على خطى بوتين.. نتنياهو تحت طائلة تهديد المحكمة الجنائية الدولية

مأزق أوروبي أميركي في حال صدور مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي

time reading iconدقائق القراءة - 11
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعضو الحكومة بيني جانتس (يمين) ووزير الدفاع يوآف جالانت خلال مؤتمر صحافي في تل أبيب. 28 أكتوبر 2023 - Reuters
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعضو الحكومة بيني جانتس (يمين) ووزير الدفاع يوآف جالانت خلال مؤتمر صحافي في تل أبيب. 28 أكتوبر 2023 - Reuters
دبي -عبد السلام الشامخ

يشعر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بقلق شديد إزاء التحقيق الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية بشأن الحرب على غزة، ومذكرات الاعتقال التي قد تصدرها، فيما يكثف اتصالاته الدولية لمحاولة تجميد الإجراء الذي يهدّده بشكل مباشر.

ويخشى نتنياهو، أن تصدر المحكمة الجنائية مذكرة اعتقال دولية بحقه وقيادات سياسية وعسكرية أخرى بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن المدعي العام للمحكمة كريم خان قد يصدر أوامر اعتقال في الأيام المقبلة.

وبحسب تسريبات نشرتها الصحف الأميركية والبريطانية والإسرائيلية، فإن المدعي العام حمّل المسؤولين الإسرائيليين المعنيين مسؤولية المجاعة التي يعاني منها القطاع، متهمين إياهم بعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية وتسببواً عمداً في حدوثها.

ويشير خبراء قانونيون أن الحرمان من المياه والغذاء والمساعدات الإنسانية في قطاع غزة، هو نتيجة لقرارات سياسية، أبرزها قرار وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، ومجلس الوزراء الحربي بفرض حصار كامل على القطاع. وهي "جريمة ضد الانسانية بموجب القانون الدولي".

هل نتنياهو أقوى من بوتين؟

وتتمتع المحكمة الجنائية الدولية، ومقرها لاهاي، بصلاحية التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

ومع أن "نظام روما الأساسي" الذي يرعى عمل المحكمة أدخل "جريمة العدوان" في نطاق اختصاصها، إلا أن هذا النص ظل بدون تفعيل بسبب الطابع السياسي بالغ الحساسية لهذه الجريمة التي تتعلق بشن دولة هجوماً مسلحا واسع النطاق على دولة أخرى ذات سيادة وتحديد من المسؤول عن ارتكاب هذه الجريمة من قادة الدولة المعتدية.

وتنشط المحكمة منذ عام 2002 واستناداً إلى معاهدة روما لعام 1998، تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية خارج منظومة الأمم المتحدة. ولديها رئيس ادعاء مستقل.

ويشير الخبير في القانون الدولي أيمن سلامة في حديثه مع "الشرق"، أن المحكمة الجنائية الدولية تتمتع باستقلالية مطلقة ولا تخضع لأي سلطة، ويتمثل دور المدعي العام في تحديد هوية الشخص المسؤول عن جرائم الحرب، والقدرة على إثباتها بوضوح، وهي مهمة تستغرق وقتا طولاً.

وفي سياق الحرب الإسرائيلية على غزة، صرّح المدعي العام كريم خان في أواخر 2023: "يجب أن يكون هدفي الأول والوحيد هو تحقيق العدالة للضحايا والوفاء بالتزامي عندما أقسمت اليمين بموجب نظام روما الأساسي.. من خلال فحص الأدلة بشكل محايد والدفاع عن حقوق الأشخاص، سواء كانوا فلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها الضفة الغربية أو غزة أو ما إذا كانوا يهوداً في إسرائيل".

ويعترف الخبراء القانونيون، بأن صياغة قرار ملزم بشأن جرائم الحرب يتطلب وقتاً طويلاً، خصوصاً في الحالة الإسرائيلية الفلسطيينية، التي تشهد تراكماً للأحداث المأساوية من مجاعة وتهجير وقتل.

ويشير سلامة في حديثه مع "الشرق"، إلى أن المحكمة قد تعجّل بإصدار مذكرة اعتقال دولية في حق نتنياهو، ليكون أول مسؤول إسرائيلي يواجه هذا القرار بحكم وضعه السياسي، موضحاً أن "المحكمة قد تضيف مسؤولين آخرين اشتركوا في اتخاذ قرارات داخل مجلس الحرب".

ومن وجهة نظر القانون الدولي، يضيف سلامة، فإن فلسطين من حقها إحالة الجرائم التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي في غزة، باعتبارها دولة عضو بموجب نظام المحكمة، وقد تواجه إسرائيل عقوبات على الرغم من أنها ليست عضو في المحكمة، إذ يكفي أن يرخّص المدعي العام القيام بالتحقيقات الجنائية بعد الحصول على موافقة الدائرة التمهيدية".

وقال إنه "يمكن للمدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، أن يبدأ تحقيقاً بناء على طلب يتلقاه من الدول، وقد يأتي من دول أطراف في المحكمة، أو قد يستند إلى اختصاص قضائي مؤقت ومحدود تمنحه دول ليست أطرافا في المحكمة، عملاً بالفقرة 3 من المادة 12 من نظام روما الأساسي".

وشدد على أن الشروع في التحقيقات الجنائية يتم حال أن الدولة العضو (في هذه الحالة فلسطين) اشتكت بتعرضها لجرائم ضد الانسانية وقعت فوق إقليمها من قبل دولة أخرى، وهي جرائم الموصوفة في المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وتابع سلامة في تصريحاته: "نتنياهو لن يكون أقوى من الرئيس الرّوسي فلاديمير بوتين، الذي تتمتع بلاده بحق الفيتو في مجلس الأمن الدولي وتملك قدرات نووية، ورغم ذلك صدرت في حقه مذكرة اعتقال دولية بسبب قضية الأطفال المختطفين من أوكرانيا.

ويضيف الخبير القانوني: "رغم أن أوكرانيا ليست دولة عضو في نظام المحكمة الجنائية، إلا أن المدعين رخصوا بإحالة جرائم وقعت في إقليمها على التحقيق طبقاً للمادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة".

أوامر اعتقال سرية محتملة

وتمثل الصور التي تنشرها الوكلات الدولية ومواقع التواصل الاجتماعي، أدلة مهمة على جرائم الحرب، خصوصاً وأن ممثلي المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك المدعي العام كريم خان، لم يتمكنوا من زيارة قطاع غزة. ومن ثم، يتم فك رموز هذه المادة المرئية والتحقق منها باستخدام تقنيات التحليل مفتوحة المصدر ويتم إضافتها إلى مجموعة صور الأقمار الاصطناعية والشهادات لتجميع قضايا الادعاء.

وبحسب المحامي المتخصص في القانون الدولي يوهان صوفي، فإن احتمال صدور مذكرات اعتقال في حق المسؤولين الاسرائيليين مرتفع وجدي للغاية. بل من الممكن أن تكون المحكمة قد أصدرتها بالفعل، لكنها "تبقيها سرية لأسباب تكتيكية".

ويوضح يوهان صوفي في حديث مع التفلزيون البلجيكي RTBV، أن هذه السرية يمكن أن تسهل اعتقال المطلوبين. "إذا سافر أحد الأشخاص المستهدفين بلائحة الاتهام إلى إحدى الدول العضو في نظام روما الأساسي (المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية)، فإن هذا يعني أن السلطات الوطنية لتلك الدول ملزمة باعتقال هذا الشخص، وتسليمه إلى المحكمة، فالسرية ترجح فرص القبض على هؤلاء الأفراد.

وفي هذه الحالة، لا ترسل المحكمة أمر الاعتقال إلى سلطات الدولة الطرف إلا عند وصول الشخص المطلوب إلى أراضيها. ومن ثم يكون على هذه السلطات واجب إلقاء القبض على الشخص المعني ونقله إلى لاهاي. وإذا صدرت أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين، فإن سفرهم إلى الخارج سيكون معقداً بشكل خاص.

 124 دولة ضد إسرائيل

وإذا تم إصدار أوامر الاعتقال، فإن الدول التي تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ستكون ملزمة نظرياً بالقبض على المتهمين إذا دخلوا أراضيها وتسليمهم إلى لاهاي.

وحتى الآن، تعترف 124 دولة بالمحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ومعظم دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وأستراليا ونيوزيلندا، ودولتين عربيتين هما الأردن وتونس.

ولم يتم إصدار أي مذكرة اعتقال دولية ضد مسؤولين إسرائيليين على الإطلاق. لكن اليوم، وفقًا لنائب المدعي العام الإسرائيلي السابق روي شوندورف، "أصبح هذا الخطر أكثر مصداقية ويمكن أن يؤدي أيضاً إلى اتخاذ إجراءات ملموسة ضد إسرائيل، مثل حظر الأسلحة أو العقوبات الاقتصادية".

وتشير صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن الحكومة الإسرائيلية لن تقوم بتسليم نتنياهو أو نوابه للمحاكمة. لكن سفرهم أصبح محدوداً. ورغم أن الولايات المتحدة، مثل إسرائيل، ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي فهي ليست ملزمة بهذا القرار، فإن الحكومات الأوروبية ستكون أمام خيار صعب يقضي بتفعيل قرار الاعتقال حفاظاً على مصداقية المحكمة. كما أنه سيجعل من الصعب على واشنطن ولندن التظاهر بأن تسليحهما المستمر للجيش الإسرائيلي لا يساهم في ارتكاب جرائم حرب.

ويوضح يوهان صوفي في تصريحاته للتلفزيون البلجيكي: "سيواجهون معضلة"، في إشارة إلى الدول الأوروبية، وأضاف: "إما أن تظهر هذه الدول أنها تدعم حقاً المحكمة الجنائية الدولية وقراراتها، أو تفسد شرعيتها ومصداقيتها بين العديد من دول الجنوب العالمي.

تحديد المسؤوليات

وبشأن جريمة المجاعة، يقول يوهان إنها "واحدة من أسهل الجرائم التي يمكن إثباتها عكس جرائم الحرب الأخرى، فمن الصعوبات التي تواجهها الهيئات القضائية الدولية بشكل عام والمحكمة الجنائية الدولية بشكل خاص هي تحديد المسؤولية الفردية لمرتكبي الجرائم. وهذا العمل يصبح أكثر تعقيداً كلما صعدت إلى أعلى التسلسل الهرمي".

ويضيف: "على سبيل المثال، بالنسبة لقتل المدنيين، من الصعب في بعض الأحيان إثبات أن القرار جاء من السلطات، من رؤسائها، سواء كانوا عسكريين أو سياسيين. على العكس من ذلك، عندما يتعلق الأمر بفرض حصار شامل يحرم سكاناً بأكمله من الماء والغذاء والدواء، هو قرار تتخذه السلطة العسكرية أو السياسية، وتجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب يشكل جريمة حرب حتى جريمة ضد الإنسانية".

نتنياهو تحت الضغط

ووفقاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن هذا الاحتمال وضع بنيامين نتنياهو "تحت ضغط غير عادي". وبدأ حملة هاتفية متواصلة لمحاولة منع إصدار مذكرات اعتقال، لا سيما لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

وطلب نتنياهو في اتصال هاتفي، الأحد، من بايدن، المساعدة في منع المحكمة الجنائية الدولية من إصدار مذكرات اعتقال يمكن أن تستهدفه شخصياً أو تستهدف وزير الدفاع في حكومته أو رئيس الأركان، فيما يتعلق بالحرب على قطاع غزة، حسبما نقل موقع "أكسيوس" الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين.

وحذر رئيس الوزراء الإسرائيلي في بيان بثه عبر تطبيق تليجرام، قائلاً: "تحت قيادتي، لن تقبل إسرائيل أبدا أن تحاول المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي تقويض حقها الأساسي في الدفاع عن نفسها".

وتشارك عدة وزارات إسرائيلية في الجهود الرامية إلى إحباط الإجراءات التي بدأتها المحكمة الجنائية الدولية. وتعبئة وزارة العدل ومحاميي الجيش.

وشدد وزير الخارجية يسرائيل كاتس، على أن بلاده تلتزم بـ"جميع قوانين الحرب"، وأنه "يتوقع أن تمتنع المحكمة" عن إصدار أوامر اعتقال. فيما تم وضع السفارات الإسرائيلية في جميع أنحاء العالم في حالة تأهب.

"انتقام أميركي"

وحذر أعضاء في الكونجرس الأميركي من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، المحكمة الجنائية الدولية، من أن إصدار أوامر اعتقال بحق كبار المسؤولين الإسرائيليين سيقابل بـ"انتقام أميركي"، مشيرين إلى وجود تشريع في هذا السياق، بحسب ما نقله "أكسيوس".

وتوقع رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب مايكل ماكول في حديث لـ"أكسيوس"، أن يقدم السيناتور توم كوتون "نسخة من مشروع قانون لمعاقبة مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية المشاركين في التحقيق مع الولايات المتحدة وحلفائها"، لكنه قال: "نأمل ألا يصل الأمر إلى ذلك".

بدورها، أكدت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد للصحافيين، الاثنين، أن "المحكمة الجنائية الدولية مستقلة، وتنجز عملها دون تواصل مع واشنطن أو تدخل منها".

تصنيفات

قصص قد تهمك