في عام 1971 أحضر رواد فضاء مهمة "أبولو 17" عينات من القمر إلى الأرض، من بينها نوعاً غريباً من الصخور البازلتية القمرية لها تركيبة مميزة للغاية، إذ تحتوي على نسبة عالية من التيتانيوم بصورة لم يجدها العلماء في أي نوع آخر من الصخور، سواء على وجه الأرض أو باطنها، أو على سطح القمر.
وطيلة السنوات الماضية؛ حاول العلماء حل اللغز المتعلق بتركيبة الصخور، وأخيراً كشفت دراسة منشورة في دورية "نيتشر جيوساينس" عن العملية الجيولوجية التي تسببت في تكوين ذلك النوع من الصخور، كما حددت التفاعل الحرج الذي تحكم في تكوينها.
وتتميز "صخور البازلت عالي التيتانيوم" بمحتواها المرتفع من هذا العنصر الكيميائي، مقارنة بالبازلت القمري الآخر، وقال العلماء إن العمليات التي أدت إلى تركيز التيتانيوم في هذا البازلت القمري المحدد كانت لغزاً.
ويشير ذلك النوع من الصخور، إلى اختلافات في العمليات الصخرية القمرية، ويُمكن أن يوفر فهم سبب احتواء مناطق معينة على القمر على تركيز أعلى من التيتانيوم نظرة ثاقبة لديناميات البراكين القمرية، وتمايز المواد في أعماق القمر.
ولا يُفسر هذا الاكتشاف العملية الحاسمة المتعلقة بتكوين نوع صخري فريد من نوعه على القمر يُعرف باسم البازلت عالي التيتانيوم فحسب، بل يعالج أيضاً اللغز طويل الأمد بشأن كيفية ظهورها على سطح القمر.
وكشفت الدراسة عن تفاعل في باطن القمر، تضمن تبادل الحديد الموجود في الصهارة مع الماغنيسيوم في الصخور المحيطة. وأدى هذا التبادل، الذي حدث منذ مليارات السنوات، إلى تعديل الخصائص الكيميائية والفيزيائية للمادة المنصهرة بشكل كبير.
ووصف البروفيسور تيم إليوت، أستاذ علوم الأرض في جامعة بريستول، هذا الأمر، بأنه "انهيار جليدي لكومة بلورية غير مستقرة على نطاق كوكبي تشكلت من تبريد محيط الصهارة البدائي".
وفي مراحله المبكرة، احتوى القمر على محيط من الصهارة الساخنة التي بدأت تبرد بشكل تدريجي، ومع البرودة تبدأ البلورات في التشكل. لكن، وبدلاً من عملية بلورة بطيئة ومنظمة، تراكمت البلورات بشكل أكثر ديناميكية وربما فوضوية. وأدت هذه العملية في النهاية إلى تكوين الصخور القمرية البركانية، وتحديداً البازلت القمري عالي التيتانيوم المنتشر على سطح القمر اليوم.
وأضاف إليوت في تصريحات نقلها بيان صحافي لجامعة "بريستول"، تلقت "الشرق" نسخة منه، أن "الأمور الأساسية لتقييد هذا التاريخ الملحمي هي وجود نوع من الصهارة فريد من نوعه للقمر، ولكن شرح كيفية وصول هذه الصهارة إلى السطح، لأخذ عينات منها بواسطة البعثات الفضائية، كان مشكلة مزعجة. ومن الرائع أن نتمكن من حلها”.
ومن المثير للدهشة أن التركيزات العالية لعنصر التيتانيوم في أجزاء من سطح القمر معروفة منذ بعثات "أبولو" في الستينيات والسبعينيات، والتي نجحت في إعادة عينات الحمم البركانية القديمة الصلبة من قشرة القمر.
وتُظهِر الخرائط الأحدث التي رسمتها الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض أن هذه الصهارة منتشرة على نطاق واسع على القمر.
وحتى الآن، لم تكن النماذج قادرة على إعادة إنشاء تركيبات الصهارة التي تتوافق مع الخصائص الكيميائية والفيزيائية الأساسية للبازلت عالي التيتانيوم، إذ ثبت أنه من الصعب بشكل خاص تفسير كثافتها المنخفضة التي سمحت لها بالثوران قبل حوالي 3.5 مليار سنة.
وتمكن العلماء من محاكاة عملية تكوين البازلت عالي التيتانيوم في المختبر باستخدام تجارب درجات الحرارة العالية.
وقال الباحثون، إنه من خلال توضيح عملية تكوين البازلت عالي التيتانيوم، تساهم الدراسة في فهم النشاط البركاني للقمر وتوفر الأساس لمهمات استكشاف القمر المستقبلية.