضاعف أعداد المهاجرين 

أرقام مكتب الإحصاء تفيد بأن صافي عدد المهاجرين في المملكة المتحدة بلغ نهاية العام الماضي، 606 آلاف شخص، مقابل 504 آلاف في 2021، و336 ألفاً في 2022، الذي شهد الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي من أجل تقليص أرقام الوافدين الأجانب، كما كان ينادي مؤيدو "بريكست".   

وتوضح الإحصائية أن 1.2 مليون شخص دخلوا المملكة المتحدة، العام الماضي، ليعيشوا عاماً أو أكثر، وفق التعريف الرسمي للمهاجر، بينهم 925 ألفاً من خارج الاتحاد الأوروبي، و151 ألفاً يحملون جنسيات دول التكتل، و88 ألفاً لديهم الجنسية البريطانية، ولكنهم كانوا يعيشون في دول أخرى تابعة للتاج أو مستقلة عنه.

 مديرة مركز أبحاث مرصد الهجرة في "جامعة أكسفورد" مادلين سومبشن، قالت في حديث مع صحيفة "فايننشيال تايمز"، إن قرار تقليص أعداد المهاجرين يجمع بين نقيضين، فالبريطانيون يرغبون في نظام ليبرالي منفتح على العالم في الاقتصاد والسياحة وقطاعات عدة أخرى، لكنهم يريدون في الوقت ذاته أن يغلقوا أبوابهم أمام الطلبة الدوليين والعمالة الأجنبية واللاجئين الفارين من الحروب والمجاعات.  

ولطالما كان تقليص صافي الهجرة عنواناً رئيسياً في خطاب قادة حزب المحافظين منذ عهد رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون، ولكن استدعاء الحديث عن المهاجرين الشرعيين اليوم من قبل سوناك، ينطوي على محاولة لإخفاء فشل الحكومة في وقف "هجرة القوارب"، وفق "مرصد مراقبة الهجرة" في المملكة المتحدة.  

وقال رئيس مجلس إدارة المرصد السفير السابق ألب محمت، عبر "تويتر" إن الحكومة "تدعي القدرة على ضبط حركة الهجرة إلى البلاد، وتقول إن المهاجرين الذين يصلون إلى المملكة المتحدة يملأون الشواغر في وظائف الخدمات العامة، ولكن ذلك مجرد هروب من حقيقة الفشل الرسمي في هذا الشأن".  

خيارات التقليص 

وقال سوناك في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية "BBC"، إن الحكومة ترى أن صافي الهجرة السنوية إلى البلاد مرتفع جداً، وتبحث عن خيارات لتقليصه بشكل كبير.

لكن سوناك لم يكشف عن خيارات التقليص، أو تحديد النسبة المستهدفة من قبل الحكومة وحزب المحافظين الحاكم، كحد أقصى لعدد المهاجرين سنوياً.  

وزيرة الداخلية سويلا بريفرمان، قدمت إشارة لأحد الخيارات بقولها إن "الوقت قد حان لتدريب البريطانيين على بعض الأعمال التي يستقدم لها العمالة الأجنبية، وأبرز هذه الأعمال قطف الثمار، وأنشطة زراعية اعتادت المملكة المتحدة على الاستعانة ببعض دول القارة العجوز لإنجازها عندما كانت ضمن الاتحاد الأوروبي".  

ويدرك سوناك أن استهداف مثل هذه الأعمال في تقليص الهجرة، قد يعود بالضرر على شعبية حزبه، لأن نسبة كبيرة من أعضائه يستعينون بالعمالة الأوروبية في الزراعة والحصاد، لذلك سارع إلى توضيح كلام وزيرة الداخلية بقوله إن "الهجرة الموسمية" لا تضغط كثيراً على الحكومة لمعالجة أسبابها ووقفها على المدى القصير.  

وفضل رئيس الوزراء في حديثه لـ "BBC" تأجيل الخوض في مناقشات الحكومة مع الفعاليات المعنية من أجل محاصرة الهجرة المتزايدة، ولكن تحفظه لن يدوم طويلاً بعد الكشف عن إحصائيات الهجرة الجديدة، وبدء المعارضة التصويب نحو فشل المحافظين في تنفيذ أهم وعوده في انتخابات عام 2019.

تقليص تأشيرات الطلبة 

الحد من قدرة الطلبة الأجانب على استقدام عائلاتهم معهم، هو أحد خيارات تقليص الهجرة، إذ لم يؤكد رئيس الوزراء خلال مقابلته على هامش قمة مجموعة السبع الأخيرة ذلك، لكنه لم ينفه أيضاً، واكتفى بالقول إن الأيام المقبلة ستحمل مزيداً من النقاش والحديث بشأن هذا الاحتمال وغيره.  

وترى المحامية المتخصصة في شؤون الهجرة سالي ديفيز، أنه ليس من الصعب على الحكومة منع الطلبة الأجانب من استقدام أفراد عائلاتهم خلال فترة دراستهم، حتى لو أثبتوا القدرة على إعالتهم، لكن الأمر يحتاج إلى صيغة قانونية واضحة تجنب المؤسسات الرسمية المساءلة القضائية.

وقالت ديفيز لـ"الشرق"، إن وزارتيْ الداخلية والتعليم تبحثان بجدية سبل وقف أو تقليص التأشيرات لعائلات الطلبة الأجانب، بعدما وصلت إلى مستويات قياسية لم يعرفها البرنامج منذ انطلاقته عام 2005. متوقعة أن يكون التقليص من خلال رفع التكلفة، أو عبر فرض شروط يصعب تحقيقها.  

وبحسب المركز الوطني للإحصاء، كانت تأشيرات الطلبة الأجانب وعائلاتهم، الأكثر ارتفاعاً بين أنواع الهجرة المختلفة. إذ ارتفعت إلى 627 ألف تأشيرة نهاية 2022، مقابل 355 عام 2018، بزيادة 76%، ما دفع الحكومة إلى إعادة النظر في شروطها بدعوات حزبية وشعبية.     

خطط الحكومة في هذا الصدد تواجه رفضاً من قبل خبراء بقطاع التعليم خشية أن تكون لها تداعيات سلبية على توافد الطلبة الأجانب إلى بريطانيا.

واعتبرت وزيرة التعليم السابقة جوستين جرينينج، أن "أي قيود على تأشيرات الطلبة ستؤدي إلى تراجع أعدادهم بشكل واضح في جامعات ومعاهد بريطانيا".    

ووقع 12 نائباً لرؤساء جامعات في المملكة المتحدة رسالة لوزير التعليم جيليان كيجان، يطالبونه فيها بوقف محاولات تقييد تأشيرات الطلبة الأجانب، لأن هذه الخطوة "قد تجعل الطلبة يغيرون وجهتهم ويبحثون عن دول تسمح لهم بالعيش مع عائلاتهم خلال دراستهم الممتدة لعدة أعوام في مراحل التعليم العالي."

اللاجئون الأوكرانيون  

وساعدت جائحة فيروس كورونا حزب المحافظين خلال عام 2020 في تقليص أعداد المهاجرين عن غير قصد، لكن رياح السياسة الخارجية جرت بعكس ما يشتهي الحزب الحاكم مع منتصف العام الذي تلاه، فتدفق على البلاد خلال عام ونصف، مئات الآلاف من اللاجئين الذين لم تجد الحكومة مفرا من استقبالهم.

ويوضح مكتب الإحصاء أن المتقدمين بطلب لجوء أدرجوا بين المهاجرين من غير الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن عدد اللاجئين من أوكرانيا وأفغانستان وسوريا ارتفع إلى أكثر من 256 ألف شخص في نهاية الربع الأول من العام الجاري، كما زاد عدد تأشيرات العمل إلى أكثر من 345 ألفاً نهاية مارس الماضي.   

والغزو الروسي لأوكرانيا والانسحاب الغربي المضطرب من أفغانستان، كانا كافيين لنسف كل خطط تقليص الهجرة الشرعية إلى البلاد، كذلك قرار حكومة المحافظين بمنح الجنسية لسكان هونج كونج، بوصفهم أحفاد مستعمرة بريطانية سابقة منحت للصين بمكرمة ملكية، ولكن بكين عبثت بأمن وسلامة مواطني شبه الجزيرة.  

وقال سوناك إنه "فخور" باستجابة بلاده للأزمة الأوكرانية، وفتح الأبواب أمام اللاجئين من تلك الدولة الأوروبية التي تعرضت لغزو روسي.

تصريحات سوناك تعني ببساطة أن الأوكرانيين وحدهم خارج حسابات تقليص الهجرة إلى المملكة المتحدة، أما بقية الجنسيات فعليها توقع مزيداً من القيود على لاجئيها. 

ولا يبدو أن المعارضة تتخذ موقفاً مختلفاً إزاء قضية الهجرة إلى المملكة المتحدة، إذ قال زعيم حزب العمال، كير ستارمر، إن حزبه يرغب أيضاً في تقليص عدد المهاجرين في ظل الأرقام المرتفعة، رافضاً تحديد مستويات الهجرة المستهدفة أو الفترة الزمنية اللازمة لتقليص عدد المهاجرين.  

اهتمام اليمين  

وبغض النظر عن خيارات الحكومة في تقليص عدد الوافدين، يعد موضوع الهجرة محط اهتمام شديد من قبل الجماعات اليمينية في البلاد. إذ تشير دراسة نشرتها صحيفة "جارديان" إلى أن تناول الحكومة لهذا الملف خلال الأيام الماضية، تحول إلى حديث الساعة لليمينيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.  

وحتى قبل صدور الإحصائيات الأخيرة، تفيد الدراسة بأن أكثر من 660 ألف رسالة تتعلق بالهجرة أرسلت عبر تطبيق "تليجرام" بين جماعات اليمين المتطرف بين يناير 2021 ومارس 2023، كانت تتبع في غالبيتها تحركات الحكومة للحد من أعداد المهاجرين، خاصة القادمين عبر بحر المانش. 

وتفيد الأرقام أن الحكومة تبنت نحو 164 خطوة ضد المهاجرين خلال عامي 2021 و2022 ومع بداية العام الجاري، وتبع ذلك تحركات رسمية جديدة، وارتفع متوسط رسائل اليمنيين بشأن الهجرة من 761 رسالة يومياً في 2021، إلى 1136 رسالة يومياً خلال الربع الأول من العام الجاري.  

وتشير الدراسة إلى أن خطاب الحكومة بشأن الهجرة يغذي نزعة اليمين المتطرف في البلاد، وكمثال على ذلك تدلل على التكرار المهول لكلمة "الغزو" التي وصفت بها وزيرة الداخلية المهاجرين على السواحل الشرقية للبلاد، في رسائل جماعات اليمين.  

اقرأ أيضاً:

تصنيفات