واصلت الولايات المتحدة الأميركية، الثلاثاء، استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار أعدّته الجزائر بمجلس الأمن، يطالب بوقف "فوري" لإطلاق النار في غزة، وطلب إعلان هدنة إنسانية فورية، وذلك للمرة الثالثة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع في السابع من أكتوبر الماضي، فيما قال البيت الأبيض إن هذا المشروع "كان سيعرض محادثات حساسة للخطر".
وقالت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد، الثلاثاء، إن واشنطن تعمل مع قطر ومصر على التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، وتحقيق التهدئة في قطاع غزة لمدة 6 أسابيع تقريباً، وبعد ذلك العمل على "بناء سلام دائم".
وأضافت في مداخلة أمام جلسة لمجلس الأمن، أن الرئيس الأميركي جو بايدن، أجرى في الأيام الماضية اتصالات مع قادة مصر وقطر وإسرائيل، للعمل على التوصل إلى اتفاق التهدئة في غزة.
وأوضحت أنه "لازالت هناك فجوات" في مسار التوصل للاتفاق، لكن "العناصر الأساسية المطروحة لا تزال قائمة"، مؤكدة أن ذلك الاتفاق قد يؤدي إلى "وقف دائم للأعمال العدائية"، وأن الجميع يأمل في التوصل للتهدئة في أسرع وقت ممكن.
واستدركت زاعمة: "مشروع القرار الجزائري لن يحقق هدف السلام المستدام، ولن نؤيد قراراً يهدد مفاوضات حساسة".
وأضافت جرينفيلد أن العملية العسكرية الإسرائيلية واسعة النطاق في رفح "لا يجب أن تبدأ"، مؤكدة أن مشروع القرار "ليس جهداً أميركياً للتغطية على عمل عسكري وشيك وإنما بيان صادق يعبر عن شواغلنا تجاه 1.5 مليون نسمة لجأوا إلى رفح"، وقالت: "لابد من حماية المدنيين والتأكد من حصولهم على الخدمات الأساسية".
الجزائر: الرفض تأييد للعقاب الجماعي
بدوره، قال مندوب الجزائر لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع، إن رفض مشروع القرار يعتبر "موافقة على التجويع كوسيلة حرب ضد الفلسطينيين"، مؤكداً أنه "ما من بارقة أمل على تحسن الوضع في قطاع غزة، بعد شهر من الأمر الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بشأن الحرب الإسرائيلية على القطاع".
وأضاف بن جامع أمام جلسة مجلس الأمن الدولي، أن "الصمت ليس خياراً ممكناً.. حان الوقت للعمل فيما يخص الحرب على غزة".
وأشار المندوب الجزائري إلى أن التصويت ضد مشروع القرار "ينطوي على تأييد للعنف الوحشي والعقاب الجماعي المفروض على الفلسطينيين".
الصين تنتقد الفيتو الأميركي
وقال مندوب الصين في الأمم المتحدة تشانج يون، إن استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو "يبعث برسالة خاطئة"، ويدفع غزة إلى مزيد من الأزمة في وقت يكافح فيه الفلسطينيون، ووصلوا على شفا الموت.
وأضاف في كلمة أمام جلسة مجلس الأمن أنه "من غير المعقول على الإطلاق أن تزعم الولايات المتحدة، أن مشروع القرار يعرض المحادثات (بشأن وقف إطلاق النار) للخطر".
وأكد أن العنف يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، ويجب على المجلس أن يتحرك بسرعة لوقف "المذبحة".
وقال إن مجلس الأمن يجب أن يحافظ على النظام الدولي ويطالب بوقف إطلاق النار، و"هذه هي مسؤوليته القانونية"، مشيراً إلى أنه يجب على المجلس ألا يوقف عمله بسبب حق النقض، وداعياً المجتمع الدولي إلى منح الفلسطينيين فرصة للعيش وتوفير العدالة.
مندوب روسيا: مجلس الأمن عاجز
وفي السياق، قال مندوب روسيا في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، إن درجة العنف في قطاع غزة تجاوزت أي نزاع في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وأضاف في كلمة أمام مجلس الأمن، الثلاثاء، أن المجلس عجز عن اتخاذ أي قرار لوقف العنف في غزة، رغم وصول عدد الضحايا الفلسطينيين إلى نحو 30 ألفاً، معتبراً أن تلك الخسائر البشرية هي تكلفة "التقاعس المخزي" من الأعضاء الغربيين في مجلس الأمن تجاه حماية المدنيين.
وتابع: "الولايات المتحدة استخدمت الفيتو في مجلس الأمن لمنع اتخاذ قرار يدعو لوقف إطلاق النار، وفي كل مرة تستخدم نفس الخطاب المنافق لإعطاء الوقت للدبلوماسية، وهذا لن يحدث".
واعتبر أن واشنطن تعمل على منح الوقت لحليفها الأساسي في الشرق الأوسط، إسرائيل، وأضاف أن الولايات المتحدة أظهرت أكثر من مرة تجاهلها للدبلوماسية الدولية.
وأوضح أن حكومة أميركا لا تكترث بحياة الفلسطينيين أو بالرأي العام الأميركي المؤيد للفلسطينيين، ودعا إلى بذل كافة الجهود لمنع اجتياح مدينة رفح التي يحتمي بها النازحون.
فرنسا: نأسف لعدم اعتماد مشروع القرار الجزائري
وأعرب المندوب الفرنسي في الأمم المتحدة، نيكولاس دي ريفيير، عن أسفه لعدم إمكانية اعتماد مشروع القرار الجزائري، "بالنظر للحالة الكارثية على أرض الواقع".
وقال: "هناك حاجة ملحة للغاية للتوصل، دون مزيد من التأخير، إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار يضمن في النهاية حماية جميع المدنيين ودخول المساعدات الطارئة بكميات كبيرة".
وأضاف "إننا نأسف بشدة، وندعو المجلس إلى الخروج بسرعة من هذا الغموض.. الخسائر البشرية والوضع الإنساني في غزة لا يطاق، ويجب أن تنتهي العمليات الإسرائيلية".
وبت مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، في نصّ أعدّته الجزائر قبل أسابيع يطالب بوقف "فوري" لإطلاق النار في غزة، بالرفض بعدما استخدمت الولايات المتحدة الأميركية، حق النقض (الفيتو).
وطالب مشروع القرار بـ"وقف إنساني فوري لإطلاق النار على جميع الأطراف احترامه"، ورفض النصّ "التهجير القسري للمدنيّين الفلسطينيّين"، في حين تحدثت إسرائيل عن خطّة لإجلاء المدنيّين قبل هجوم برّي محتمل في رفح حيث يتكدّس 1.4 مليون شخص في جنوب قطاع غزة، ودعت إلى إطلاق سراح جميع الرهائن.
وحذّرت الولايات المتحدة من أنّ النصّ الجزائري غير مقبول، وأكّد نائب السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة روبرت وود، الاثنين، أنّ بلاده لا تعتبر أنّ هذا النصّ "سيُحسّن الوضع على الأرض، وبالتالي إذا طُرح مشروع القرار هذا على التصويت، فإنّه لن يمرّ".
ويعتبر الأميركيّون أنّ هذا النصّ من شأنه أن يُعرّض للخطر المفاوضات الدبلوماسيّة الدقيقة للتوصّل إلى هدنة، بما في ذلك إطلاق سراح مزيد من الرهائن.
مشروع أميركي
وفي هذا السياق، وزّعوا مشروع قرار بديلاً يتحدّث عن "وقف موقّت لإطلاق النار في غزّة في أقرب وقت" على أساس "صيغة" تشمل إطلاق سراح جميع المحتجزين.
ويُعبّر المشروع الأميركي أيضاً عن القلق بشأن رفح، ويحذّر من أنّ "هجومًا برّيًا واسع النطاق يجب ألّا يُشنّ في ظلّ الظروف الحاليّة".
وقال مسؤول أميركي كبير، الاثنين: "لا نستعجل التصويت على مشروعنا"، مشيراً إلى عدم وجود "مهلة" لذلك.
من جهته، أورد مصدر دبلوماسي لوكالة "فرانس برس"، أنه "في الوضع الراهن، لا يمكن للمشروع أن يمر"، لافتا إلى "مشاكل" عدة تتصل خصوصاً بالصيغة التي يتضمنها حول وقف إطلاق النار، إضافة إلى خطر الفيتو الروسي.
ويشهد مجلس الأمن منذ سنوات انقساماً كبيراً بشأن النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، وتمكّن منذ 7 أكتوبر الماضي، من تبني قرارين فقط حول هذه القضيّة، طابعهما إنساني أساساً.
وأيدت المجموعة العربية في الأمم المتحدة المشروع الذي تقدمت به الجزائر. وقالت في بيان :"لا يمكن لأي عذر أن يبرر عدم تحرك مجلس الأمن، ويجب أن تتقاطع كل الجهود لوقف المجزرة في غزة"، مؤكدة أن "الوقت حان" ليتحرك مجلس الامن "قبل أن يفوت الاوان".