في الأسبوع الأول من يناير الجاري، أعلنت إثيوبيا توقيع مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، لتحقيق ما وصفه مسؤول في حكومة أديس أبابا بـ"تطلعات بلاده في تأمين الوصول إلى البحر الأحمر"، فيما نددت دول عدة بهذا الاتفاق، بينما أشار خبراء إلى أن هذا الاتفاق سيتحول إلى "ملف خلافي جديد" مع مصر، يضاف إلى أزمة سد النهضة، الذي فشلت المفاوضات، حتى الآن في تحقيق تقدم بشأنه، وذلك وسط توقعات بتزايد وتيرة التوترات في القرن الإفريقي بشكل عام.
وسارعت مصر، إلى إبداء رفضها بعد يومين فقط من توقيع مذكرة التفاهم، التي أثارت حالة من الجدل في منطقة القرن الإفريقي، إذ أكدت الخارجية المصرية، "ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية على كامل أراضيها".
وأجرت القاهرة اتصالات مع الجانب الصومالي، ما دفع مقديشو، إلى دعوة وفد مصري رفيع المستوى نقل للرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، دعم نظيره المصري عبد الفتاح السيسي لسيادة ووحدة الأراضي الصومالية، مشدداً على معارضة القاهرة لأي تعدٍ على تلك المبادئ.
ووجَّه الوفد بحسب وكالة الأنباء الصومالية "صونا"، دعوة إلى الرئيس الصومالي لزيارة القاهرة خلال الأيام المقبلة، لبحث الأمر، ولتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
وكان الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، أعلن في السابع من يناير الجاري، التصديق على قانون يُبطل مذكرة التفاهم المثيرة للجدل التي أبرمها إقليم أرض الصومال مع إثيوبيا.
"صراع جديد"
مذكرة التفاهم بين أديس أبابا وأرض الصومال أثارت العديد من المخاوف لدى القاهرة، خاصة في ظل الإجراءات الأحادية الإثيوبية، إذ يرى مراقبون، أنها ستفتح "جبهة صراع جديدة" بين الجانبين على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، يضاف إلى النزاع الممتد على مدار سنوات بشأن ملف سد النهضة، والذي أفضى إلى انتهاء المسارات التفاوضية نتيجة المواقف الإثيوبية، وفق البيان المصري.
رئيس جهاز الاستطلاع السابق في الجيش المصري، اللواء نصر سالم، وصف في تصريحاته لـ"الشرق"، الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال، بـ"الباطل"، وأنه "اتفاق من قبل من لا يملك لمن لا يستحق".
واعتبر سالم أن "التواجد العسكري الإثيوبي في مسرح عمليات البحر الأحمر، بمثابة تهديد صريح للأمن القومي المصري"، إذ يسمح مذكرة التفاهم بالوصول إلى سواحل جنوب البحر الأحمر، مشدداً على أن "إثيوبيا باتت تتعامل مع مصر بمنطق العدو وليس الصديق".
وأشار رئيس جهاز الاستطلاع السابق في الجيش المصري، إلى أن "الوقت الحالي يتطلب تضامناً مع الصومال في مواجهة هذا التعدي على أراضيها"، مستبعداً أن "يتحرك الاتحاد الإفريقي بفعالية، أسوة بخطواته في ملف سد النهضة، والذي بدا وكأنه ليس لديه سلطة على أديس أبابا، لإجبارها على الالتزام بقرارته ومراعاة مصالح دول الجوار".
دور الاتحاد الإفريقي
في المقابل، قال المتخصص في القانون الدولي، أحمد أبو الوفا لـ"الشرق"، إنه "يعول على الاتحاد الإفريقي في رفض هذه المذكرة، ومخاطبة الدول الأعضاء حال فشلت المساعي السياسية مع إثيوبيا"، وأن "يضغط الاتحاد على أديس أبابا اقتصادياً وتجارياً في مقابل تقديم الدعم إلى الصومال، لاستعادة سيطرتها على الإقليم الذي قد يتسبب في زعزعة الأمن والاستقرار في تلك المنطقة".
واعتبر أبو الوفا، أن رفض جامعة الدول العربية للاتفاقية، بجانب التحركات المصرية مع دول الجوار، "قد يشكلان آلية عمل لعدم الاعتراف بأي نتائج مترتبة على هذا الاتفاق، كونه بين دولة وإقليم غير معترف به، وهو أمر مخالف لكافة الأعراف والمواثيق الدولية".
كان رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي محمد، دعا إثيوبيا والصومال، إلى الانخراط في عملية تفاوض لتسوية خلافاتهما، كما حث، في بيان رسمي، الجانبين، على "الامتناع من أي سلوك قد يؤدي بشكل غير مقصود إلى تدهور العلاقات بين الدولتين".
من جانبها، قالت الخبيرة المصرية في الشأن الإفريقي، أسماء الحسيني، لـ"الشرق"، إن "الاتفاق (بين أديس أبابا وأرض الصومال) سيشكل خطراً كبيراً على مصر المعنية بتأمين منطقة البحر الأحمر".
توترات إضافية
وأضافت الحسيني، أن "وجود قاعدة تجارية أو عسكرية إثيوبية في هذه المنطقة غير المعترف بها يشكل تهديداً صريحاً، وفرض نفوذ بالقوة، من الجانب الإثيوبي"، لافتةً إلى أن "خيارات الحل السلمي مع أديس بابا في العديد من الملفات باتت متراجعة، ولا شك بأن ملف سد النهضة خير شاهد".
وأشارت الخبيرة المصرية، إلى أن "إثيوبيا عازمة على استخدام ميناء بربرة في أغراض عسكرية وتجارية، وبذلك يكون لديها منفذ على البحر الأحمر بطول 20 كيلومتراً لمدة 50 عاماً، مقابل منح أرض الصومال أسهماً في الخطوط الجوية الإثيوبية".
الحسيني اعتبرت أيضاً، في تصريحاتها لـ"الشرق"، أن "شراكة أديس أبابا بإقليم انفصالي غير معترف به، قد فتح الباب إلى مزيد من الصراعات في منطقة القرن الإفريقي بشكل عام، ويشكل خطراً على مصالح مصر الملاحية في هذه المنطقة الملتهبة، على خلفية هجمات الحوثيين على السفن والممرات الملاحية".
ولفتت إلى أن "هذه الخطوة قد تدفع حركة الشباب (في الصومال) إلى القيام بخطوات تصعيدية ما قد يتسبب بتوترات في الداخل الصومالي، متهمة الجانب الإثيوبي ببناء مشاريع خارجية على حساب دول الجوار".
وفيما يتعلق برد مقديشو، لم تستبعد الحسيني، أن تقوم الصومال بـ"إجراء عسكري"، حال فشل المساعي السياسية والدبلوماسية، إذ قد تشجع تلك المذكرة أطرافاً أخرى على إبرام اتفاقات مشابهة مع أرض الصومال، مقابل الاعتراف به، وهو ما ترفضه السياسة الخارجية لمصر، وكذلك حكومة الصومال، و"تراه مخالفاً لكل المواثيق الدولية، وأسس الاتحاد الإفريقي".
الخبير في الأمن القومي والشؤون الإفريقية، اللواء المصري محمد عبد الواحد لـ"الشرق"، يرى بدوره، أن استراتيجية رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، منذ وصوله إلى السلطة تهدف إلى "توسيع نفوذه بكافة الطرق"، متهماً دولاً غربية بـ"تقديم كافة أشكال الدعم لإثيوبيا، لجعلها دولة رائدة في المنطقة"، مشيراً إلى "استغلال أديس أبابا هذا الدعم في التأثير سلباً على دول الجوار".
واعتبر عبد الواحد، أن "وجود منافذ بحرية لإثيوبيا"، "يصب في سبيل تحقيق رغبتها في أن تكون دولة عظمى بالمنطقة"، مشيراً إلى أن "الهدف من هذا الاتفاق في المقام الأول، هو إنشاء قاعدة عسكرية وأسطول بحري إثيوبي على البحر الأحمر، بينما يأتي الهدف الثاني المعلن لتدعيم تجاراتها الخارجية، وحركة الاستيراد والتصدير".
واعتبر الخبير المصري، أنه "منذ انفصال إقليم أرض الصومال في 1991، وإثيوبيا تسعى إلى التواجد في هذه المنطقة بسبب موقعها الجيوسياسي، حيث كانت من أوائل الدول التي اعترفت بهذا الإقليم، وأسست مكتباً تجارياً به، ثم بعد ذلك تطور إلى قنصلية".
"مذكرة تمهيدية"
وكان مستشار وزير الطاقة والمياه الإثيوبي، محمد العروسي، اعتبر الأسبوع الماضي، أن مذكرة التفاهم التي أبرمتها أديس أبابا مع منطقة أرض الصومال، لم تخالف قانوناً، ولم تنتهك سيادة دولة الصومال، مشيراً إلى أنها مذكرة تمهيدية، وأن "الاتفاق لم ير النور بعد".
وقال العروسي لوكالة أنباء العالم العربي AWP: "إثيوبيا أقدمت على تحقيق المصلحة السلمية بالتفاوض، وبمبدأ الأخذ والعطاء، وبمبدأ تبادل المصالح والمنافع المشتركة".
وأشار العروسي، إلى أن هناك "تحركات دبلوماسية تهدف إلى توضيح الموقف الإثيوبي للحكومة الصومالية، خاصة بعد خطوة مقديشو بسحب السفراء"، موضحاً أن "أديس أبابا مستعدة للتفاوض وشرح الموقف، وإنهاء المشكلة".