مصر وتركيا.. كيف تحولت سنوات القطيعة إلى "تفاهمات كاملة"؟

time reading iconدقائق القراءة - 22
جانب من لقاء وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظيره التركي السابق مولود جاويش أوغلو بالقاهرة. 18 مارس 2023 - REUTERS
جانب من لقاء وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظيره التركي السابق مولود جاويش أوغلو بالقاهرة. 18 مارس 2023 - REUTERS
دبي - الشرقالزبير الأنصاري

كشف مسؤولون ومحللون مصريون وأتراك لـ"الشرق" عن كواليس رحلة التقارب التي قادت العلاقات بين القاهرة وأنقرة إلى انفراجة أنهت 10 سنوات من الجفاء والتراشق. وأوضحت المصادر طبيعة وآفاق التعاون المستقبلي بين البلدين في ظل التوصل إلى "تفاهمات كاملة" بشأن ملفات ثنائية وإقليمية، رغم وجود بعض التفاصيل التي لا تزال عالقة.

المتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، قال لـ"الشرق"، إنَّ رفع التمثيل الدبلوماسي مع أنقرة جاء بعد توصل الطرفين إلى "تفاهمات كاملة" بشأن الملفات المرتبطة بالعلاقات الثنائية، والقضايا الإقليمية، التي تحظى باهتمامهما، فيما اعتبرت تركيا هذه الخطوة "بداية جديدة".

وأوضح أبو زيد أنَّ "هناك توجيهات صدرت، منذ لقاء رئيسي البلدين في الدوحة، إلى وزارتي الخارجية، بفتح قنوات تواصل لاستعادة العلاقات بشكل كامل، عقب التوصل إلى تفاهمات كاملة بشأن الملفات المرتبطة بالعلاقات الثنائية، والقضايا الإقليمية".

ويشير أبوزيد في تصريحاته لـ"الشرق"، إلى الاتصال الهاتفي في 30 مايو بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، واتفقا خلاله على "البدء الفوري في تعزيز العلاقات الدبلوماسية" بين الدولتين، و"تبادل السفراء".

وأضاف أبوزيد أنَّ "الاتصالات بدأت منذ أكثر من عامين، من خلال ما سُمّي آنذاك بالمشاورات الاستكشافية التي تمَّت على مستوى نائبي وزيري الخارجية، وأعقب ذلك لقاء على مستوى الرئاسة، ثم اتصالات بين وزيري الخارجية من خلال الزيارة الأولى التي قام بها الوزير سامح شكري إلى أنقرة عقب زلزال فبراير الماضي، ثم زيارة نظيره التركي (السابق مولود جاويش أوغلو) إلى القاهرة".

وأوضح أنه "خلال هذه الزيارات تمَّ التطرق إلى تفاصيل بشأن الموضوعات المرتبطة بالعلاقات المصرية - التركية في جوانبها السياسية، والاقتصادية، والأمنية، إلى أن اكتملت بالتوصل إلى تفاهمات كاملة، تشمل تفاهمات ومشاورات حول الوضع الإقليمي بشكل عام، ليتم الإعلان بعد ذلك عن رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى سفراء".

وأشار المتحدث باسم الخارجية المصرية، إلى أن "العلاقة الطبيعية بين الدولتين تسمح بالتشاور، ونقل المواقف والتنسيق، في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية التي تهم الطرفين".

وأضاف أبو زيد، أن "هناك وضوحاً واتفاقاً في الهدف نحو ضرورة تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، لكن هل تم الانتهاء من كل الموضوعات؟ لا طبعاً.. نحن نتحدث عن بداية مسار في إطار علاقة دبلوماسية طبيعية، فوجود تمثيل على مستوى رئيس البعثة وعلى مستوى سفير، يسهل عملية التواصل بين البلدين".

نتاج عملية طويلة

من جانبه، قال السفير التركي الجديد لدى مصر، صالح موطلو شن، لـ"الشرق"، إنَّ قرار رفع التمثيل الدبلوماسي "يعكس عملية تطبيع العلاقات بشكل رسمي، ما يعني أنَّ الجانبين لديهما ثقة واحترام متبادل، وأنهما جاهزان لتقصي كل إمكانات التعاون لما فيه مصلحة الشعبين".

واعتبر شن، أنَّ القرار يؤشر إلى "بداية جديدة"، مضيفاً أن ما "تم التوصل إليه لم يكن نتاج يوم واحد، بل عبر عملية طويلة، بدأت بحوار واتصالات بين أجهزة الاستخبارات في البلدين، مروراً بلقاء الرئيسين في الدوحة، وصولاً إلى وزراء الخارجية".

وتابع السفير التركي: "يمكن القول إن القرار لم يُتخذ بسهولة، بل كان نتاج نقاش بشأن كل النقاط التي تشغل الحكومتين، وقد توصلتا إلى استنتاج مفاده أنه يجب رفع العلاقات الدبلوماسية من أجل تحسين العلاقات، والتعاون، والبناء على ثقة".

ومع بداية توتر العلاقات بين البلدين، أعلنت القاهرة في نوفمبر 2013، خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع أنقرة من مستوى السفير إلى القائم بالأعمال، كما تم اعتبار السفير التركي في مصر "شخصاً غير مرغوب فيه".

في المقابل ردَّت تركيا بإعلان السفير المصري "شخصاً غير مرغوب فيه"، كما تم خفض التمثيل أيضاً، لتبدأ مرحلة من القطيعة "شبه الرسمية" بين البلدين.

"قضايا عالقة بحاجة لتفاهمات"

ويرى مراقبون، أنَّ رفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، سيسهم في تمكينهما من معالجة أفضل للملفات والقضايا العالقة.

المستشار الأكاديمي للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، محمد مجاهد، قال في تصريحات لـ"الشرق"، إنَّ هذه الخطوة "تعتبر مرحلة متقدمة في ما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين، والدخول في مرحلة لتطبيع العلاقات بصورة كاملة في المستقبل".

وأضاف أنه "لا تزال هناك قضايا عالقة تحتاج إلى تفاهمات، وأعتقد أنَّ الطرفين يعتقدان أنَّ تطبيق هذه المرحلة من التطبيع وعودة السفراء، قد تسهم في إثراء الحوار، وجعله أكثر جدية في ما يتعلق بهذه القضايا".

بدوره، أكد الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بشير عبد الفتاح، لـ"الشرق"، أنَّ "رفع التمثيل الدبلوماسي سيساعد كثيراً في حلحلة القضايا والملفات الخلافية.. لأن وجود بعثة دبلوماسية كاملة، ووجود مفاوضات، ومباحثات، ولجان فنية مشتركة، من شأنه أن يساعد على الإسراع في تسوية الملفات والقضايا الخلافية العالقة".

ولفت عبد الفتاح، إلى أنَّ تطبيع العلاقات سيساعد على تشكيل اللجان المنوط بها التعامل مع كل ملف من هذه الملفات بشيء من التفصيل".

موقف تركيا في ملف "الإخوان"

ولعل من أبرز الملفات التي سببت التوتر بين البلدين كان ملف جماعة الإخوان. إذ فتحت تركيا الباب أمام الجماعة لإطلاق قنوات فضائية، تتهمها القاهرة بـ"التحريض على العنف".

وفي هذا الشأن، قال متحدث الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، إن "مصر كانت واضحة في نقل موقفها للجانب التركي، بضرورة احترام علاقات حسن الجوار وعدم التدخل في الشأن الداخلي"، لافتاً إلى أنه "كان هناك احترام من جانب أنقرة لهذه المبادئ، واتفاق على عدم التدخل في الشؤون الداخلية".

وأضاف: "أعتقد أن أي مراقب للمواقف التركية خلال الفترة الأخيرة، يصل إلى اقتناع كامل وواضح بأنَّ هناك عدولاً عن أي ممارسات سابقة من شأنها التدخل في الشأن الداخلي المصري".

وكانت تركيا أعربت في مارس 2021 عن استعدادها لفتح "صفحة جديدة" مع مصر، وأكد مسؤولوها البحث عن سبل لـ"إصلاح العلاقات" مع القاهرة.

وفي الشهر نفسه، ذكرت مصادر "الشرق"، أن السلطات التركية أصدرت قراراً باقتصار تغطيات القنوات المصرية التي تبث من تركيا، على الشؤون الاجتماعية والثقافية فقط.

وأضافت المصادر، أنَّ التعليمات التركية لهذه القنوات المقربة من جماعة الإخوان، شملت "تجنب الشأن السياسي وعدم الإشارة للرئيس والحكومة المصرية"، إلى جانب "التخلي عن أسلوب التحريض والإساءة للدولة المصرية".

عقب ذلك، أعلنت قناة "مكملين" المصرية المقربة من الإخوان، إغلاق مقرها "بالكامل" في تركيا، ونقل بثها وكافة أعمالها إلى خارج أراضيها. كما لجأت بعض الوجوه التي كانت تعمل في مثل هذه المحطات إلى الانتقال لمنصات جديدة خارج تركيا.

ليبيا.. ملف شائك

وبشأن ما إذا كان رفع التمثيل الدبلوماسي لمستوى السفراء، يعني تجاوز الملفات الشائكة بين البلدين، مثل ليبيا، أكد أحمد أبو زيد، أنَّ "المشاورات السياسية التي تمت تطرقت إلى كل هذه الموضوعات، واتسمت بقدر كبير من الشفافية والوضوح".

وأشار إلى أن مصر "عبَّرت بوضوح عن رؤيتها لاستقرار الأوضاع، وكيفية التعامل مع الوضع في ليبيا، وسوريا، والعوامل التي تم بناء الموقف المصري عليها، وتمَّ نقل هذا بصورة واضحة إلى الجانب التركي، والذي بدوره تناول كل هذه الموضوعات باستفاضة".

وأضاف: "كان هناك اتفاقاً على أهمية دعم السلام والاستقرار في الإقليم، وذلك يشمل حل الأزمة السورية، وإقامة انتخابات في ليبيا تؤدي إلى وصول حكومة شرعية منتخبة، وهي مصلحة مصرية وتركية مشتركة، ومن ثم يجب أن تتلاقى الجهود في سبيل تحقيق هذا الهدف، وأن تتكاتف من جانب الدولتين في سبيل تحقيق هذه الأهداف، لأنَّ استقرار إقليم الشرق الأوسط في مصلحة البلدين".

وكانت تركيا وقعت في نوفمبر 2019، اتفاقاً مع حكومة المجلس الرئاسي، المقالة من قبل البرلمان الليبي والتي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، بشأن الحدود البحرية في البحر المتوسط، إلى جانب اتفاق آخر لتوسيع نطاق التعاون الأمني والعسكري.

وعقب توقيع الاتفاق، سمح البرلمان التركي في يناير 2020، بنشر قوات تركية في ليبيا لمدة عام واحد، وتم تمديد التفويض لمدة 18 شهراً أخرى حتى يوليو 2022، قبل أن يتم تمديده أيضاً في يونيو 2022 لمدة 18 شهراً أخرى.

وكان الرئيس المصري اعتبر في يونيو عام 2020، أن "تجاوز خط (سرت - الجفرة)، خط أحمر لمصر"، في تحذير ضمني لقوات حكومة المجلس الرئاسي التي تدعمها تركيا، من التحرك شرقاً باتجاه المناطق التي يسيطر عليها الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر.

ووفقاً للمحلل السياسي التركي علي بكير، فإنَّ "أي اتفاق بين أنقرة والقاهرة بشأن الحدود في شرق البحر المتوسط ​​وليبيا، من شأنه أن يخلق وضعاً مربحاً للبلدين، ويفتح الباب أمام فرص غير محدودة للتعاون".

وكانت أنقرة قالت في 2021، إن تركيا ومصر قد تتفاوضان على ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط، إذا سمحت العلاقات بينهما بمثل هذه الخطوة.

"حوار مستفيض"

وعمَّا إذا كان للجانب المصري محددات بعينها قُدمت لأنقرة، وتم التوافق حولها، قال أبو زيد، إن موقف القاهرة "مُعلن وواضح تجاه الأوضاع الإقليمية بشكل عام، ففي الأزمة الليبية تطالب بعدم التدخل الخارجي في الشؤون الليبية، وضرورة خروج القوات الأجنبية بكافة أشكالها، وإجراء الانتخابات في أسرع وقت، كي تصل حكومة شرعية منتخبة بإرادة ليبية، لتولي مقاليد الحكم".

وأضاف المتحدث باسم الخارجية المصرية لـ"الشرق": "هذا كله موقف مصري معلن تتبناه القاهرة في كافة المحافل الدولية، وتدافع عنه في اتصالاتها مع جميع الدول".

وتابع أن "الأمر نفسه أيضاً بالنسبة إلى سوريا"، مشيراً إلى "الجهود التي تمت في الإطار العربي لعودة دمشق إلى الجامعة العربية، والمحددات الخاصة بحل الأزمة السورية، من خلال مجموعة الاتصال العربية التي تم تشكيلها من مجلس وزراء الخارجية العرب"، لافتاً إلى أن "كل هذا تم التحدث فيه بشكل كامل ومستفيض مع الأشقاء في تركيا".

بدوره، أوضح السفير التركي في القاهرة، أن "هناك تقارباً بين البلدين في وجهات النظر إزاء ملف ليبيا، فكلا الطرفين واضح في إزالة أي مجال لسوء الفهم بينهما"، لافتاً إلى أنه "كان هناك حواراً بشأن ليبيا، وقد تحدث وزيرا الخارجية أيضاً بشأن هذا الموضوع".

وشدد على أنَّ البلدين "اتفقا على ضرورة إجراء انتخابات في ليبيا، وجددا التزامهما بوحدة الأراضي الليبية"، معتبراً أن هذا "أساس جوهري سيُبنى عليه مزيد من العمل، وبشكل معمّق يمكن من خلاله المساعدة على التغلب على الأزمة الموجودة في ليبيا".

وقال السفير التركي: "هناك تفهم وثقة متبادلة بشأن الملف الليبي، إذ يرى الطرفان أنَّ وجود وضع آمن ومستقر في ليبيا سيكون في مصلحة كل دول المنطقة"، مشدداً على أنه "ليس هناك أي توتر الآن بين البلدين بشأن هذا الملف.. وأنه على العكس، ربما هناك فهم أفضل بين البلدين حيال ليبيا".

نزع فتيل الأزمة

من ناحيته، قال المستشار الأكاديمي محمد مجاهد، إنَّ التمركز العسكري التركي في ليبيا يمثل "نوعاً من التهديد للأمن القومي المصري والمصالح المصرية".

لكنه اعتبر في تصريحات لـ"الشرق"، أنَّ "هناك مجالات للتفاهم يمكن أن تحدث في هذا الملف، إذا خلصت النوايا التركية في هذا المستوى"، مضيفاً أنه إذا "سمحت أنقرة للأطراف (الليبية) الموالية لها بالاندماج في العملية السياسية، وقبول المساعي الحالية لإجراء الانتخابات، واستكمال مؤسسات الدولة، فربما يسمح هذا الأمر بأرضية للتفاهم بين البلدين مستقبلاً".

في المقابل، قال رئيس مركز شرقيات للبحوث، ورئيس تحرير "إندبندنت تركية"، محمد زاهد جول: "بالنسبة للمسألة الليبية أعتقد أنَّ التهدئة قائمة بالفعل منذ أكثر من سنتين، وهناك تفاهمات أمنية وعسكرية كبيرة جرت خلال السنوات الماضية، مما أدَّى إلى نزع فتيل الأزمة التي كانت قائمة في الساحة الليبية".

وأضاف في تصريحات لـ"الشرق": "على الرغم من أنه ليس هناك، بشكل عام، استقرار في ليبيا، كما ينشده الجميع، لكن أعتقد أن التفاهمات الكلية قد تمَّت، على الأقل في الصعيد الميداني".

وتابع: "بالنسبة للشق السياسي، فالمسألة فيه ليست مصرية تركية خالصة، وإنما هناك عدد من الدول الإقليمية والعالمية المتداخلة في الملف الليبي، ومن المؤكد أنَّ تفاهمات المنطقة هي التي ستفرض ظلالها على مستقبل حل الأزمة الليبية"، معتبراً أنَّ التقارب التركي المصري "سيسرع من عملية الوصول إلى التفاهمات على مستوى المنطقة".

سوريا وتأثيرها على التقارب التركي المصري

وعن الوجود التركي في دول عربية، اعتبر سفير أنقرة لدى القاهرة، أنَّ "تركيا لديها الحق في الدفاع عن حدودها، ولا سيما ضد حركات إرهابية"، مضيفاً أن "أنقرة أُرغمت على الدفاع عن أرضها وحماية أمنها". وشدَّد على أنَّ بلاده "ملتزمة بوحدة الأراضي السورية، وتحقيق الازدهار في المنطقة".

وأضاف: "في العراق هناك الكثير من الاستثمارات بين البلدين، ولدينا خطة استراتيجية مع بغداد من أجل أن يكون هناك الكثير من المشروعات، بما في ذلك النقل وغيرها"، لافتاً إلى أنَّ بلاده "تقوم بكل ما في وسعها من أجل التعاون للتنمية والازدهار في المنطقة، إلى جانب بناء القدرات التكنولوجية والإمكانات الكامنة الموجودة في مجالات متعددة".

واعتبر أنَّ التعاون بين مصر وتركيا "سيكون تعاوناً إيجابياً، وسينعكس بشكل عام على قطاعات عدة لما فيه مصلحة التطور في المنطقة، بما يشمل سوريا والعراق".

من جهته، قال محمد مجاهد إنَّ "الوجود والاحتلال التركي لمناطق كبيرة في شمال سوريا، وتبنِّيها لمنظمات تعتبرها مصر تنظيماتٍ إرهابية تهدد الأمن القومي العربي والمصري، قد يكون ملفاً عالقاً يشهد تبايناً للرؤى بين البلدين".

وأضاف: "لكن في ظل المناخ الحالي والمساعي الجارية بتأثير روسي وإيراني لتحقيق تفاهمات بين تركيا والحكومة السورية في ما يتعلق بعلاقاتهما الثنائية ووجود أنقرة في الشمال السوري، ربما يكون هذا تحركاً وإجراء إيجابياً يسمح بإزالة الخلاف القائم في هذا الملف".

من جانبه، قال جول إلى أنه "من المؤكد أن هناك تفاهمات قد حدثت بالفعل في ما يخص الأزمة السورية"، لافتاً إلى أن الحوار بين سوريا وتركيا "سيؤثر بشكل إيجابي على التقارب المصري التركي".

ويمثل الملف السوري أيضاً نقطة خلافية في ظل الوجود التركي في شمال البلاد، ودعم أنقرة لفصائل عسكرية مناوئة لدمشق، وقيامها بين فترة وأخرى بعمليات وتوغلات عسكرية عبر حدودها مع سوريا.

موارد شرق المتوسط

ومن ضمن القضايا العالقة أيضاً، غاز شرق المتوسط، حيث تختلف تركيا مع مصر، وأيضاً اليونان وقبرص، بشأن الحدود والموارد البحرية في هذه المنطقة.

واعتبر المستشار الأكاديمي محمد مجاهد، أنَّ هذا الملف تأثَّر كثيراً بالتحالف المصري اليوناني القبرصي، والخلافات القائمة بين تركيا وبين هذه البلاد.

وأشار إلى أنَّ "التحسُّن النسبي خلال الفترة الماضية في العلاقات اليونانية التركية، من شأنه إيجاد مناخ يسمح بالوصول إلى تفاهمات بين القاهرة وأنقرة، من النوع الذي لا يؤثر على طبيعة التحالف المصري اليوناني، ويسمح في الوقت نفسه بأن يكون هناك تعامل أو تفاهم مع تركيا، في ما يتعلق بمنتدى غاز شرق المتوسط".

وكان المنتدى، الذي يضم في عضويته 7 دول، تشكل في يناير 2019 بدعوة من مصر، في ما اعتبره خبراء ومراقبون إجراءً لمواجهة نشاطات التنقيب التركية في المنطقة.

وبعد رفع التمثيل الدبلوماسي، قال بشير عبد الفتاح، إنه في حال انضمت تركيا إلى المنتدى فإنَّ ذلك "سيساعد كثيراً في تعزيز دور البلدين في أمن الطاقة الأوروبي والعالمي".

أمَّا جول الذي اعتبر شرق المتوسط "المسألة الأهم" في العلاقات بين أنقرة والقاهرة، فيرى أنَّ "التقارب ورفع التمثيل والحوارات المستمرة، ستقرب وجهات النظر أكثر فأكثر، في ما يتعلق بمسألة شرق المتوسط وطريقة التعاطي معها".

أسباب تطبيع العلاقة

وبحسب مراقبين، يقف مزيج من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية خلف تحرك البلدين باتجاه تطبيع العلاقات.

وقال بشير عبد الفتاح، إنَّ محفزات التقارب بين البلدين تتمثل في "تداعيات جائحة فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية اللتين أدتا إلى إجبار كل الأطراف الدولية والإقليمية على إعادة النظر في علاقاتها، من أجل التكيّف مع تداعيات الجائحة والنظام العالمي الجديد الذي يعاد صياغته".

وأضاف أنَّ "هذه التطورات أثرت على الشرق الأوسط، وفرضت نمطاً جديداً من العلاقات، إذ بدأت دول الإقليم تبحث عن سبل لتقليص الخسائر وتعظيم المكاسب قدر المستطاع".

وتابع: "لذلك نحن بصدد شرق أوسط جديد، ونظام عالمي جديد، أرادت مصر وتركيا أن يكون لهما دور في تشكيله، خصوصاً، والآن لأول مرة تسعى دول الإقليم لأن يكون لها دور في تحديد مستقبل المنطقة، ومن هنا يأتي التقارب التركي المصري".

إلى جانب هذا الواقع الجيوسياسي الجديد، هناك أيضاً العامل الاقتصادي، إذ أشار بشير عبد الفتاح، إلى أنَّ مصر وتركيا "تعانيان ضغوطاً اقتصادية هائلة، وهما في حاجة إلى انفتاح وتعاون اقتصادي وتجاري، يساعد على تجاوز الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها البلدان".

كما مثَّل الوضع السياسي في تركيا، حافزاً آخر لتطبيع العلاقات مع مصر، إذ يشير المحلل علي بكير إلى أنَّ حكومة أردوغان "كانت قلقة من إمكانية استفادة المعارضة التركية الداخلية من قضايا السياسة الخارجية قبل انتخابات مايو 2023".

وأشار في مقال نشره "المجلس الأطلسي"، إلى أنَّ هذا القلق جعل من طي الملفات الشائكة، وفتح فصل جديد مع مصر أولوية قصوى بالنسبة لأنقرة.

الاقتصاد.. ملف يحظى باهتمام

وعلى الصعيد الاقتصادي، لفت المتحدث باسم الخارجية المصرية خلال حديثه لـ"الشرق"، إلى أنَّ ملف الاقتصاد "حظي بمناقشات مطولة، لأن هناك اهتماماً من الجانبين للارتقاء بمستوى العلاقات الاقتصادية والتجارية"، موضحاً أن "مستوى التبادل التجاري بين البلدين جيد، رغم الظروف التي كانت تتصف بها العلاقات الثنائية في فترة سابقة".

وتوقع أن "تحسن العلاقات، وعودتها إلى طبيعتها مع تركيا، سيزيد من حجم التبادل التجاري والاستثمارات التركية في مصر"، مشيراً إلى أنَّ "هناك حرصاً من جانب أنقرة بزيادة التواصل على مستوى رجال الأعمال، والقطاع الخاص بين البلدين، وإنشاء تجمعات ومجالس لرجال الأعمال، واتصالات على المستوى البرلماني".

وأكد أبو زيد أنَّ "هناك أيضاً إرادة سياسية من الجانبين بأن تشهد المرحلة المقبلة المزيد من التطور والتنسيق اقتصادياً وتجارياً، وأيضاً في تدفقات السياحة بين الطرفين"، مشيراً إلى "تسهيلات قدمتها مصر في ما يتعلَّق بالإعفاء من تأشيرة الدخول للأتراك، ما يؤشر إلى مرحلة قادمة سيزداد فيها التعاون بين البلدين في كافة المجالات".

من ناحيته، قال سفير أنقرة لدى القاهرة، إنَّ العلاقات التجارية استمرت بين البلدين خلال العقد الماضي رغم الصعوبات، مشيراً إلى أنه في عام 2022 سجل البلدان 9.7 مليار دولار من حجم التجارة الثنائية، بما في ذلك 2.6 مليار من واردات الغاز الطبيعي من مصر إلى تركيا.

وأكد السفير التركي، أنَّ بلاده ستستمر في شراء الغاز من مصر، التي تعد من أكبر منتجي الغاز الطبيعي، ولديها البنى التحتية اللازمة لذلك، مشيراً إلى أنه ستكون هناك أشكال جديدة لتعزيز أفضل لنماذج التعاون وأطر الشراء.

وأوضح أنَّ البلدين "يتكاملان اقتصادياً"، خصوصاً أن "اللوجستيات والشحن البحري سهل في ما بينهما، في ظل وجود اتفاق شحن قائم"، متوقعاً أن يزداد حجم التجارة الثنائية خلال السنوات المقبلة، ليصل إلى 20 مليار دولار "وهذا هدف حقيقي وواقعي".

وأشار إلى أنَّ الشركات التركية في أماكن مختلفة بمصر، تقوم باستثمارات جديدة، وتخلق فرص عمل وفرص تدريب للعمال المصريين، لافتاً إلى أن وفوداً من المستثمرين الأتراك بدأت في الوصول إلى مصر من أجل تفحص الفرص الموجودة.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات