الحظر الأميركي للوقود النووي الروسي.. كازاخستان في الواجهة ومخاوف من التداعيات

time reading iconدقائق القراءة - 8
سفينة الشحن الروسية Baltiyskiy 202 تحمل أسطوانات تحتوي على اليورانيوم الروسي قادمة من سان بطرسبرغ تصل إلى ميناء دونكيرك بشمال فرنسا. 20 مارس 2023 - AFP
سفينة الشحن الروسية Baltiyskiy 202 تحمل أسطوانات تحتوي على اليورانيوم الروسي قادمة من سان بطرسبرغ تصل إلى ميناء دونكيرك بشمال فرنسا. 20 مارس 2023 - AFP
موسكو-أندريه كيرسانوف

بعد سنوات من اعتماد الولايات المتحدة بشكل كبير على الوقود النووي القادم من روسيا، صادق الرئيس الأميركي جو بايدن على تشريع يحظر استيراد اليورانيوم المخصب الروسي ليصبح قانوناً، في خطوة تهدف لقطع واحد من أهم الشرايين لتدفقات الأموال إلى موسكو في خضم الحرب الأوكرانية، وهو ما يلقي بظلاله أيضاً على العلاقات بين روسيا وكازاخستان، أكبر منتج لليورانيوم الطبيعي في العالم.

ويبدأ الحظر على واردات الوقود لمحطات الطاقة النووية في غضون 90 يوماً تقريباً، لكن القانون الجديد يسمح للوزارات الأميركية المعنية بإصدار إعفاءات في حالة وجود مخاوف بشأن الإمدادات. كما سيخصص القانون نحو 2.7 مليار دولار من التمويل في التشريعات السابقة لتعزيز صناعة وقود اليورانيوم في الولايات المتحدة.

وبعد صدور القرار الجديد، حذَّرت شركة "سنتروس"، التي تعتبر من أكبر شركات الوقود النووي في الولايات المتحدة، من أنها ستطلب من الإدارات المعنية منْح استثناءات من أجل استمرار توريد اليورانيوم لعملائها، وضمان مصالح الصناعة النووية في البلاد.

معارضة روسية

وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن واشنطن تلجأ إلى استخدام أدوات غير شريفة عندما تواجه مشاكل في المنافسة، مضيفاً أن "الحظر الأميركي ليس حَرِجاً بالنسبة للصناعة النووية الروسية".

وتعليقاً على الحظر الأميركي، قالت شركة "روس أتوم"، وهي واحدة من أكبر الشركات في صناعة الطاقة النووية على مستوى العالم، إن "مثل هذه القرارات لها دلالات سياسية مدمرة"، لكنها أكدت في الوقت نفسه أنها ستحتفظ بمكانتها كشركة رائدة عالمياً في مجال التكنولوجيا النووية، وستواصل تطوير العلاقات مع الشركاء الأجانب.

وتأتي الخطوة الأميركية في ظل مساعيها مع دول أوروبية للتخلص من إمدادات اليورانيوم الروسية، ومحاولاتها لتعويضه من دول أخرى.

وفي وقت سابق، أشارت صحيفة "كوميرسانت" الروسية إلى أن الدول الغربية اقترحت على كازاخستان تقديم المساعدة في مجال تخصيب اليورانيوم على أراضيها، ما قد يسبب في تدمير علاقات تجارية في منطقة آسيا الوسطى.

وتُقدّر حصة كازاخستان من إنتاج اليورانيوم الطبيعي بنحو 40% على مستوى العالم، فيما تشكل حصة روسيا في سوق اليورانيوم المخصب بنحو 40%، بحسب صحيفة "كوميرسانت".

واعتبر خبراء روس أنه على الرغم من التداعيات الكبيرة للخطوة الأميركية على قطاع الطاقة الروسي، لكنهم استبعدوا حدوث أي تهديد للعلاقات بين روسيا وكازاخستان.

وفي نوفمبر، أصبحت روسيا المصدّر الرئيسي لليورانيوم إلى الولايات المتحدة وذلك للمرة الأولى منذ أشهر، حسبما أفادت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية للأنباء.

ووفقاً لهيئة الإحصاء الأميركية، اشترت الولايات المتحدة اليورانيوم من 4 دول فقط، وهي: روسيا، وبريطانيا، واليابان، وبلجيكا بقيمة إجمالية تقارب 191 مليون دولار، فيما تُقدّر حصة موسكو منها 96 مليون دولار.

"علاقة تكاملية"

وقال مدير مركز الطاقة والأمن الروسي أنطون خلوبكوف إنه لا يرى أي تهديد قد يؤثر على تطور العلاقات بين موسكو وأستانا في أعقاب القرار الأميركي الأخير، واصفاً دورهما في السوق النووي العالمي بـ"المتكامل".

وأوضح خلوبكوف، في حديثه مع "الشرق"، أن "كازاخستان هي أكبر منتج لليورانيوم الطبيعي في العالم (بحصة تتجاوز 40%)، في حين أن روسيا هي أكبر دولة مخصّبة لليورانيوم، وهاتان مرحلتان مختلفتان في الدورة النووية".

واستدرك قائلاً إنه "لن يكون من السهل إعادة توجيه صادرات اليورانيوم الروسية إلى بلدان أخرى، حيث لا توجد سوق كبيرة من محطات الطاقة النووية كما هو الحال في الولايات المتحدة".

وتابع: "لن أقول إن التعاون بين روسيا والولايات المتحدة في هذا المجال (النووي) قد انتهى"، مشيراً إلى أنه "لا توجد منشآت في الولايات المتحدة يمكنها استبدال القدرات الروسية".

وأردف بقوله: "أتوقع أن تستمر شركات الطاقة الأميركية في استخدام هذه الاستثناءات في السنوات المقبلة، طالما أن القانون يسمح لها بذلك، وإلى أن تمتلك الولايات المتحدة القدرة على استبدال اليورانيوم الروسي المخصب".

وفي مطلع مايو الجاري، نقلت مواقع إخبارية روسية عن "بلومبرغ" أن الإجراءات الأميركية ستؤثر سلباً على التجارة بين روسيا وكازاخستان، وهي أكبر منتج لليورانيوم وتعتمد على قدرة التخصيب الروسية، وأن موسكو ترغب في تجنب ذلك.

وأشارت إلى أن هذه التطورات قد تؤدي إلى تراجع ارتباطات جيوسياسية بين موسكو ودول المنطقة.

تعاون قديم

وتعمل روسيا وكازاخستان منذ سنوات على بناء وتوسيع التعاون بين البلدين في المجالات المختلفة، ومن بينها إنتاج اليورانيوم والطاقة النووية.

وفي وقت سابق، ذكرت شركة "روس أتوم"، في بيان، أنه "يتم بناء التعاون بين روسيا وكازاخستان في عدة مجالات: التعدين المشترك لليورانيوم، وتخصيب اليورانيوم، وتوريد الوقود لمفاعلات الأبحاث، وإدارة الوقود النووي المستهلك والنفايات المشعة والتقنيات النووية البحثية، والغاز، والبتروكيماويات وإيقاف التشغيل النووي، والمنشآت الخطرة الإشعاعية على أراضي كازاخستان".

وأوضحت الشركة أن روسيا وكازاخستان وقَّعتا في عام 2006 على البرنامج الشامل للتعاون بين البلدين في مجال استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية.

من جهته، قال مدير مجموعة المحللين في الطاقة الكهربائية بشركة Kept الاستشارية الروسية سيرجي روجينكو إن القانون الأميركي الخاص بحظر استيراد اليورانيوم المخصب من روسيا، يحمل في طياته مخاطر تهدد بزعزعة استقرار سوق الوقود النووي العالمية، "سواء بشكل مباشر، من خلال تأثير الحظر التجاري، أو من خلال خلق حالة عدم اليقين الاستراتيجي".

وأشار روجينكو في حديثه مع "الشرق" إلى أن "السوق العالمية لخدمات تخصيب اليورانيوم تتركز بين أيدي 5 لاعبين، وهم: روسيا والاتحاد الأوروبي، والصين والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، في حين تسيطر موسكو على نحو 40% من قدرات التخصيب".

ولفت إلى أن "نحو ثلاثة أرباع الإنتاج العالمي توفرها 5 دول، هي: كازاخستان وناميبيا وكندا وأستراليا وأوزبكستان، فيما توفر أستانا ما يصل إلى 45% من الإنتاج العالمي".

واستدرك بقوله: "في مثل هذه الظروف، يتطلب إنشاء أي مرافق بديلة لتخصيب اليورانيوم سنوات لبدء الإنتاج، بالإضافة إلى قائمة محدودة جداً من البلدان والمواقع، وهو ما يرتبط بتكاليف كبيرة".

ونوَّه بأن "التغيير المحتمل في طرق تسليم اليورانيوم الكازاخستاني إلى مصانع التخصيب في مختلف أنحاء العالم لا يشكل أهمية كبيرة في حد ذاته، لكن من الواضح أنه أكثر كلفة. الآن يمر عبر الاتحاد الروسي، لكن يمكن إعادة توجيههم جزئياً عبر طرق أخرى عبر بحر قزوين أو الصين".

مواقف متباينة وتقارب أوروبي

ولم تكن العلاقات بين موسكو وأستانا "في أفضل حال" دائماً، رغم عضوية البلدين في عدة منظمات إقليمية، من بينها منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تضم أيضاً أرمينيا وبيلاروس وقيرجيزستان وطاجيكستان.

وفي يونيو 2022، أعلن رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكييف أن بلاده لن تعترف بإعلان استقلال جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك، وهو ما يعكس وجود بعض الخلافات بين البلدين فيما يتعلق ببعض القضايا. كما لم تدعم أستانا علناً ما يُسمى بـ"العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا.

وبالإضافة إلى ذلك تحاول كازاخستان حالياً تنويع علاقاتها الخارجية مع دول أجنبية، وتمثّل هذا في زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أواخر العام 2023 إلى أستانا، حيث تمت مناقشة عدة ملفات لتعزيز التعاون بين البلدين، ومن بينها مجال الطاقة واليورانيوم.

وفي نهاية أبريل، قام وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون بزيارة إلى دول آسيا الوسطى، شملت كازاخستان وأوزبكستان.

ولم ترحب موسكو بهذه الزيارات، وعلَّق نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل جالوزين عليها قائلاً إنه ينبغي على زعماء دول آسيا الوسطى إدراك المخاطر التي يحملها التقارب المبالغ مع دول الغرب والانضمام إلى العقوبات ضد روسيا، حسبما ذكرت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية.

وأشار جالوزين إلى أن الغرب يسعى لإثارة الخلاف بين روسيا ودول آسيا الوسطى.

تصنيفات

قصص قد تهمك