تشير بعض استطلاعات الرأي في بريطانيا إلى أن حزب "إصلاح المملكة البريطانية" يمكن أن يحل ثانياً في نتائج الانتخابات المقبلة، ما قد يضع زعيمه اليميني المتشدد نايجل فاراج في البرلمان الجديد على رأس جبهة المعارضة لحكومة حزب "العمال" المتوقع وصولها للسلطة بعد إغلاق صناديق الاقتراع في الرابع من يوليو المقبل.
و"الإصلاح" حزب حديث العهد مقارنة بالأحزاب الكبرى في البرلمان، ولكنه نطق مؤخراً بلسان حال اليمين البريطاني على اختلاف درجاته وخاصة المتطرفة منه، فاستقطب المنتمين إلى تكتلات سياسية عدة ولكنهم لا يجدون فيها ما يلبي تطلعاتهم، أو نفروا منها لأسباب مختلفة تلتقي في ضبابية مستقبل البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة.
ويستنهض حزب "الإصلاح" همم اليمين في كل الأحزاب الكبيرة بمجلس العموم، ولكن حزب "المحافظين" هو أكثر المتضررين، لأن هذا التيار هو قوامه الأقوى والأكبر منذ نشأته قبل نحو 200 عام، الأمر الذي استدعى من قادة "الحزب الحاكم" حالياً، إطلاق حملة للتحذير من دعم فاراج، وتخويف البريطانيين من أن هذا سيصب في صالح حزب "العمال".
ويُعد تبرير الغزو الروسي لأوكرانيا، العلامة السلبية الوحيدة التي سُجّلت بحق فاراج منذ بداية حملته الانتخابية، ولكن هل أثّرت حقاً في فرص فوزه أم مرت كغمامة صيف دون تأثير يُذكر؟ وذلك لأن أنصار حزب "الإصلاح" يؤيدون المنطق الذي يتحدث به زعيمهم، ولا يُفضّلون الحرب في أوروبا على حساب بلادهم اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً.
"خطر على الجميع"
وقال المرشح عن حزب "العاملين" سامح حبيب، إن "الإصلاح" يهدد الأحزاب البريطانية بأجمعها، لأن اليمين الذي يخاطبه فاراج موجود في كل أحزاب البرلمان، كما أن المؤيدين لأفكاره يعيشون على امتداد مدن المملكة المتحدة.
ونوّه حبيب لـ"الشرق"، بأن الأصوات اليمينية التي تخلّت عن "العمال" في 2019 ووقفت مع "المحافظين"، يمكن أن تدعم "الإصلاح" هذا العام على حساب جميع الأحزاب المعروفة والتقليدية في البرلمان.
وكان نايجل فاراج "عرّاب" خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي "بريكست" عام 2014، كما قاد حزبه الذي كان يُسمى "بريكست" في 2019، نحو دعم "المحافظين" ورئيس الوزراء السابق بوريس جونسون للفوز بأغلبية برلمانية مطلقة مكّنته في ذلك الوقت من إتمام صفقة "طلاق لندن وبروكسل"، ووضع الخروج من التكتل الأوروبي حيز التنفيذ مطلع 2020.
وأشار حبيب إلى أن القرار المتأخر لفاراج بالمشاركة بالانتخابات يثير تساؤلات كثيرة، وهذا يحيلنا لتقارير تحدّثت عن محاولة تفاهم مع "المحافظين" لتفادي المواجهة في الاستحقاق، لكن المسؤول في وزارة الخزانة بيم أفولامي قال إن "الحزب الحاكم لن يبرم اتفاقاً مع أحد، لأن الانتخابات ميدان منافسة ديمقراطي متاح للجميع".
ورفض أوفلامي في حديث لصحيفة "الجارديان"، التسليم بنتائج استطلاعات الرأي التي تتوقع فوز "الإصلاح" على الحزب الحاكم، مشدداً على أن "المحافظين" لا يمكنهم بناء قرارتهم استناداً إلى التوقعات، كما أن "البريطانيين يعرفون أن التصويت لفاراج يخدم المعارضة أولاً وأخيراً".
ومن جهته، لا يبدو الوزير المحافظ السابق جاكوب ريس موج مطمئناً مثل أوفلامي لناحية إدراك البريطانيين لـ"خطر" دعم "الإصلاح"، لذلك توجه إلى اليمين بطلب الوقوف خلف حزبه وعدم الانقسام لأن ذلك "يصب في مصلحة حزب العمال".
أوراق انتخابية
وبعد "بريكست"، ابتعد فاراج عن العمل السياسي لنحو عامين أمضاهما في تقديم برنامج إذاعي عبر راديو "بريطانيا العظمى"، وقبل شهرين فقط من الاستحقاق، عاد إلى الواجهة عبر قيادة "الإصلاح" وإطلاق حملة تحت عناوين يقول الصحافي بجريدة "إندبندنت"، إنها مجرد دعاية لإثارة الانتباه، ولا يمكن أن تكون برنامجاً انتخابياً، منوهاً إلى أن "حزب الإصلاح شركة للترويج لصاحبها فاراج الذي يحلم بقيادة الحكومة في 2029".
وينادي فاراج بإعادة تأهيل الاقتصاد ومؤسسات حكومية مختلفة مثل مجلس اللوردات وشبكة الخدمة المدنية وهيئة الإذاعة البريطانية، لكن أقوى الأوراق الانتخابية التي يراهن عليها هي الهجرة التي فشل الحزب الحاكم في ضبطها، وأخفق "العمال" في طرح سياسات مقنعة إزائها.
وتقول الإحصائيات الرسمية إن أعداد المهاجرين ارتفعت بنحو 2.5 مليون مهاجر منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مطلع العام 2020.
ورغم اعترافه بأنها من صنيعة سلفه في قيادة الحزب، وعدم تقديمه أية توضيحات مالية بشأن واقعية تنفيذها كما تفعل الأحزاب عادة، يبدو أن وعود فاراج الانتخابية جذبت اهتمام الناخبين، ما جعل حزب "الإصلاح" يحل ثانياً في بعض استطلاعات الرأي، ما يطرح احتمال أن يقود فاراج المعارضة أمام حكومة العمال المتوقعة بعد انتخابات يوليو.
وقال زعيم "الإصلاح" في تجمع انتخابي إنه "مستعد لهذه المهمة، وقادر على جعل البرلمان أفضل مما هو عليه اليوم"، لكنه في الوقت ذاته لم يستبعد احتمال اندماج حزبه مع المحافظين بعد الانتخابات شرط أن يقوم الحزب الأزرق "بإعادة هيكلة نفسه"، أو بتعبير أخر كما يقول الباحث في الشأن البريطاني رياض مطر "أن يصبح شعبوياً".
حسابات ورهانات
ويلفت مطر في حديث لـ"الشرق"، إلى أن قيادة "الإصلاح" للمعارضة في مجلس العموم قد تربك حكومة "العمال" المقبلة مهما تمتعت بأكثرية برلمانية، لأنها ستصطدم بتيار يميني شعبوي يمكن أن يجبرها على تغييرات كثيرة في سياساتها الداخلية والخارجية، وهذا يقود في نهاية المطاف إلى مشكلات كثيرة ويخلق قلقاً كبيراً في مجتمع الأعمال والاقتصاد، كما حدث بعد قيادة ليز تراس للحكومة خلفاً لبوريس جونسون في 2022.
ورغم نتائج استطلاعات الرأي، لا يثق مطر كثيراً بإمكانية فوز فاراج بالكتلة الثانية في البرلمان. أولاً لأن اليمين لن يتخلى بسهولة عن حزب المحافظين الذي يمثله منذ 200 عام، وثانياً لأن أنصار "الإصلاح" يعيشون حالة عاطفية ودعائية ستصطدم بالواقع بعد فرز الأصوات في 4 يوليو المقبل، تماماً كما حدث عام 2019 عندما حصل فاراج على 5 ملايين صوت ولم يتمكن من دخول البرلمان بسبب النظام النسبي للانتخابات.
من وجهة نظر المرشحة عن حزب "الخضر" في لندن منى آدم، يبدو أنصار فاراج أكثر عدداً وأكثر إصراراً على الفوز مقارنة بعام 2019. كذلك لا ينكر أحد القبول الذي يتمتع به هذا السياسي في أوساط اليمين، لكن "الإصلاح" لن يتجاوز "المحافظين" في برلمان 2024، ولن يأخذ من أصوات الأحزاب الأخرى في مجلس العموم.
وترى آدم أن الأحزاب الصغيرة يمكن أن تستفيد من نفور الناخبين وامتعاضهم من "العمال" و"المحافظين" أكثر من "الإصلاح"، وإذا ما انعكست توجهات وقرارات البريطانيين في الاستحقاق البلدي على انتخابات البرلمان، فإن حزب العمال لن يتمتع بأكثرية مطلقة في مجلس العموم، وسيضطر إلى البحث عن ائتلاف حكومي لقيادة الدولة.
حرب أوكرانيا
وطغت نظرية "البرلمان المعلق" على التوقعات قبل أشهر من الانتخابات، ولكنها بدأت تتراجع مع اقتراب موعد فتح صناديق الاقتراع، وخاصة بعد أن أعلن فاراج ترشحه للانتخابات وقيادته لـ"الإصلاح"، إذ تقدم حزبه مباشرة 5 نقاط في استطلاعات الرأي، ومن هنا بدأ تتبع صعود السياسي اليميني المتطرف وحزبه في التقديرات والأرقام.
ويقول خبير شؤون الانتخابات السير جون كورتيس، إن تراجع فاراج وحزبه الذي كان يسمى "بريكست" في كثير من مناطق "المحافظين" عام 2019، سمح لبوريس جونسون بالحصول على أكثرية برلمانية كبيرة.
أما اليوم وقد دفع "الإصلاح" بمرشحيه لمواجهة "الحزب الأزرق" في كل مكان تقريباً، فإن ولاء الناس للحزب الحاكم يصعب الرهان عليه، ولا يمكن تقديره بشكل حقيقي قبل إغلاق صناديق الاقتراع وفرز الأصوات.
ويلفت كورتيس في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية إلى أن واحداً من كل 4 "محافظين" أو مؤيد للحزب، يمكن أن يصوت لصالح "الإصلاح"، وإن وقع هذا سيواجه الحزب الحاكم أزمة حقيقية ويخسر عدداً كبيراً من رصيده البرلماني والسياسي، ولكن "نايجل فاراج أفضل من يجذب الناس إليه وأفضل من ينفرهم منه في ذات الوقت".
ويشير الخبير في شؤون الانتخابات إلى أن تصريحات فاراج التي برر فيها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا بحاجته لمواجهة تمدد حلف الناتو والاتحاد الأوروبي في القارة العجوز، أثرت سلباً على شعبيته ومنحت "المحافظين" فرصة التحريض عليه لسبب منطقي بعيداً عن تخويف الناس من كير ستارمر وحكومته المقبلة.
ورغم ذلك، يعتقد كوريتس "أن الوقت المتاح قبل الانتخابات يتسع لمفاجئات أكبر، ويبقى التكهن بقرارات التصويت في يوم الاستحقاق أمراً قابلاً للقياس نسبياً وليس بالدقة التي نعتقدها".