تسابق المرشحون الرئاسيون المحتملون من الحزب الجمهوري والرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن في دعم إسرائيل فور هجوم "حماس" في 7 أكتوبر، وذلك بحثاً عن جذب الناخبين والمانحين، لكن يبدو أن الأمر تحول إلى "ورطة" ساهمت في تعقيد المشهد الانتخابي في كلا الجانبين، وإن كان المعسكر الديمقراطي هو الأكثر تضرراً.
وقال محللون وخبراء سياسيون لـ"الشرق" إن ارتفاع دعوات الأميركيين المطالبين بوقف إطلاق النار في غزة قد يؤثر سلباً على الحملات الرئاسية، ما يدفع المرشحين إلى تعديل مواقفهم.
ورأوا أن الرئيس الأميركي جو بايدن هو "الخاسر الأكبر"، خاصة أن معظم المدافعين عن وقف إطلاق النار ضمن ما يعرف بالجناح "التقدمي" للحزب الديمقراطي، لافتين إلى أن بعضهم ربما ينظر إليه باعتباره "داعية حرب".
ويلفت الخبير السياسي ومدير معهد الدراسات النووية بالجامعة الأميركية في واشنطن بيتر كوزنيك إلى أن قادة كلا الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة هم من المؤيدين الأقوياء لإسرائيل، وغير المنتقدين في كثير من الأحيان.
ويوضح كوزنيك لـ"الشرق" أن الحزب الجمهوري "يبدو أكثر اتحاداً في هذا الشأن من الديمقراطيين، الذين يتمتعون بتمثيل أكبر بكثير للتقدميين والأقليات، سواء من حيث المسؤولين المنتخبين، أو من حيث الناخبين".
ضغوط اللوبي الإسرائيلي
وخلال تجمع عقده الائتلاف اليهودي الجمهوري في "لاس فيجاس"، السبت، تنافس المرشحون الجمهوريون المحتملون للرئاسة في إبداء دعمهم الثابت لإسرائيل في القضاء على "حماس".
وأمام نحو 1500 من المانحين اليهود الكبار، طرح منافسو الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب سياسات مختلفة، مثل قمع المسيرات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات أو الوعد بترحيل الطلاب الأجانب الذين يعتبرونهم داعمين لحماس، فيما أشار ترمب إلى أنه لم يكن هناك "صديق أو حليف أفضل لإسرائيل" مما كان هو عليه عندما كان رئيساً للولايات المتحدة.
حتى نائب الرئيس السابق مايك بنس، الذي شارك في التجمع لإعلان إنهاء حملته الرئاسية، حرص أيضاً على انتقاد موقف إدارة بايدن بشأن إيران، وادعى أن الرئيس الأميركي الحالي وضع الأساس لهجوم حماس على إسرائيل.
ويصف أستاذ العلوم السياسية في جامعة وسط أوكلاهوما حسام محمد دعم إسرائيل بأنه "خطاب في معظمه سياسي".
ويوضح محمد لـ"الشرق" أن الديمقراطيين عدا الشباب منهم، وأغلب الجمهوريين يتأثرون بشكل كبير بالضغوط القادمة من لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية (AIPAC) أو اللوبي المؤيد لإسرائيل، ما يجعلهم داعمين للغاية لإسرائيل منذ عام 1967 حتى يومنا هذا.
ويضيف: "يتأثر الجمهوريون أيضاً بشكل خاص بكتلة تصويتية أكثر انضباطاً تسمى البروتستانت الإنجيليين -الصهاينة المسيحيين والمهاجرين- الذين يرون أن دعم إسرائيل هو جزء من خطط الله ونبوءاته المتعلقة بكتاب الوحي والكتاب المقدس بشكل عام، لذا فإن هؤلاء أكثر خطورة".
ويستبعد محمد أن تنتخب كل أموال "أيباك" بايدن، إذ يرى أنها تقدم الدعم للمرشحين من كلا الجانبين، ما يعني أنها ستكون مؤثرة في سير العملية الانتخابية بغض النظر عن الفائز".
وبينما يرى محمد أن الإنجيليين أكثر التزاماً بالمرشحين الدينيين الجمهوريين المستعدين لتحقيق أهدافهم، يعتقد أن بايدن ومستشاريه يعرفون أن الشباب سوف يتخلون عنهم، لذا فهم يركزون الآن نوعاً ما على القضية الإنسانية، ويحاولون إصلاح المشكلة، ويستدرك: "لكن الضرر حدث بالفعل".
تعاطف متزايد
ويشير كوزنيك إلى أن "الأميركيين، مثل الكثير من الناس في معظم أنحاء العالم، يرون الصور المفجعة القادمة من فلسطين، وأصبحوا أكثر تعاطفاً مع معاناة الفلسطينيين"، مضيفاً أن "إسرائيل تخسر الأساس الأخلاقي الرفيع والتعاطف واسع النطاق الذي تمتعت به بعد الهجوم الشرس الذي شنته حماس في 7 أكتوبر".
وخرجت عشرات التظاهرات في الولايات المتحدة دعماً لفلسطين مطالبة بوقف النار، كما اتسعت رقعتها حتى دخلت مبنى الكابيتول في واشنطن العاصمة، حيث شهد مبنى مكتب "كانون هاوس" اعتصاماً لمئات اليهود الأميركيين، الأسبوع الماضي، يطالبون بوقف إطلاق النار.
وأظهر استطلاع رأي حديث أن 56% من الناخبين الجمهوريين المحتملين و80% من الديمقراطيين و57% من المستقلين يؤيدون الدعوة إلى وقف إطلاق النار.
وكشف استطلاع مركز أبحاث "داتا فور بروجرس" أن 66% من الناخبين "يوافقون بشدة" أو "يوافقون إلى حد ما" على أنه يجب على الولايات المتحدة الدعوة إلى وقف إطلاق النار ووقف تصعيد العنف في غزة، من خلال علاقاتها الدبلوماسية الوثيقة مع إسرائيل.
تأثير محدود
ومع ذلك، يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنوب كاليفورنيا باتريك جيمس أن المظاهرات المؤيدة لـ"حماس" لا تمثل الرأي العام ككل، مضيفاً أن المدافعين عن وقف إطلاق النار "يميلون إلى أن يكونوا ضمن ما يعرف بالجناح التقدمي للحزب الديمقراطي، أو أولئك الذين هم أبعد من اليسار، وليسوا في أحد الحزبين الرئيسيين".
ويتابع: "من غير المرجح أن يكون هناك أي تأثير على الجانب الجمهوري، لأن المرشحين جميعهم يؤيدون خوض إسرائيل الحرب، على الأقل حتى الآن".
ويقول جيمس إن التأثير سيكون على الجانب الديمقراطي، لأن هناك أقلية معقولة تؤيد الجانب الفلسطيني، موضحاً: "حتى إن البعض يدعم حماس علناً، ومن المحتمل ألا يحاول بايدن وقف الهجوم الإسرائيلي المضاد، لكنه سيواصل الحث على بذل الجهود لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين".
وفي وقت يلفت فيه أستاذ العلوم السياسية وعضو الأكاديمية الفخرية في جامعة أوهايو بول بيك إلى أن هناك دعماً شعبياً متزايداً لوقف النار، فإنه لا يجد أهمية لذلك في الانتخابات القادمة.
ويوضح بيك لـ"الشرق" أن "قلة من الناخبين سيدلون بأصواتهم على أساس القضية بين إسرائيل وحماس"، ومع ذلك، يرى أن المرشحين دائماً يقيمون طريقة تفكير الجمهور وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على فرصهم في الترشيح.
ويضيف: "في هذه الحالة، فإن الدعم المتزايد لوقف إطلاق النار قد يدفع المرشحين إلى تعديل مواقفهم، لكن الأهم من ذلك هو كيف سينتهي الوضع في غزة بحلول أوائل عام 2024، عندما يبدأ التصويت".
درس متوقع من الشباب
في السياق نفسه، هناك انقسام واضح بين الأجيال، عندما يتعلق الأمر بكيفية رؤية الناخبين الأميركيين للحرب في إسرائيل.
ويؤكد محمد أنه بالرغم من أهمية المانحين في الحملات الانتخابية، فإن الشباب أيضاً عنصر مهم جداً في الانتخابات، مع أنهم لا يملكون المال لدعم أي جهة، وأغلبهم طلاب جامعيون، "لكنهم كانوا السبب الرئيسي في نجاح أوباما".
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة وسط أوكلاهوما حسام محمد أن الشباب أو الجيل Z أقل تأثراً بوسائل الإعلام التقليدية، وهم مفكرون أكثر استقلالية، وبالتالي أكثر عرضة للدفاع عن العدالة الاجتماعية في أي مكان، بما في ذلك للفلسطينيين.
ويلفت إلى أن أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً صوتوا للرئيس الأسبق باراك أوباما بأعداد كبيرة، لأن كثيراً من رسائله تعلقت بالعدالة الاجتماعية، ورفضوا التصويت لهيلاري كلينتون التي اعتبروها جزءاً من الجيل القديم الراسخ في دعمه لإسرائيل.
ويتابع: "كما أن أغلبهم صوت لصالح بايدن، لأنهم لا يحبون ترمب، أو لأنهم يخشونه بسبب موقفه على وجه الخصوص من القضايا الداخلية المتعلقة بالعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة والبيئة".
ويعتقد محمد أن هذا الجيل الشاب "لن يصوت بأعداد كبيرة لصالح بايدن أو للجمهوريين، بل قد يتجه أكثر للأحزاب المستقلة مثل حزب الخضر"، ويضيف: "مع أن هذه الأحزاب لن تفوز، لكنه يبقى من الصعب السيطرة على جيل الشباب".
ويتوقع محمد أن يتلقى المرشحون، لا سيما من الحزب الديمقراطي، درساً من الشباب، بما في ذلك العديد من الأميركيين اليهود الذين يدافعون عن العدالة الاجتماعية.
الكتلة العربية
في المقابل، يلعب العرب والفلسطينيون عموماً وتاريخياً دوراً هامشياً في تحديد نتائج الانتخابات الأميركية، لذا يرى محمد أن من الأسهل على الساسة في كلا الجانبين أن يتجاهلوا العرب، أو يقللوا من أهميتهم، أو حتى يعاملوهم كأشخاص يمكن التخلص منهم بهدف الاستفادة من الوضع السياسي.
ويرجح محمد امتناع الكتلة التصويتية للعرب عن التصويت إطلاقاً لأي من الجانبين، أو تصوت لمرشحين مستقلين، حيث يتزايد الانتماء كمستقلين الآن بين العرب والمسلمين.
ويلفت إلى أن التصويت العربي قد يضر بالديمقراطيين أكثر من الجمهوريين، خاصة في الولايات التنافسية الرئيسية مثل ميشيجان التي يحتاجها بايدن للفوز مرة أخرى.
ويشير محمد إلى أن "أكثر من 55% من العرب صوتوا في عام 2020 لصالح الديمقراطيين"، قائلاً إنه أصبح من غير المرجح الآن تمكن بايدن من القيام بذلك، لافتاً إلى أن "هذه النسبة انخفضت حالياً إلى أقل من 17%".
بايدن.. الخاسر الأكبر
وبينما تكثف إسرائيل قصفها لغزة، يواجه بايدن مقاومة غير عادية ومتزايدة من الجناح الأيسر لحزبه، خاصة من الناخبين الشباب والملونين، بسبب دعمه الثابت لإسرائيل.
وتنوعت الاحتجاجات ما بين التظاهرات والبيانات وحتى تقديم استقالات احتجاجاً على تعامل إدارة بايدن مع الحرب.
ويبدو أن وحدة الحزب الديمقراطي خلف بايدن تتآكل، إذ كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "جالوب"، الأسبوع الماضي، أن شعبية بايدن بين الديمقراطيين انخفضت 11 نقطة مئوية في شهر واحد، لتسجل مستوى قياسي منخفض بلغ 75%.
وبحسب الاستطلاع، نتج هذا الانخفاض عن الفزع بين الناخبين الديمقراطيين بشأن دعم بايدن لإسرائيل.
ويتفق الخبراء على أن بايدن يخاطر بالخروج عن المسار مع الناخبين الأميركيين الأوسع، وخسارة الدعم بين الناخبين الشباب الذين يحتاج إليهم، من أجل إعادة انتخابه.
وقال الخبير السياسي كوزنيك إن معظم الأميركيين "لا يريدون لبايدن أن يترشح مرة أخرى"، مشدداً على أن أعداد الديمقراطيين الذين يوافقون على ذلك مرتفعة بشكل غير عادي ومتنامية.
"داعية حرب"
ويلفت كوزنيك إلى أن بايدن يعتقد أن إظهار دعمه الثابت لإسرائيل سيجعله يبدو كزعيم قوي وواثق، منبهاً: "لكن بالنسبة لبعض الأميركيين، فإن ذلك يجعله يبدو كأنه (داعية حرب)، نظراً لتوجهاته القائمة بالفعل على المواجهة مع روسيا والصين والتوترات الدولية المتصاعدة.
ويرى كوزنيك أن الانتقادات المتزايدة للهجوم الإسرائيلي على غزة أجبرت بايدن بالفعل على تخفيف وجهات نظره والضغط، على الأقل خلف الكواليس، من أجل فرض قيود على حملة القصف الإسرائيلية والسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وينبه أستاذ العلاقات الدولية جيمس إلى أن الانتقادات المتزايدة تجعل الوضع أكثر صعوبة بالنسبة لبايدن لأن أعداد أنصاره منخفضة للغاية بالفعل.
ويشير جيمس إلى أن المانحين والناخبين على الجانب الجمهوري يمتلكون ميزة الاصطفاف مع بعضهم البعض، لكن بالنسبة للحزب الديمقراطي يلفت باتريك إلى أن من الممكن ظهور مرشحي حزب ثالث من "يسار الوسط" مثل المفكر اليساري كورنيل ويست، ليأخذ عدداً كبيراً من الأصوات بعيداً عن بايدن أو أياً كان المرشح الديمقراطي.
ويعتقد محمد أيضاً أن مستشاري بايدن يعرفون جيداً أنه لا يستطيع اتخاذ موقف مختلف بشأن إسرائيل، لأن الجمهوريين سيولدون المزيد من الدعم لأنفسهم بشأن إسرائيل.