حرب السودان.. "أسر منسية" في الخرطوم ومعاناة واسعة لمرضى السرطان

شهود عيان لـ"الشرق: أسر جديدة في بيوت فرّ سكانها وأسواق لسلع منهوبة

time reading iconدقائق القراءة - 10
تصاعد الدخان في جنوب الخرطوم وسط مواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. 12 يونيو 2023 - AFP
تصاعد الدخان في جنوب الخرطوم وسط مواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. 12 يونيو 2023 - AFP
بورتسودان-أحمد العربي

مع دخول الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شهرها العاشر، تشهد مدن وولايات كثيرة معاناة واسعة، وتعيش المئات من الأسر التي رفضت مغادرة العاصمة الخرطوم تحت وطأة أحوال معيشية وأمنية معقدة، فيما تزداد معاناة مرضى السرطان الذين يتجاوز عددهم 18 ألفاً ولا تتوافر أماكن لعلاجهم سوى 10 مراكز فقط في أنحاء البلد الذي مزقته الحرب.

واندلعت الحرب في السودان خلال أبريل الماضي، بسبب خلافات بشأن صلاحيات الجيش وقوات الدعم السريع في إطار خطة مدعومة دولياً لانتقال سياسي نحو حكم مدني وإجراء انتخابات.

وأدى الصراع الدائر بين الجيش والدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي، إلى نزوح الملايين من منازلهم، وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة، فضلاً عن الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية والمستشفيات والمرافق الخدمية. كما أحصت الأمم المتحدة أكثر من 12 ألف ضحية.

"5 أشهر لم نشاهد قطعة خبز"

وأجرت "الشرق" مقابلات مع شهود عيان وأشخاص لا زالوا يعيشون في مناطق بالعاصمة الخرطوم التي نزح أغلبية سكانها، بعد أن أصبحت المدينة تحت وطأة الرصاص والأوضاع المعيشية والأمنية المعقدة.

وما تزال مناطق سكن الشهود الذين تحدث إليهم "الشرق" ساحة مفتوحة للقتال بين الجيش والدعم السريع، مثل أحياء أم درمان القديمة وضواحي جنوب الخرطوم وشرقها، ومدينة بحري شمالي الخرطوم. 

وقالت سيدة تقطن أحد أحياء مدينة أم درمان القديمة لـ"الشرق": "نحن 6 أسر في هذا الحي، رفضت والدتي مغادرة المنزل منذ اندلاع الحرب، فلم يكن لدينا خيار غير الانتظار برفقتها، كنا نعتقد أن الحرب ستنتهي خلال أيام، إلا أنها الآن تقترب من العام".

وأضافت السيدة التي رفضت ذكر اسمها حرصاً على سلامتها، أنه لا يوجد ماء ولا كهرباء وبالكاد يتوفر الاتصال في أحسن الأحوال، لافتةً إلى أنها تجلب الماء من حي في غرب المدينة عبر طريق "طويل وموحش"، وسط أصوات القصف المدفعي والطيران الحربي.

وتابعت: "منذ أكثر من شهرين ونصف الشهر انقطع الإمداد الكهربائي بصورة دائمة، فلجأنا عن طريق أحد الجيران لاستخدام لوح شمسي لتوليد كهرباء تكفي لشحن الهواتف للتواصل مع أهلنا".

وأردفت لـ"الشرق" بـ"صوت ساخر" أنها لم تشاهد قطعة خبز منذ 5 أشهر، مشيرةً إلى أن "جميع المحال التجارية مغلقة وقليل من الدواء يتوافر في المستشفى العسكري وآخر في شارع الأربعين الرئيسي بوسط أم درمان".

 وزادت: "المتوفر دقيق وزيت وسكر.. هذه المواد التي تُحضرها نساء لبيعها للأسر هنا، حيث يتم إحضارها من محال على متن سيارات نقل تحولت هي الأخرى لسوق مؤقتة اعتقد أنها تتبع لقوات الدعم السريع".

"أُسر الأمر الواقع"

واستمعت "الشرق" لشهادة سيد أخرى أصرت على عدم الإشارة إلى اسمها ولا مكان سكنها، مشيرة إلى أن العديد من الأسر غادرت على فترات، موضحة أن الأسر المتبقية في الحي، لم تحتك كثيراً بقوات الدعم السريع التي تنتشر بصورة كبيرة في شرق الخرطوم، لأن الحي يبعد عن الشارع الرئيسي نحو اثنين كيلو متر فقط".

وأضافت: "أحضرت قوات الدعم السريع عدداً من أسر قادتها، ليسكنوا في بيوت هجرها أهلها نتيجة الحرب، لنتفاجأ بجيران جدد"، واصفة إياهم بـ"أسر الأمر الواقع".

وتابعت: "الوضع المعيشي صعب مع استمرار الحرب.. النساء في حيينا يعملن في صنع المخبوزات والفطائر وبيعها لصالح الأسر الجديدة"، مؤكدةً أن أسرتها لا تفكر في مغادرة المكان، لأنهم محاصرون بقوات تقيم عدداً من نقاط التفتيش، ولا يمكن المغادرة دون إذن.

وإلى جنوب شرق الخرطوم حيث تحدثت "الشرق" إلى أحد السكان بشأن تفاصيل الحياة اليومية حيث عشرات الأسر الفقيرة التي تعتمد على الإعانات، قال إن "هناك أكثر من 3 أسواق وغالب البضائع منهوبة من المصانع والمحال التجارية في الخرطوم وود مدني".

وأفاد بأن هناك "منتجات تباع بأسعار منخفضة كالشعيرية والمعكرونة وغيرها من الاحتياجات غير الضرورية، بينما يرتفع السعر بالنسبة للدقيق والسكر خاصة بعد سيطرة الدعم السريع على ود مدني".

وروى أحد الشهود من مدينة بحري، أن عشرات الأحياء الشهيرة في المدينة خالية تماماً من السكان نتيجة الحرب، لافتاً إلى أن الغالبية اتجهت إلى الشمال نحو أحياء شمبات والمزاد والشعبية.

وأضاف أن المتواجدين الآن أغلبهم من الشباب وكبار سن الذين رفضوا مغادرة بيوتهم، وانضم إليهم آخرون من أحياء أخرى يعيشون على وجبات جماعية تعد من تبرعات تصل لمشرفين في الأحياء.

سجلات وأدوية مفقودة

وزير الصحة السوداني هيثم إبراهيم، قال لـ"الشرق"، إن 18 ألف مريض بالسرطان في السودان، رقم دونه الكثير من المعلومات وقصص المعاناة، لافتاً إلى أن 10 مراكز فقط تقدم لهم العلاج في ولايات البلاد الـ18، وذلك بعد أن أوقفت الحرب العمل بمراكز ومستشفيات الخرطوم وود مدني بولاية الجزيرة التي كانت تعد المركز الثاني لعلاج مرضى السرطان في البلاد.

وذكر إبراهيم أن "مخزون أدوية السرطان وأمراض الكلى فُقد في ود مدني، وذلك عقب اجتياحها من قبل عناصر الدعم السريع في ديسمبر الماضي، بينما تسعى وزارة الصحة لسد الفجوة، والتي تزيد من معاناة نحو 18 ألف مريض سرطان في البلاد".

بدوره قال مدير المركز القومي السوداني لعلاج الأورام، دفع الله إدريس، لـ"الشرق" إن "سجلات المرضى، والتي كانت تعتبر مرجعاً مهماً في تقديم العلاج، فُقدت في الخرطوم عقب اندلاع المعارك بين طرفي النزاع".

وزاد: "حتى السجلات التي كانت في ود مدني فُقدت عقب دخول الدعم السريع إلى الولاية، لذلك لا نستطيع تحديد أعداد المرضى خاصة الذين طلبوا العلاج في فترة الحرب". 

وأوضح إدريس أن المراكز التي تقدم العلاج الكيماوي في ولايات شمال دارفور، وشمال كردفان، ونهر النيل، والنيل الأبيض، إلى جانب الشمالية والبحر الأحمر، لافتاً إلى أن المركز الوحيد الذي يعالج بالإشعاع يتوفر فقط في مدينة مروي بالولاية الشمالية.

وذكر أن المرضى من ود مدني والخرطوم توزعوا على مراكز الولايات لتلقي العلاج. وأضاف: "كنا نواجه صعوبة في توفير العلاج طوال الأشهر الماضية، وبعد توفيره جاءت أحداث ود مدني لتعيد المشكلة من جديد، إلا أن الوزارة تحاول بشكل عاجل لتغطية النقص، بسبب خروج إمدادات مخازن ولاية الجزيرة".

"معاناة لا توصف"

ومن داخل منظمة "جوانا أمل"، التي تنشط في علاج سرطان الأطفال، قالت الناشطة صفاء الأصم، إن الأطفال هم المتضرر الأكبر من هذه الحرب وبالتحديد مرضى السرطان، مشيرةً إلى أن "هؤلاء الأطفال كنا نوفر لهم بالتعاون مع المنظمات والمبادرات التطوعية، استراحة في كل مدينة بها مركز للعلاج وبالتحديد في الخرطوم، والتي كانت أكبر مراكز العلاج".

وأضافت الأصم أن "الأطفال الذين كانوا يحضرون من مسافات بعيدة لتلقي العلاج في الخرطوم ومدني فقدوا استراحة السكن.. الآن هناك أطفال ماتوا ولم يتوفر لهم العلاج نسبة لانعدام المراكز أو صعوبة الوصول إليها، ولا أحد يملك إحصاءات دقيقة بأعدادهم مع انقطاع الاتصالات في ولايات عدة، لكن هناك محاولات من متطوعين في ولايات كسلا والقضارف والنيل الأبيض وغيرها لمقابلة توافد الأطفال على مراكز العلاج وتوفير ما يلزم لهم".

ووصل إلى ولاية البحر الأحمر شرقي السودان المئات من مرضى السرطان الذين قدموا من مدينة ودمدني وآخرين من بقية الولايات، حيث يعمل الآن مركز علاج السرطان بالمدينة على حصر أعداد المرضى الذين وصلوا لتحديد احتياجات المركز وتخصيص أيام لجلسات العلاج الكيميائي لهم.

تصنيفات

قصص قد تهمك