باتت المناظرات التلفزيونية جزءاً هاماً من الحملات الرئاسية الأميركية، لكن تلك المرتقبة بين الرئيسين الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترمب، الخميس، تعد استثناءً، إذ سيكون التباين أكثر وضوحاً من أي وقت مضى في تاريخ المناظرات الرئاسية، وهما يختلفان اختلافاً جذرياً بشأن المصالح والتهديدات والفرص الأميركية، وفق ما أوردت مجلة "فورين بوليسي".
وإذا كانت لغة المناظرات حول السياسة الخارجية في الماضي، تركز على من يمكنه تحقيق الأهداف المشتركة بقوة أكبر، فإن الخطاب الحالي يدور حول ما يجب أن تكون هذه الأهداف: أميركا عالمية أم أميركا معزولة؟
وستكون المناظرة الرئاسية الأولى هذا العام مختلفة، إذ رغم أن ضبط النفس والتواضع أمران بغيضان بالنسبة لترمب، فإنه هو وداعموه قد تبنوا موقفاً في السياسة الخارجية يتحدى أهداف بايدن الرئيسية.
ودافع بايدن بقوة عن حلف شمال الأطلسي "الناتو" والتحالفات الأميركية التقليدية الأخرى، وأدان الغزو الروسي لأوكرانيا، كما قدم دعماً عسكرياً واسعاً إلى أوكرانيا، وتحدث ببلاغة عن دور واشنطن التقليدي كمروج للديمقراطية حول العالم.
وهذه المواقف ستكون مألوفة للرؤساء السابقين، إذ منذ عام 2021، وجه ترمب انتقادات حادة لهذه المواقف أكثر من أي مرشح ورئيس سابق منذ هربرت هوفر (الرئيس الـ31 لأميركا)، حيث أدان التحالفات الأميركية ورفض تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا، والأكثر إثارة للدهشة، نفى على الولايات المتحدة اهتمامها بنشر الديمقراطية في الخارج.
والتباين بين "دولية بايدن" و"عزلة ترمب"، باتت أكثر وضوحاً من أي وقت مضى في تاريخ المناظرات الرئاسية المتلفزة، وهما يختلفان اختلافاً جذرياً حول المصالح والتهديدات والفرص الأميركية.
الصين "خطر مشترك"
والمجال الرئيسي الوحيد في السياسة الخارجية الذي يتفق فيه المرشحان، وسيتجادلان فيه حول التنفيذ بدلاً من الأهداف، هو حماية الأعمال الأميركية من المنافسة الأجنبية غير العادلة، وخاصة من الصين، من خلال الرسوم الجمركية وغيرها من الإجراءات الحمائية.
وسيتجادل الطرفان حول من هو الأفضل في حماية الصناعات الأميركية، خاصة في الولايات المتأرجحة، وليس فتح الأسواق أو العمل مع منظمة التجارة العالمية التي تلقى انتقادات واسعة.
وبعيداً عن التجارة، وعلى عكس معظم المناظرات الرئاسية السابقة، من المرجح أن تكون أهداف السياسة الخارجية الأساسية موضوعاً رئيسياً بالنسبة لبايدن وترمب.
ومن شبه المؤكد أن يسأل المشرفون على المناظرة عن الحربين في أوكرانيا وغزة، وستكشف ردود المرشحين عن عمق خلافاتهم حول المفاهيم الأساسية في السياسة الخارجية الأميركية.
وسيدافع بايدن عن الدعم الأميركي لأوكرانيا باعتباره ضرورياً للتحالف الغربي والديمقراطية العالمية، فيما سيدين ترمب لإنكاره التهديدات للأمن الأميركي من روسيا والصين، وتقويض مصداقية الولايات المتحدة في الخارج، والتخلي عن الدفاع العالمي عن الديمقراطية.
وسينسب بايدن الفضل لنفسه في استعادة القوة والهيبة الأميركية، وسيرسم صورة لـ"حرب باردة" جديدة حيث يمكن للولايات المتحدة ويجب عليها أن تقود، على غرار السنوات الـ 70 الماضية، حسبما تتنبأ "فورين بوليسي".
وسينكر ترمب كل هذا ويدين المدافعين عن أهداف السياسة الخارجية السائدة باعتبارهم "خونة"، وسيجادل من أجل القوة الأميركية.
كما أنه سينكر المصالح الأميركية التي تدافع عن أوكرانيا وحلف الناتو والحلفاء الآخرين، وسيركز على ترتيبات المعاملات مع حكام دول مثل روسيا والسعودية وكوريا الشمالية وأحياناً الصين، وسيعد باستخدام القوة العسكرية الساحقة، بما في ذلك الأسلحة النووية، عندما يناسب ذلك الولايات المتحدة وحدها.
حرب غزة.. اختلاف جوهري
وستكون الاختلافات الجوهرية بين بايدن وترمب أكثر وضوحاً، عندما يتم سؤالهما عن الحرب الإسرائيلية على غزة المستمرة منذ أكثر من 8 أشهر، إذ يعبر بايدن عن الموقف الأميركي التقليدي المتمثل في الدعم القوي لإسرائيل والدفاع عن حقوق الإنسان للفلسطينيين من خلال حل الدولتين.
لكن ترمب يرفض أي صوت سياسي جاد للفلسطينيين، ويصر علبىلا أن دعمه إسرائيل يجب أن يكون ذي صيغة عسكرية أكبر، كما أنه ليس لديه رغبة في العمل كوسيط نزيه في المنطقة المضطربة، كما يعد أول مرشح رئاسي جاد يسعى إلى حل الدولة الواحدة، مع تمثيل فلسطيني ضئيل أو معدوم.
ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بكيفية رد فعل الناخبين على هذه الحجج في المناظرة المرتقبة، ولكن التوقعات تشير إلى مناقشة مختلفة تماماً عن أي نقاش سابق في السياسة الخارجية.
ورغم أن القضايا الداخلية ستستغرق وقتاً أطول على الأرجح، فإن مسائل السياسة الخارجية ستكون بارزة، وستوضح بعض الاختلافات السياسية الرئيسية، بعيداً عن الخطابة والمواقف وحدهما. ويقدم المرشحان سياستين خارجيتين مختلفتين، وينبغي أن يكون ذلك واضحاً في المناظرة.
ولن يقدم بايدن وترمب الكثير من التفاصيل في المناظرة حول كيفية تنفيذ سياساتهما المختلفة، ومع ذلك، يتعين على عامة الأميركيين أن يدركوا بشكل أفضل خيارات السياسة الخارجية في الانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل.