بريطانيا.. حزب العمال يستعد للفوز بانتخابات البرلمان واستعادة الحكومة مع "ستارمر"

"بلومبرغ": الاستطلاعات تدعمه و"نبرة" أوروبا ستشهد "تحولاً ملحوظاً" حال فوزه

time reading iconدقائق القراءة - 11
زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر يلقي كلمة في البرلمان. 13 سبتمبر 2023 - REUTERS
زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر يلقي كلمة في البرلمان. 13 سبتمبر 2023 - REUTERS
دبي-الشرق

أصبح زعيم حزب العمال في بريطانيا كير ستارمر المرشح الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات المتوقع أن تجرى العام المقبل، بحسب "بلومبرغ" التي توقعت أن تشهد أوروبا "تحولاً ملحوظاً في نبرتها" حال فوزه.

وأشارت "بلومبرغ" إلى أن توني بلير كان آخر زعيم لـ"العمال" حقق مثل هذا الإنجاز الذي كان له تأثير كبير على الحزب وبريطانيا.

وأضافت أن علاقات بلير الوثيقة بالرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون ساعدت في التوصل إلى اتفاق سلام لإنهاء عقود من العنف في إيرلندا الشمالية.

وتميّز العقد الذي قضاه بلير في السلطة منذ عام 1997 بالإنفاق والنمو، حتى يمكن القول إنه يمثل "آخر حقبة من الشعور بالسعادة في بريطانيا" قبل أن تعاني البلاد من الأزمة المالية وخروجها من الاتحاد الأوروبي، وصولاً إلى جائحة كورونا، بحسب "بلومبرغ".

ويعد هذا الإرث النقطة المرجعية في أي نقاش بشأن فرص نجاح ستارمر بسبب تشابه واضح بين الوقت الحالي وفترة التسعينيات، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن الناخبين يشعرون باليأس ويرغبون في التغيير بعد أكثر من عقد على حكم حزب المحافظين، ولذا فالضغط على ستارمر للاستفادة من هذا الوضع والفوز يبدو هائلاً.

ويقول بلير: "لكي نكون منصفين، أعاد ستارمر حزب العمال إلى الوسط بشكل كبير، وبالتالي يشعر الناس براحة أكبر معه ومع فريقه".

وأشارت "بلومبرغ" إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلوح في الأفق مع الصعود السياسي لستارمر، موضحة أنه قدم ذات مرة المساعدة القانونية لأرملة ألكسندر ليتفينينكو عندما تم تسميم المنشق الروسي السابق من قبل المخابرات السوفييتية في لندن.

 وبدا زعيم "العمال" غاضباً عندما تم تسميم معارض روسي ثان في بريطانيا بعد أكثر من عقد من الزمان، بسبب مراوغة الحزب في انتقاد الرئيس الروسي، وهي اللحظة التي قرر فيها الترشح كزعيم للحزب، كما يقول المقربون منه، من أجل التخلص من الصورة السيئة التي تُبقي حزب المعارضة خارج السلطة.

وتولى ستارمر قيادة الحزب، الذي كان يعاني من الفوضى في أبريل 2020، إذ عانى من أسوأ أداء انتخابي له منذ ما يقرب من قرن، بعد رفضه من قبل قطاعات كبيرة من السكان في معقله التقليدي وتمزيقه بسبب الانقسامات الداخلية.

وفي غضون أشهر، علق ستارمر عضوية سلفه جيريمي كوربين في الحزب، وتم طرده في وقت لاحق، وهي الخطوة التي نُظر إليها باعتبارها انفصالاً نهائياً عن الماضي الفوضوي القريب.

ولكن ستارمر وبلير واجها وضعاً مختلفاً للغاية، إذ دفع "حزب العمال الجديد" بقيادة بلير البلاد نحو "بريطانيا الواثقة بشكل يبلغ حد الجرأة"، لكن هذا الأسلوب أو السياق السياسي لا يناسب ستارمر الآن، لأن يديه ستكون مقيدتين بسبب الاقتصاد الذي يعاني من الفوضى، وتدهور الخدمات العامة، فضلاً عن تعرض البلاد للسخرية في الخارج، والانقسام الشديد في الداخل بشأن خروجها من الاتحاد الأوروبي.

كما سيكون لبوتين أيضاً يد في تشكيل ميراثه المحتمل من خلال غزو أوكرانيا، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدل التضخم وفرض زيادة في تكاليف الاقتراض.

وعادةً ما يصور النقاد والمعارضون السياسيون ستارمر على أنه سياسي ممل ويفتقر إلى الكاريزما، لكن أصدقاءه وزملائه يشيرون إلى نزاهته إلى جانب صرامته التي تجلت في معاملته لكوربين، ولذا فهم يقولون إن هذا يجعله الشخص المناسب لمهمة إعادة البناء.

ويحرص فريق ستارمر في حزب "العمال" على استغلال الفرصة الحالية، إذ يعمل على رفع مكانته في الخارج، وذهبت مستشارته راشيل ريفز إلى نيويورك، في مايو، لتسليط الضوء على أوجه التشابه بين خطتها الاقتصادية وخطط إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الاقتصادية.

وبالنظر إلى كونه مؤيداً لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، يتقاسم ستارمر أرضية مشتركة مع بعض حلفاء بريطانيا التقليديين، إذ تحدث إلى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي عرض دعمه.

ويقول ديفيد لامي، وهو شخص مطلع على الأمر، إن أعضاء فريق الرئيس الأميركي السابق هم أصدقاء للمسؤول عن الشؤون الخارجية في فريق ستارمر، كما لا ينظر البيت الأبيض في عهد بايدن إلى حزب "العمال" باعتباره صاحب أفكار مختلفة بشأن القضايا الرئيسية بما في ذلك الغزو الروسي لأوكرانيا وتشديد السياسة تجاه الصين، وفقاً لشخص مطلع على المناقشات الداخلية.

تحول ملحوظ

وترى "بلومبرغ" أنه في حال فوز ستارمر ستشهد أوروبا تحولاً ملحوظاً في نبرتها، لأنه يرغب في إقامة علاقات أوثق من صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي تفاوض عليها بوريس جونسون، ما يمثل وضعاً خطيراً بالنسبة لحزب "العمال"، لأن حزب المحافظين فاز بأغلبية 80 مقعداً في انتخابات 2019 تحت شعار إنجاز خروج بريطانيا من الاتحاد، ولا تزال هذه القضية مثيرة للخلاف بين أنصار "العمال" حتى الآن.

واستبعد ستارمر، الذي كان من أشد المؤيدين للبقاء في الاتحاد الأوروبي، العودة إلى حرية الحركة مع الاتحاد في إطار محاولته تجنب استعداء ناخبي المغادرة، لكن هذا يعقد أي مفاوضات مستقبلية مع الكتلة.

وفي اجتماعهما، الذي استمر 45 دقيقة في قصر الإليزيه، في سبتمبر، لم يناقش ستارمر مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، لكنهما بدلاً من ذلك ركزا على أخطار عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى الرئاسة، وتداعيات ذلك على حالة الاقتصاد البريطاني، والعلاقات مع الصين، حسبما نقلت "بلومبرغ" عن أشخاص وصفتهم بأنهم مطلعين على الأمر.

وتقدم حزب "العمال" بحوالي 20 نقطة في استطلاعات الرأي طوال معظم شهور العام الجاري، مدعوماً بخروج جونسون الفوضوي من الحكومة، ورئاسة الوزراء الكارثية التي استمرت فيها ليز تراس 49 يوماً فقط، كما أن ريشي سوناك لم يكن له تأثير يُذكر في تغيير معدلات تأييد حزبه.

ويمثل الاضطراب الذي يشهده حزب "المحافظين" حالياً موضوعاً رئيسياً في استراتيجية ستارمر، ففي ذكرى إقرار ميزانية تراس، التي عصفت بالأسواق المالية، تعهد حزب "العمال" بتعزيز صلاحيات مكتب مسؤولية الميزانية، الذي تم استبعاده من خططها الاقتصادية، وقال ستارمر للصحافيين، الأسبوع الماضي: "ما زلنا ندفع الثمن".

وأفادت دراسة استقصائية، أجرتها "بلومبرغ" للخبراء الماليين، بأن ثلثيهم يعتقدون أن فوز حزب العمال سيكون نتيجة الانتخابات "الأكثر ملاءمة للسوق".

ومع ذلك، فإنه في الفترة التي تسبق خطابه أمام المؤتمر السنوي لحزب "العمال"، في أكتوبر، في ليفربول، والذي يمثل بداية انطلاق الحملة الانتخابية بشكل فعلي، هناك قدر أكبر من التقلب داخل الحزب ما قد يكون متوقعاً نظراً لأرقامه في استطلاعات الرأي، ويرجع جزء من ذلك إلى النظام الانتخابي البريطاني، إذ يحتاج الحزب إلى 123 مقعداً إضافياً للفوز بالأغلبية.

ويعود الأمر أيضاً إلى التحديات الاقتصادية التي سيتعين عليه مواجهتها، لأن التوقعات أكثر قتامة مما كانت عليه عام 1997 على المقاييس الرئيسية بما في ذلك معدلات التضخم والإنتاجية والنمو، إذ تقترب نسبة الدين الحكومي إلى الناتج الاقتصادي من 100%، مقارنة بنحو 37% عندما تولى بلير السلطة.

وفي حين أن ذلك يمثل سلاحاً مفيداً لمهاجمة سجل حزب "المحافظين"، فإنه يضع أيضاً ستارمر في مأزق بشأن خطط الإنفاق، خاصةً أن المحافظين ووسائل الإعلام اليمينية سيستغلون أي فرصة لتصوير الحزب على أنه مبذر ومتهور.

وما يقلق فريق ستارمر هو كيفية استجابة الناخبين لأي تقليص للطموح، إذ نقلت "بلومبرغ" عن أحد أعضاء حكومة الظل قوله إن "هناك دلائل على أن الناس بدأوا يرون أنه لم يعد من الممكن إصلاح حالة الاقتصاد والخدمات العامة من قبل أي حزب".

التحرك بحذر

أندرو كوبر، زميل ستارمر في الدراسة والذي عمل مديراً للاستراتيجيات في حكومة رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، يرى أن حزب العمال "حذر سياسياً ويتجنب المخاطرة".

واتهم بعض النقاد زعيم حزب "العمال" بالتخلي عن الأخلاقيات الاشتراكية التي وعد بها عندما تولى منصبه، لكن لا تزال هناك علامات على ارتباطه بماضيه، إذ وُلد ستارمر في جنوب لندن عام 1962 لأب ماهر في تصنيع الأدوات وأم ممرضة، وسمي على اسم الزعيم الأول لحزب "العمال" كير هاردي.

ومن بين تعهداته، في حال انتخابه، السعي إلى إنهاء السقف الطبقي الذي يخنق الفرص لأولاد الطبقة العاملة، كما قال في خطاب عن التعليم ألقاه في يوليو: "سنغير بريطانيا، ونكسر الرابط بين المكان الذي تبدأ فيه الحياة والمكان الذي تنتهي فيه".

ويقول البعض إن من بين زبائن ستارمر حينما عمل محامياً في شمال لندن في الثمانينيات والتسعينيات كان هناك منظمو حفلات واجهت الإغلاق من قبل حكومة المحافظين، واثنين من النشطاء الذين أقامت شركة "ماكدونالدز" دعوى قضائية ضدهما بتهمة التشهير، وسجناء إيرلنديين وإرهابيين مشتبه بهم، وهي المنطقة التي يريد حزب سوناك استهدافها، لتصوير ستارمر على أنه "محامي سيء"، لكن المشكلة، كما يقول أحد مسؤولي المحافظين، هي "عدم وجود دليل قاطع على هذا".

ويتفوق ستامر، الذي حصل على لقب "الفارس" عام 2014 لدوره في خدمة القانون والعدالة الجنائية، في استطلاعات الرأي على سوناك من حيث عدد الناخبين، لكن ليس بقدر تقدم حزب "العمال" على "المحافظين".

وعلى الرغم من أن حزب "العمال" حقق انتصاراً ساحقاً في عام 1997، إلا أنه لا يزال ما حدث في انتخابات عام 1992 يطارده عندما تعرض زعيم الحزب آنذاك نيل كينوك لهزيمة مفاجئة أمام حزب "المحافظين" بزعامة جون ميجور، على الرغم من تقدمه في استطلاعات الرأي ومعاناة المملكة المتحدة من الركود العميق، وألقى "العمال" باللوم على الصحافة اليمينية في التأثير على التصويت حينها.

وقال كينوك، لـ"بلومبرغ"، إن ستارمر "يحمل عام 1992 في وجدانه"، متوقعاً عدم تكرار الهزيمة مرة أخرى، موضحاً أن "هناك شعور قوي للغاية بالانضباط داخل حزب العمال وأنه سيطبق هذا في الحكومة أيضاً".

وترى "بلومبرغ" أن خطوط الصدع الاقتصادية والسياسية الحالية في بريطانيا تعني أن ستارمر لن يتمكن حتماً من تحقيق كل ما يريده مؤيدوه.

وأشار كينوك إلى أن آمال حزب "العمال" في الانتخابات تتوقف على ما إذا كان الناخبون الغاضبون من أزمة تكلفة المعيشة، والإخفاقات في الخدمات العامة وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سيثقون في الحزب لتحسين حياتهم، وعلى هذا الأساس، فإن "عرض ستارمر قد يكون مثالياً".

وأضاف: "يمكن للقائد أن يرفع الروح المعنوية للناس ويجعلهم سعداء، لكن هذا لا يشتري سريراً في مستشفى أو يضع حجراً في بناء مدرسة، فبيع الأمل في حد ذاته أمر فارغ، ولذا فالمهم هو ثبات الأقدام على الأرض".

تصنيفات

قصص قد تهمك