القراءة في الجزائر.. من الشاشة إلى مقاهي المدن

time reading iconدقائق القراءة - 6
فتاة تقرأ في إحدى فعاليات القراءة - @SharjahBookAuth
فتاة تقرأ في إحدى فعاليات القراءة - @SharjahBookAuth
الجزائر-عبد الرزاق بوكبة

 تأتي "أزمة المقروئية" في طليعة الأزمات التي تطغى على المشهد الثقافي في الجزائر. بالرغم من وجود مؤشرات على أنها ليست بتلك الحدّة التي تتحدث عنها الأوساط الأدبية والإعلامية، وخصوصاً بعد الإقبال اللافت على معرض الجزائر الدولي للكتاب، حيث تجاوز ستة ملايين زائر  في دورته الأخيرة.

بقيت نوادي القراءة التي انبثقت خلال السنوات العشر الأخيرة، في المحافظات الـ58، في حكم البطّة السوداء التي يتواطأ الجميع على عدم الاعتراف بها. وهي نوادٍ مستقلة عن الهيئات الحكومية، يؤطرها شباب من الجيل الجديد الذي يقال عنه إنه لا يقرأ ويتنمّر على القراءة، بصفتها سلوكاً قديماً. 

بدأت هذه الحركة القرائية الشبابية، تتشكل في مواقع التواصل الاجتماعي، ثم راحت تمتد إلى الواقع، من خلال نوادٍ ومجموعات حرّة، تحوّل بعضها إلى جمعيات معتمدة من قِبل السلطات، فيما ظل بعضها من دون أي إطار قانوني، يسمح لها بالنشاط في الفضاءات العامة. 

ثمرة السوشال ميديا

يقول الكاتب والناشر علي ميموني، المنشغل بموضوع القراءة في مدينة تندوف الجزائرية، "إن عمر مواقع التواصل في الجزائر  بلغ العقدين من الزمن، ومن الطبيعي أن تتراجع بنيات ومفاهيم لصالح أخرى، من غير الانتباه إلى ذلك أحياناً، فيستمر الناس في الاعتماد على أحكامهم السابقة، مع الاستمرار في نفي الجديد".

وكان مفهوم القراءة، بحسب صاحب كتاب "زنزانة 1.1"، "من بين المفاهيم التي مسّها التحول. فانتقل من مقام الفردانية والخلوة، إلى مقام القراءة الجماعية الحميمية، حيث بات الجيل الجديد يجد متعته في مشاركة ما يقرأ مع نخبة ممن يشبهونه ويشاركونه هواجسه، ويعلقون على منشوراته وصوره وفيديوهاته". 

يشرح قائلاً "من هنا بالضبط انبثقت نوادي القراءة. ولأنها ثمرة التحوّلات التي خلقتها السوشال ميديا، بصفتها مخيالاً، فإن معظمها يتحفّظ على الانضمام إلى هيئة حكومية، في مقابل تحفّظ النخب الكلاسيكية، على هذه النوادي، بالرغم من ثمارها الملموسة في الميدان". 

مبادرات غير مسبوقة

ويذكر الناشط القرائي أيوب روباش من خلال تجربة ناديه، وتجارب نوادٍ أخرى، جملة من المبادرات القرائية التي منحت فعل القراءة أهمية،  وخصوصاً بين جيل الشباب، فضلاً عن إنجاز مكتبات صغيرة في الفضاءات الشعبية، كالمقاهي والمستشفيات والحدائق والحافلات المخصّصة للمسافات البعيدة، تقوم على مبدأ "ضع كتاباً وخذ آخر". 

ويعتبر أن هذه المبادرات "أثمرتها حاجة الشارع الجديد إلى أن يكون الكتاب في متناوله، وخارج الفضاءات الرسمية المنغلقة على نفسها، حيث بات تشنّج المواطن منها، سبباً في مقاطعته لها، بما جعل كثيرين يعتقدون أن هناك عزوفاً شاملاً عن القراءة، بينما هو في شطر كبير منه، عزوف عن الطرق القديمة والمتكلّسة في تقديم الكتاب. 

نقلنا هذا الطرح إلى رئيس "نادي أوراق العنّاب" الكاتب كريم كعرار، فقال: "إن نوادي القراءة لا تطرح نفسها بديلاً للمكتبات الحكومية والخاصة التي لها سياقها ومذاقها وجمهورها. غير أن اللحظة الشعبية العامة، أصبحت تحتاج إلى أفكار جديدة ومبتكرة تتماشى مع الشغف الشعبي العام. ويفترض أن الهيئات الكلاسيكة المشرفة على القراءة، تستفيد منها وتوفر لها شروط التجسيد في الميدان، فلا يبقى الطرفان معزولين عن بعضهما". 

طوفان ثقافي

حضرنا أحد النشاطات القرائية للنادي، في أحد مقاهي مدينة عنّابة، ومنها أخذ النادي اسمه، حيث رصدنا تبادل الأحاديث والأفكار والكتب. 

لقد انبثقت من الجلسة فكرة استغلال أصحاب الدراجات الهوائية، في إيصال الكتب إلى المواطنين، بالتنسيق مع البلدية والمتحف الأثري، وسميت التظاهرة بـ"طواف عنابة الثقافي". 

لم يكن الحاضرون جميعاً من النخبة المحسوبة على الكتابة والكتب، بل استقطبت الجلسة روّاد المقهى الحاضرين.

سألناه إن كان شغوفاً بالقراءة، حتى سمح بهذه الجلسات في مقهاه الذي يحمل اسم "مقهى فلسطين"، فقال: "إن الجزائريين اعتادوا أن يحصلوا على رشفة فن أو أدب، مربوط بالذهاب إلى المكتبات ودور الثقافة، وهو ما ليس متاحاً للجميع، فإذا بأهل الفنون والآداب يأتون إليهم، في الفضاءات الشعبية". 

وتابع: "تاريخياً كان المقهى حاضنة للفنون في الجزائر، قبل وبعد الاستقلال، ثم تلاشت هذه العادة، بفعل سنوات القتل والإرهاب، وآن لنا أن نستعيدها، بعد ان زالت دواعي تلاشيها". 

بسكرة تقرأ.. المحرك القرائي

في الدورة الثامنة من "الملتقى الوطني للقراءة"، وجدنا أنفسنا أمام شباب ينتمون إلى ثلاثين نادياً، من الجهات الأربع للجزائر. كان الهاجس الأكبر للجلسات والمداخلات والورش التكوينية هو كيفية ابتكار طرق جديدة، لإيصال الكتاب إلى من هو مؤهل للقراءة؟  

يقول رئيس الجمعية وعضو "المرصد الوطني للمجتمع المدني" شكري حفيظ، إننا أوغلنا في الحديث عن العزوف عن القراءة، من غير رصد السياقات الموضوعية التي أدت إلى ذلك، واقتراح حلول وبدائل ناجعة، "لأن اكتفاء النخب والوصاية الثقافية بالشكوى، هو إدانة لهما، واعتراف ضمني منهما بعجزهما".  

ويشرح في معرض تقديمه لبعض البدائل: "نحن ننظم منذ سنوات معارض للكتاب، في الحديقة العامة، ولمسنا إقبالاً شعبياً مدهشاً، تعدّى تبادل وشراء الكتب، إلى نسج علاقات ثقافية بين المواطنين. كذلك فإن التظاهرة نفسها لو نظّمت في فضاء مغلق، لكانت قريبة إلى الفشل. علينا أن نربط الكتاب بالفضاء العام، حتى يكون التفاعل معه عاماً". 

المرافقة بدلاً عن الاحتواء

وعن رأيه في مبادرات وزارة الثقافة والفنون للانفتاح على هذه النوادي، قال الناشط الجزائري إنه "لا ينبغي جرّ النوادي الحرّة إلى شروط الهيئات القرائية الحكومية، فتصاب هي الأخرى بالتكلس والنمطية، بل يجب دفع تلك الهيئات، إلى دعم تلك النوادي لتوسيع نشاطها وتحقيق أهدافها". 

تصنيفات

قصص قد تهمك