تصاعد العنف في الضفة الغربية المحتلة منذ بدأت إسرائيل قصف قطاع غزة، والاشتباك مع "حزب الله" على الحدود مع لبنان، فيما يثير محللون مخاوف من إشعال فتيل التوتر، ما يجعل المنطقة الفلسطينية المضطربة "جبهة ثالثة" في حرب أوسع نطاقاً، وسط استعدادات اجتياح بري محتمل لقطاع غزة.
وتشن إسرائيل أوسع حروبها على غزة، منذ الانسحاب من القطاع في عام 2005. إلا أن إسرائيل لا تزال تحتل الضفة الغربية التي سيطرت عليها إلى جانب غزة في حرب عام 1967.
وتخشى دول غربية داعمة لإسرائيل من حرب أوسع نطاقاً تكون فيها لبنان، حيث "حزب الله" المدعوم من إيران، جبهة ثانية وتكون فيها الضفة الغربية، وفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية "جبهة ثالثة" محتملة.
وتسببت الغارات الإسرائيلية والاشتباكات بين الجنود والمستوطنين الإسرائيليين من جهة، والفلسطينيين من جهة أخرى في سقوط عشرات الضحايا الفلسطينيين بالضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر الجاري، كما اعتقلت إسرائيل المئات، وتواصل تنفيذ مداهمات، كما نفذت غارتين جويتين، كان آخرها، الأحد، إذ استهدفت مخيم جنين.
غارات واعتقالات
قال الجيش الإسرائيلي، إن طيرانه قصف مجمعاً تحت مسجد في مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية المحتلة في وقت مبكر الأحد، وأضاف أن مسلحين يستخدمونه للتخطيط لهجمات. وقال مسعفون فلسطينيون، إن شخصين على الأقل قُتلا في القصف.
وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، الأحد، بأن قوات الجيش الإسرائيلي اقتحمت مدينة طوباس في الضفة الغربية المحتلة.
وأضافت الوكالة أن القوات الإسرائيلية، اقتحمت المدينة من المدخل الشرقي، وأطلقت النار.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية، الأحد، إن القوات الإسرائيلية قتلت خمسة فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، ليصل إجمالي عدد الأشخاص الذين قتلوا هناك إلى 90.
والخميس، قال الجيش الإسرائيلي، إنه نفذ غارة جوية على مخيم للاجئين قرب مدينة طولكرم بوسط الضفة الغربية، وإن الغارة تزامنت مع حملة مداهمة استهدفت اعتقال عدد من المشتبه بهم ومصادرة أسلحة.
وقال الفلسطينيون، إن 12 شخصاً على الأقل قتلوا. بينما قالت الشرطة الإسرائيلية إن شرطياً قتل أيضاً.
وقال شهود، السبت، إن مستوطنين هاجموا بلدة حوارة جنوب مدينة نابلس بالضفة الغربية، في الوقت الذي يُشكل تصاعد العنف تحدياً لكل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
وأوضح الشهود لوكالة أنباء العالم العربي AWP، أن عشرات المستوطنين شاركوا في الهجوم، وأضرموا النار في عدد من المركبات، كما حاولوا إشعال النار في منازل.
وأضافوا أن المستوطنين أغلقوا الطرقات، ومنعوا حركة الفلسطينيين بشكل كامل، كما أطلق بعض المستوطنين النار باتجاه منازل مواطنين.
حرب على "ثلاث جبهات"
وأعلن الجيش الإسرائيلي، أنه في حالة "تأهب قصوى" ويستعد لإحباط هجمات من بينها هجمات قد ينفذها مقاتلو "حماس" في الضفة الغربية.
وقال المتحدث العسكري الإسرائيلي، جوناثان كونريكوس، لوكالة "رويترز"، إن "حماس" تحاول "إقحام إسرائيل في حرب على جبهتين أو ثلاث جبهات" بما في ذلك الحدود اللبنانية والضفة الغربية. ووصف مستوى التهديد بأنه "مرتفع".
في غضون ذلك، أظهرت هتافات نادرة جرى ترديدها خلال احتجاجات خرجت لدعم كتائب "القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" هذا الأسبوع في رام الله، شهية متزايدة للمقاومة المسلحة، فيما بدا البعض الآخر أقل استعداداً للقتال، بحسب "رويترز".
مخاوف من إشعال فتيل التوتر
ويقول مسؤولون فلسطينيون ومحللون إسرائيليون، إن هناك عدداً من العوامل الكفيلة بإشعال فتيل التوتر في الضفة الغربية، هي نفسها التي تحد من نطاقه في الوقت الراهن، وأحد هذه العوامل هو قيام إسرائيل باعتقال المئات، إذ قامت القوات الإسرائيلية، بأكبر حملة اعتقالات في الضفة الغربية، الأسبوع الماضي، شملت 120 شخصاً على الأقل في يوم واحد.
وأشارت "حماس" إلى الهجمات التي يتعرض لها الفلسطينيون في الضفة الغربية، والاعتقالات التي جرت هذا العام، على أنها من بين الأسباب التي شنت من أجلها هجوم السابع من أكتوبر.
لكن صلاح الخواجا، الناشط في مجال مقاومة الاستيطان، والبالغ من العمر 52 عاماً، قال إن الاعتقالات حدت أيضاً من "تصاعد المقاومة" في الضفة الغربية.
وأضاف: "في الضفة هناك تراجع بسبب محاولات الاحتلال المستمرة لضرب كل القوى المنظمة، إضافة إلى غياب القدرة على عملية البناء المنظم لأجهزة متكاملة سياسياً وعسكرياً في داخل مناطق الضفة الغربية، بسبب كل سياسات الاحتلال المالية والعسكرية وعمليات الملاحقة الأمنية على عكس قطاع غزة الذي لديه الوقت الكافي لذلك".
خليط معقد
وبينما تسيطر حركة "حماس" بإحكام على قطاع غزة المحاصر، فإن الضفة الغربية "خليط معقد" من المدن الواقعة على سفوح التلال، والمستوطنات الإسرائيلية، ونقاط التفتيش العسكرية التي تقطع أواصر المجتمعات الفلسطينية.
واحتلت إسرائيل المنطقة عام 1967، وقسمتها إلى مناطق واسعة تسيطر عليها، وأخرى صغيرة يكون للفلسطينيين فيها السيطرة الكاملة، ومناطق يتقاسم فيها فلسطينيون وقوات إسرائيلية المهام المدنية والأمنية.
وبين مقر السلطة في رام الله، والمناطق المهمشة الفقيرة، تتباين وجهات النظر بشأن "جدوى المقاومة".
فالشباب اليائسون في مخيمات اللجوء، "أكثر استعداداً للقتال من أولئك الذين يعيشون في رام الله، حيث رجال الأعمال وكبار المسؤولين الفلسطينيين الذين لديهم ما يخسرونه في حال اندلاع دوامة من العنف"، وفق "رويترز".
ومن الأسباب الرئيسية الأخرى التي تحد من العنف، الاتفاقيات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس (87 عاماً).
ويندد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، بينما تقوم قوات الأمن التابعة له بقمع المظاهرات. ولم تصدر "فتح" دعوات علنية للمقاومة المسلحة، بحسب "رويترز".
وقال المحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري: "السلطة تقمع المسيرات لمنع حدوث تداعيات، لأنه المظاهرات التي تخرج بالآلاف حالياً ممكن أن تتحول إلى مظاهرات بمئات الآلاف... هدف السلطة الحفاظ على الهدوء".
"ذئاب منفردة"
من جانبه، اعتبر ليور أكرمان المسؤول السابق بجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "شين بيت"، أن المخاوف من اضطرابات واسعة في الضفة الغربية قائمة من قبل حرب غزة.
وأضاف أن "حماس" تحاول منذ سنوات "بذل كل ما في وسعها لتحفيز الإرهابيين في الضفة الغربية"، على حد وصفه.
ومع ذلك، أقر أكرمان بأنه تم تشديد الإجراءات الأمنية منذ بدء القصف على غزة، وقال إن حملة الاعتقالات الأخيرة ربما لم تكن لتحدث في ظل الظروف العادية.
ويقول محللون، إن أحد مباعث قلق إسرائيل في الضفة الغربية هو الهجمات التي تنفذها "ذئاب منفردة" من الفلسطينيين، الذين لديهم ولاءات متباينة للقوى الداخلية، لكن يجمع بينهم الازدراء العام للاحتلال الإسرائيلي.
وأظهرت مسوح جرت في الآونة الأخيرة، وجود دعم شعبي هائل بين الفلسطينيين للفصائل المسلحة، بما في ذلك المجموعات المحلية التي تضم عناصر من فصائل هي تقليدياً لا صلة لها ببعضها البعض.
وحتى قبل الأزمة الحالية في غزة، تشهد الضفة الغربية منذ فترة تصاعداً في أعمال العنف. وكثفت إسرائيل مداهماتها العسكرية كما نفذ فلسطينيون هجمات تستهدف إسرائيليين. ووفقاً لسجلات الأمم المتحدة، فإن عدد الفلسطينيين الذين قتلوا منذ بداية العام وحتى السابع من أكتوبر تجاوز 220، بينما قُتل 29 على الأقل في إسرائيل.