سجلت وزارة الخارجية الأميركية، النصيب الأكبر بعدد الاستقالات في إدارة الرئيس جو بايدن، بسبب سياسة واشنطن تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة.
واستقالت المتحدثة الإقليمية الناطقة بالعربية باسم الخارجية الأميركية، الخميس، بسبب معارضتها لسياسة واشنطن المتعلقة بحرب غزة، في ثالث استقالة على الأقل في الوزارة، ما يرفع وتيرة الاستقالات في إدارة بايدن، احتجاجاً على سياستها تجاه الحرب
وأظهر الموقع الإلكتروني للوزارة، أن هالة راريت كانت أيضاً نائبة مدير المركز الإعلامي الإقليمي في دبي، وانضمت إلى وزارة الخارجية منذ ما يقرب من عقدين من الزمن كمسؤولة سياسية وحقوقية.
وكتبت على موقع التواصل الاجتماعي "لينكدإن": "لقد استقلت في أبريل 2024 بعد 18 عاماً من الخدمة المتميزة، للتعبير عن احتجاجي على سياسة الولايات المتحدة في غزة". وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية، عند سؤاله عن الاستقالة خلال مؤتمر صحافي، الخميس، إن الوزارة لديها قنوات لقواها العاملة لتبادل وجهات النظر عندما لا تتفق مع سياسات الحكومة.
وتعرضت الولايات المتحدة لانتقادات دولية متزايدة ومن جماعات حقوق الإنسان بسبب دعمها لإسرائيل وسط الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة والذي أودى بحياة عشرات الآلاف وتسبب في أزمة إنسانية.
ووردت تقارير عن وجود علامات انشقاق في إدارة الرئيس جو بايدن في ظل ارتفاع حصيلة ضحايا حرب غزة.
وفي نوفمبر، وقع أكثر من 1000 مسؤول، في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، التابعة للخارجية الأميركية، على رسالة مفتوحة تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار. كما تم إرسال برقيات تنتقد سياسة الإدارة إلى "قناة المعارضة الداخلية" بوزارة الخارجية.
وكان طارق حبش، المسؤول الكبير في وزارة التعليم الأميركية، وهو أميركي من أصل فلسطيني، قد استقال من منصبه في يناير الماضي.
وقبل ذلك بشهر تقريباً، أعلنت أنيل شيلين من مكتب حقوق الإنسان بوزارة الخارجية استقالتها، كما استقال المسؤول بوزارة الخارجية جوش بول في أكتوبر الماضي.
واستقالت شيلين المسؤولة في مجال حقوق الإنسان في الخارجية الأميركية بسبب الحرب المتواصلة على غزة، وقالت إن إدارة بايدن تنتهك القانون الأميركي من خلال الاستمرار في تسليح إسرائيل، وتتكتم على الأدلة التي رأتها الولايات المتحدة بشأن انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان.
وقالت أنيل شيلين إنها كانت تأمل أن يكون لها تأثير على السياسة الخارجية من خلال البقاء في منصبها في قسم الشرق الأدنى بمكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، والمشاركة في المناقشات التي تجري، والتوقيع على برقيات المعارضة وإثارة مخاوفها مع المسؤولين، لكنها فقدت الثقة في قدرتها على فعل أي شيء من شأنه أن يؤثر على تدفق الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل.
وقالت شيلين لصحيفة "الجارديان" البريطانية: "السبب الأساسي هو أنني لم أعد أرغب أن أكون على علاقة بهذه الإدارة"، وأضافت "لدي ابنة صغيرة. لم تبلغ الثانية من عمرها بعد، ولكن إذا علمت بهذا الأمر يوماً ما في المستقبل وعرفت أنني كنت في وزارة الخارجية وسألتني [عن ذلك] - أريد أن أكون قادرةً على إخبارها أنني فعلت ما بوسعي".
وشيلين هي ثاني مسؤولة في وزارة الخارجية تستقيل بسبب السياسة الأميركية تجاه الحرب على غزة، لكنها قالت إن العديد من زملائها أخبروها أنهم سيستقيلون إذا كان بإمكانهم تحمل خسارة وظائفهم. كما حثوها على التحدث علناً عن أسباب تركها للعمل، بدلاً من المغادرة بهدوء.
وقالت الشابة البالغة من العمر 38 عاماً، والتي درست السياسة الخارجية للحكومات العربية للحصول على درجة الدكتوراه، إن وزارة الخارجية كانت على علم بالكثير من الأدلة على أن إسرائيل تنتهك القانون الدولي في إدارتها لحرب غزة، وأن إدارة بايدن كانت تنتهك قانون الولايات المتحدة من خلال الاستمرار في توريد الأسلحة.
وأشارت على وجه الخصوص إلى "قوانين ليهي"، التي تحظر تقديم المساعدة إلى الوحدات العسكرية الأجنبية المتورطة في الفظائع، والمادة 620 (I) من قانون المساعدة الخارجية، التي تنص على أنه لا ينبغي تقديم أي مساعدة لأي حكومة "تحظر أو تقيد بشكل آخر، بشكل مباشر أو غير مباشر، نقل أو إيصال المساعدات الإنسانية الأميركية".
وقالت شيلين: "هناك الكثير من الأشخاص الذين يعملون على هذا الأمر في وزارة الخارجية، وإلى أن يصبح البيت الأبيض مستعداً لاتخاذ نهج مختلف، فإن بعض الأمور الأخرى التي تحدث في الخارجية لن يتم الكشف عنها".
وأضافت: "أعتقد أن وجهة نظر الرئيس تجاه إسرائيل متأثرة بشدة وتقليدية"، وتابعت "أعتقد أن هذه الإدارة استغرقت وقتاً طويلاً لتدرك أن الحسابات السياسية السابقة حول هذا الموضوع، فيما يتعلق بالمانحين الكبار، واللوبي الإسرائيلي،... تشهد تحولاً".
وكانت مؤسسة "جالوب" قد نشرت نتائج استطلاع جديد يظهر انخفاضاً كبيراً في الدعم الشعبي الأميركي لسلوك إسرائيل في الحرب، من 50% في نوفمبر إلى 36% الآن، مع عدم موافقة 55% من المستطلع آراؤهم على تصرفات إسرائيل.
ونسبت شيلين الفضل فى هذا التحول إلى امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأخير، مما سمح بتمريره بعد أن استخدمت واشنطن حق النقض (الفيتو) ضد ثلاثة مسودات نصوص سابقة على مدى ما يقرب من ستة أشهر منذ بدء الحرب.
وقالت: "هذه السياسات لا تدمر سكان غزة فحسب، بل أعتقد أنها تدمر أيضاً صورة الولايات المتحدة في العالم"، وأشارت إلى أن إدارة بايدن وعدت "بإعادة بناء الدبلوماسية الأميركية والقيادة الأخلاقية لأميركا بعد إدارة ترمب، لكن الكثير من هذه القضايا التي قالت الإدارة إنها مهمة للغاية - بما في ذلك حقوق الإنسان - تبدو أقل أهمية لهذه الإدارة من العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل".
أصوات منددة
وفي نوفمبر، وقع أكثر من 1000 مسؤول، في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، التابعة للخارجية الأميركية، على رسالة مفتوحة تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار. كما تم إرسال برقيات تنتقد سياسة الإدارة إلى "قناة المعارضة الداخلية" بوزارة الخارجية.
وحصد الخطاب المنشور في الثاني من نوفمبر، أكثر من 1029 توقيعاً في ظرف أسبوع من موظفين بالوكالة الأميركية للتنمية الدولية. وأسماء الموقِّعين مخفية، لكن الخطاب يظهر أنه موقَّع من مسؤولين في كثير من مكاتب الوكالة في واشنطن، إضافة إلى مسؤولين منتشرين في أنحاء العالم.
وبشأن هذه الخطوة، قالت المتحدثة باسم الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، جيسيكا جينينجز لمجلة "فورين بوليسي": “نحن ممتنون للغاية لتفاني موظفي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وشركائها الذين يعملون على مدار الساعة لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية بشكل كبير، بما في ذلك الغذاء والمياه والدواء”.
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة "واضحة بشأن ضرورة اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لحماية المدنيين الفلسطينيين، وأننا ندعم الوقف الإنساني للقتال من أجل توصيل المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة وتوزيعها على المحتاجين في غزة"، وأضافت "نحن نقدر الحوار المستمر الذي نجريه مع موظفينا وشركائنا، ونواصل الترحيب بفريقنا لمشاركة آرائهم مع القيادة".
وكان مدير الشؤون العامة والكونجرس في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية بوزارة الخارجية بول جوش قدم استقالته بسبب دعم بلاده لإسرائيل، وقال إنه "لا يستطيع قبول الاستمرار في وظيفة تسهم في قتل مدنيين فلسطينيين".
وأضاف في رسالة نشرها عبر حسابه على "لينكد إن": "طوال 11 سنة قدمت تنازلات أكثر مما يمكنني أن أذكر، أغادر اليوم لأنني أعتقد أنه في مسارنا الحالي في ما يخص دعم إسرائيل المستمر -بل الموسع والسريع- بالأسلحة الفتاكة بلغت نهاية هذه الصفقة".
ونشرت سيلفيا يعقوب، وهي موظفة بمكتب شؤون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الأميركية منشوراً، انتقدت فيه الرئيس جو بايدن، واتهمته بـ"التواطؤ في إبادة جماعية" في قطاع غزة، وخاطبته قائلة: "أنت تقدم مساعدات عسكرية أكثر بكثير للحكومة التي تهاجم سكان غزة الأبرياء عشوائياً.. أنت متواطئ في إبادة جماعية".
قناة المعارضة
وفي منتصف يناير الماضي، اعترف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بشكل علني ولأول مرة بتسلمه شكوى عبر قناة داخلية مخصصة لاعتراضات موظفي وزارته على سياسات إدارة الرئيس جو بايدن تجاه الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023.
وقال بلينكن في تصريحات تلفزيونية على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس "أثار عدد من موظفي وزارة الخارجية الأميركية منذ أكتوبر الماضي، تساؤلات ومخاوف وانتقادات بشأن السياسات التي تنتهجها إسرائيل وكذلك تلك التي ننتهجها خلال الحرب".
وأشار إلى أن هناك "قناة للاعتراض تسمح لأي موظف بإبداء مخاوفه"، كما لفت إلى وجود عدد من الاعتراضات، وأكد أنه "قرأ كل واحدة" منها.
وبسؤاله عن إمكانية اتجاه عدد من الموظفين للإضراب، أكد بلينكن ضرورة أن "يعبر الناس عن أنفسهم وعما يؤمنون به"، لكنه أضاف: "في النهاية عليهم العمل، والقيام بواجباتهم. يشعر الناس بالحاجة إلى رفع أصواتهم وآرائهم، وهذا جزء نعتز به في ديمقراطيتنا".
وفي وقت سابق نقل موقع HuffPost عن مسؤولين أميركيين كبار قولهم إن بلينكن وكبار مستشاريه يتجاهلون "حالة إحباط واسعة النطاق" تتبلور داخل الوزارة، وذلك بسبب عدم استماع بايدن وبلينكن لنصائح الخبراء وإصرارهما على دعم العملية العسكرية الإسرائيلية الموسعة في غزة.
وأضافوا: "هناك بالأساس تمرد يختمر داخل الوزارة على جميع المستويات. هذه البرقيات يُنظر إليها داخل الوزارة على أنها بيانات مترتبة على خلاف خطير في لحظات تاريخية مفصلية".
وفي إحدى الاجتماعات، قال مدير لفريقه من العاملين إنهم يعلمون أن "الموظفين الذين يتمتعون بخبرات دولية واسعة غير راضين عن خطة بايدن، خاصة فيما يتعلق بشعورهم بأن الولايات المتحدة لن تقدم شيئاً لكبح جماح إسرائيل، لكن لا تتوافر لهم الفرصة لتغيير هذه الخطة".
وغالباً ما تجذب هذه البرقيات مئات التوقيعات، كما يُنظر إليها على أنها "طريقة حيوية لرفع وجهات النظر المعارِضة من دون الخوف من تلقي ضربات انتقامية، لأن سياسات الوزارة تمنع الانتقام من الأشخاص الذين يستخدمونها".
وتأسست قناة المعارضة تلك في خضم صراع داخلي عميق نشب خلال فترة حرب فيتنام، واستخدمها الدبلوماسيون الأميركيون منذ ذلك الحين، للتحذير من أن الولايات المتحدة "تتخذ خيارات خطيرة يمكن أن تؤدي إلى هزيمتها ذاتياً في الخارج".
وقال أحد المسؤولين إن وزير الخارجية تحدث عن هذا الأمر في العديد من المناسبات، عندما قال إنه "يرحب بالمعارضين الذين يعملون من خلال هذه القناة، لأنه يجد أن من المفيد أن تكون هناك أصوات معارضة تخالفه الرأي".
وأضاف المسؤول، أن "بلينكن يأخذ هذا الأمر على محمل الجد، ما يجعله يفكر ملياً في نهجه الخاص فيما يتعلق بصنع السياسات".