قال البنك الدولي في تقرير إن وضع المالية العامة للسلطة الفلسطينية قد "تدهور بشدة" في الأشهر الثلاثة الماضية، مما يزيد بشكل كبير من مخاطر انهيار المالية العامة، ويأتي هذا في الوقت الذي تهدد فيه إسرائيل بعزل المصارف الفلسطينية ومنعها من الوصول إلى نظامها المصرفي رداً على اعتراف إسبانيا والنروج وأيرلندا بالدولة الفلسطينية.
وذكر التقرير أن "تدفقات الإيرادات نضبت إلى حد كبير بسبب الانخفاض الحاد في تحويلات إيرادات المقاصة المستحقة الدفع للسلطة الفلسطينية والانخفاض الهائل في النشاط الاقتصادي، وتؤدي الفجوة الآخذة في الاتساع بسرعة بين حجم الإيرادات والمصروفات لتمويل الحد الأدنى من الإنفاق العام إلى أزمة في المالية العامة".
وأضاف أن الفجوة التمويلية وصلت في نهاية عام 2023 إلى 682 مليون دولار، محذراً من أن من المتوقع أن تتضاعف هذه الفجوة خلال الأشهر المقبلة لتصل إلى 1.2 مليار دولار.
وأشار تقرير البنك الدولي إلى أن "زيادة المساعدات الخارجية وتراكم المتأخرات المستحقة للموظفين العموميين والموردين هي خيارات التمويل الوحيدة المتاحة للسلطة الفلسطينية".
وفيما يتعلق بالوظائف، قال البنك إن الاقتصاد الفلسطيني، فقد ما يقرب من نصف مليون وظيفة منذ أكتوبر 2023، لافتاً إلى أن ذلك يشمل ما يقدر بنحو 200 ألف وظيفة في قطاع غزة، و144 ألف وظيفة في الضفة الغربية، و148 ألفاً من العمال المتنقلين عبر الحدود من الضفة إلى سوق العمل الإسرائيلية.
وبحسب التقرير، فقد بلغ معدل الفقر الإجمالي للفلسطينيين 32.8% في منتصف عام 2023، لكنه لفت إلى وجود "تباينات واسعة" بين الضفة الغربية وغزة، حيث وصل معدل الفقر في القطاع إلى نحو 64% بينما بلغ حوالي 12% في الضفة.
وخلص التقرير إلى أن الاقتصاد الفلسطيني لا يزال يواجه "صدمة كبرى" في الأشهر الأولى من عام 2024، متوقعاً حدوث انكماش اقتصادي آخر يتراوح بين 6.5% و9.6% في ظل "ضبابية المشهد وعدم اليقين بشأن آفاق عام 2024".
"حصار اقتصادي"
وبموجب اتفاقيات السلام التي لعبت النرويج دور الوسيط جزئياً للتوصل إليها في تسعينيات القرن الماضي، تجمع إسرائيل الأموال للسلطة الفلسطينية التي تمارس حكماً ذاتياً محدوداً في أجزاء من الضفة الغربية.
لكن إسرائيل منعت التحويلات بعد وقت قصير من وقوع هجمات السابع من أكتوبر التي شنتها "حماس".
والأربعاء، أعلنت النرويج وإيرلندا وإسبانيا أنها ستعترف بدولة فلسطينية اعتباراً من 28 مايو، في خطوة أثارت حفيظة إسرائيل.
وبعد القرار، هدد وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، بحجب رسوم الضرائب التي يتم تحصيلها نيابة عن السلطة الفلسطينية وإنهاء دور النرويج في تسهيل التحويلات.
وكتب في رسالة موجّهة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الأربعاء، "كانت النرويج أول دولة تعترف بشكل أحادي بدولة فلسطينية اليوم ولا يمكنها أن تكون شريكة في أي شيء مرتبط بيهودا والسامرة" مستخدما الاسم التوراتي للضفة الغربية.
وأضاف "أنوي وقف تحويل الأموال إلى (النرويج) وطلب إعادة جميع الأموال التي تم تحويلها" حتى الآن، دون تحديد المبلغ الذي أُرسل إلى النرويج كجزء من هذا الاتفاق.
وأضاف أنه "لا ينوي تمديد التعويض إلى المصارف المراسلة التي تحوّل الأموال اعتباراً من نهاية الشهر المقبل".
وافقت الحكومة الإسرائيلية خلال العام الجاري، على خطة تحول بموجبها إلى النرويج الضرائب المخصصة للسلطة الفلسطينية من أجل موظفيها في غزة.
ودعا عدد من المسؤولين الإسرائيليين، خصوصاً وزراء من اليمين المتشدد مثل سموتريتش إلى وقف التحويلات المالية خشية استخدامها من قبل "حماس".
مخاوف أميركية
وحذّرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين الخميس من احتمال وقوع "أزمة إنسانية" في حال نفّذت إسرائيل تهديدها بعزل المصارف الفلسطينية ومنعها من الوصول إلى نظامها المصرفي.
وقالت يلين للصحافيين في ستريسا في شمال إيطاليا، قبل اجتماع لوزراء المالية والخزانة في مجموعة السبع "أشعر بقلق خاص إزاء تهديدات إسرائيل باتخاذ إجراء من شأنه أن يؤدي إلى عزل البنوك الفلسطينية عن مراسلاتها الإسرائيلية".
وأكدت الوزيرة "تعد هذه القنوات المصرفية ضرورية لمعالجة المعاملات التي تتيح ما يقرب من 8 مليارات دولار سنوياً من الواردات من إسرائيل، بما في ذلك الكهرباء والمياه والوقود والغذاء، فضلاً عن تسهيل ما يقرب من ملياري دولار سنوياً من الصادرات التي تعتمد عليها سبل عيش الفلسطينيين".
ورداً على سؤال عما قد تفعله الولايات المتحدة ومجموعة السبع رداً على ذلك، قالت يلين إنها كتبت لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أشهر بشأن الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية المحتلة.
وأضافت "وكما قلت، أعتقد أن ذلك سيخلق أزمة إنسانية في الوقت المناسب إذا تم عزل البنوك الفلسطينية عن المراسلات الإسرائيلية.. بالتأكيد، هذا هو الرأي الذي سنعبر عنه".
كما كررت مخاوف الولايات المتحدة بشأن قيام إسرائيل بمنع الأموال التي تجمعها للسلطة الفلسطينية، قائلة إن ذلك "يهدد الاستقرار الاقتصادي في الضفة الغربية".