بدأت أول دفعة من الجنود الفرنسيين المنتشرين في النيجر مغادرة البلاد إلى تشاد في قافلة برية تحت حراسة قوة محلية، ضمن انسحاب فرضته المجموعة العسكرية الحاكمة بعدما أطاحت بالرئيس محمد بازوم في نهاية يوليو الماضي، فيما اعتبرت واشنطن الثلاثاء رسمياً، أنّ استحواذ العسكريين على السلطة في البلاد "انقلاب".
وكان قادة الانقلاب سارعوا لإصدار قرار يطلب من القوات الفرنسية الانسحاب بعد إطاحتهم بالرئيس محمد بازوم. وبعد طول رفض، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نهاية سبتمبر أن قواته ستنسحب من النيجر.
وكان حوالى 1400 جندي وطيار فرنسي منتشرين حتى الآن في النيجر للقتال ضد الجماعات المتطرفة إلى جانب النيجريين، بمن فيهم حوالى ألف في نيامي و400 في قاعدتين متقدّمتين بغرب البلاد في ولام وتباري-باري، في قلب منطقة تسمى "الحدود الثلاثة" مع مالي وبوركينا فاسو.
والثلاثاء أخلى جنود فرنسيون قاعدتهم في غرب النيجر، وغادروا في قافلة برية أولى تحت حراسة محلية، متجهين "إلى تشاد"، بحسب ما أعلنت المجموعة العسكرية الحاكمة.
وقالت المجموعة في بيان تُلي عبر التلفزيون الرسمي إنّ "القوات المتمركزة في ولام (غرب) غادرت قاعدتها اليوم"، مشيرة إلى أنّها "أول قافلة برية تغادر إلى تشاد تحت حراسة قوات الدفاع والأمن التابعة لنا".
وإضافة إلى مغادرة القافلة البرية، تمّ تسجيل "3 رحلات خاصة" في مطار نيامي، اثنتان لمغادرة "97 عنصراً من القوات الخاصة" وواحدة "مخصصة للخدمات اللوجستية"، وفق المصدر نفسه.
وأوضحت المجموعة العسكرية التي كانت أكدت رغبتها في أن يتم الانسحاب "بكل أمان"، أنّ فكّ الارتباط سيتواصل وفقاً لـ"الجدول الزمني المتّفق عليه بين الطرفين".
وفي وقت سابق، قالت وزارة الجيوش الفرنسية لوكالة "فرانس برس"، إن "عملية المغادرة الأولى تجري وفق ما كان مخططاً وبتنسيق مستمر"، مؤكدة الإعلان الصادر عن النظام العسكري النيجري الاثنين، الذي ذكر فيه أن القوافل ستغادر تحت حماية جنوده من دون تحديد وجهتها.
من جهة أخرى، أفاد مصدر عسكري آخر الاثنين، بأن طائرة تحمل معدات فرنسية ومجموعة أولى من الجنود ذوي الأولوية أقلعت أيضاً من نيامي في ذات اليوم.
وأعلن النظام العسكري الجمعة، أن انسحاب الجنود الفرنسيين سيتم "على نحو آمن".
تزامناً، اعتبرت الولايات المتحدة الثلاثاء رسمياً، أنّ استحواذ العسكريين على السلطة في النيجر هو انقلاب، وأعلنت قطع مساعدات بأكثر من 500 مليون دولار.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، إنّ "أي استئناف لمساعدات أميركية سيتطلّب تحرّكاً للمجلس الوطني لحماية الوطن لإرساء حكم ديمقراطي ضمن إطار زمني سريع وذي مصداقية"، وذلك في إشارة إلى قادة الانقلاب.
وقال مسؤول أميركي رفيع لصحافيين: "نحن نتّخذ هذا الإجراء، لأننا استنفدنا خلال الشهرين الماضيين كل الوسائل المتاحة للحفاظ على النظام الدستوري في النيجر".
مسار خطر
وبعد خروج فرنسا من مالي ثم بوركينا فاسو صيف 2022، أصبحت النيجر الشريك الرئيسي للعمليات الفرنسية ضد المتطرفين، في منطقة تنتشر فيها المجموعات المسلّحة التابعة لتنظيمَي "داعش" والقاعدة.
ويمثّل الانسحاب من النيجر تحدّياً لوجستياً وأمنياً للفرنسيين.
وخيارات المسارات محدودة وخطيرة، مع احتمال اندلاع تظاهرات مناهضة لفرنسا، ومع وجود متطرفين مرتبطين بجماعة "بوكو حرام وتنظيم "داعش" في غرب إفريقيا (إيسواب) في منطقة ديفا (شرق تشاد).
كما أنّ الحدود البرية للنيجر أغلقت مع بنين ونيجيريا منذ انقلاب 26 يوليو الذي أطاح الرئيس محمد بازوم، وهو حليف لفرنسا. ويحظر النيجريون تحليق الطائرات الفرنسية المدنية والعسكرية فوق أراضيهم، ما لم يُسمح لها بخلاف ذلك.
لكن أعيد فتح الحدود مع 5 دول هي الجزائر وليبيا وبوركينا فاسو ومالي وتشاد.
وإذا نقلت الحاويات الفرنسية نحو تشاد، فإن الرحلة ستكون طويلة وصعبة وخطيرة. وسيتعين بعد ذلك أن تعبر عبر ميناء دوالا في الكاميرون، في رحلة معقدّة ثانية، وفق مصدر مطّلع.
وبعد إبرام شراكة مع النيجر للقتال ضد المجموعات المتطرفة، عززت فرنسا بشكل سري وجودها العسكري في نيامي، بمدرّعات ومروحيات نشرت لتعزيز مسيّرات "ريبر" الخمس، بالإضافة إلى 3 مقاتلات "ميراج" موجودة من قبل.
تقع هذه المنطقة داخل القاعدة النيجيرية 101 في العاصمة، وتضم مئات المنشآت الجاهزة التي تستخدم كمكاتب فيها معدات حاسوبية وحاويات وحجرات لتسيير الطائرات من دون طيار من بين أمور أخرى.
وهي معدات كثيرة لا ينوي الجيش الفرنسي تركها لجيش النيجر.