اليوم العالمي للغة العربية.. هنادا طه لـ"الشرق" : كونوا على قول واحد "احكوا عربي"

time reading iconدقائق القراءة - 10
رئيسة مركز "زاي" لبحوث اللغة العربية هنادا طه. نوفمبر 2025 - الشرق
رئيسة مركز "زاي" لبحوث اللغة العربية هنادا طه. نوفمبر 2025 - الشرق
دبي-ثناء عطوي

ليس كغيره من مراكز البحوث اللغوية، أفكاره شابّة حيوية ومواكبة للعِلم والعالم. مركز "زاي" لبحوث اللغة العربية التابع لجامعة زايد، الذي تأسس قبل نحو عامين، لا يأخذ اللغة بمعناها التراثي القديم، ولا من منطلقات نظرية وتنظيرية، وإنما من واقع الأرض ونتائج البحث. 

رئيسة مركز "زاي" الدكتورة هنادا طه، ترصد المناطق الأكثر ضعفاً في مفاصل اللغة، تتعمق في سيكولوجية القراءة، وتسعى لإيجاد منافذ تدفع بالعربية نحو التقدّم لدى الأجيال الجديدة. بل إنها تؤمن بأن أزمة العربية أو مأزقها لا يكمن فيها، بل في أهلها المفتونين بالأجنبية وكأنها الخلاص.

"الشرق" التقت هنادا طه، التي شغلت كرسي الأستاذية في تعليم اللغة العربية في جامعة زايد بالإمارات. وعملت لسنوات في جامعة "سان دييغو" الحكومية في كاليفورنيا أستاذة للغة العربية ومديرة برامجها. كما وضعت مشروعات وبحوث عدّة في مجال تحديث أساليب تعليم العربية وتعلّمها. 

نبدأ من واقعنا فنسمع الألسن تغزل الإنجليزية على مدار الساعة، وبيوتنا تدور فيها أحاديث بلغات آسيوية وأجنبية، وشوارع لا مكان فيها لأحرف الضاد. ماذا يمكن أن نقول في يوم اللغة العربية؟

لا يلزمنا هذا اليوم لنركز على لغتنا، فإحياء أمر ما يضعه في عداد الأمور التي ستنقرض. إن اللغة التي تتعرض للانقراض هي لغة يتحدث بها أقل من 10 آلاف شخص. بينما يتحدث بالعربية نحو 500 مليون لسان يومياً، وتمثّل لغة الدين الواحد لأكثر من ملياري مسلم حول العالم. في الواقع لغتنا العربية بألف خير لكن تعليمها ليس بخير. 

وكيف تكون اللغة بخير؟

نحتاج إلى جامعات تعيد تشكيل كليات التربية فيها من البداية، وإعادة هيكلة وهندسة معلّمي العربية من الجامعات. القضية تبدأ من هناك، من وضع سياسات لغوية حديثة، العالم العربي ضائع في هذا المجال.

في الخليج مثلاً، ولأن الطاغي على الفضاء العام هو الإنجليزية، نحن بحاجة إلى أن ندفع الإنجليزية جانباً، ونتواصل بالعربية فقط مع أولادنا. الإنجليزية مادة، وليست حياتي كلها. لدينا أسطورة خاطئة منتشرة، وهي أنه يجب أن نحكي الإنجليزية أحسن من الإنجليز كي ننجح في حياتنا، وهذا ليس صحيحاً ولا ضرورياً.

يقدم مركز "زاي" نفسه كمتخصص في مجالات تحديث تعليم اللغة العربية وتعلمها، كيف يعمل هذا المركز؟ 

لاحظنا عبر السنوات، أن تعليم اللغة العربية في الغالب رديء، وغير منتظم، ولا يلقى العناية الكافية، إن لجهة التعليم أو التمويل أو السياسات التربوية واللغوية. بمعنى أن اللغة العربية متروكة، وهذا يضعنا أمام أزمة هوية، وأزمة وطنية ووجودية، بمعنى من نحن فعلاً؟

أي دول تقصدين فيها أن تعليم العربية يتم بشكل رديء؟

في كل بلداننا العربية. هناك أزمة وجودية، بل افتتان بكل ما هو أجنبي. بل هناك إيمان مطلق بأن اللغة الإنجليزية هي المخلّص، وأن الإنسان العربي الذي لا يعرف الإنجليزية، لن يحصل على مهنة محترمة في مسيرته.

أعتقد أن ذلك وهم. صحيح أن الإنجليزية مهمّة، ومعرفة اللغات مسألة جيدة، لكنها أصبحت مبالغة بالنسبة إلينا، وصلت إلى مرحلة القول بماذا تفيدنا العربية؟ ولدرجة أن الطلاب أيضاً يسألوننا في بلدان كثيرة نزورها: لماذا يجب أن ندرس العربية؟ هذه مسألة خطيرة ومُحبطة، ومن غير الطبيعي أن يسأل أحد لماذا يجب أن يجيد لغته.

لكن هل فعلاً أصبحت الفصحى ثقيلة وصعبة على أبنائها وخصوصاً الجيل الجديد؟

ببساطة الفصيحة هي ثقيلة على من لا يتعرّض لها. نحن نحب ما نجيد. نحب ما نسمع باستمرار، حتى الأغنية التي نسمعها تصبح جزءاً من ملفنا اللغوي والعاطفي.

الفصيحة هي بوابتنا لكل إرثنا الحضاري والديني والتاريخي، وكل ما يربطنا بمن نحن. إن عدم تمكننا من الفصحى يشكّل انقطاعاً وجودياً عن من نحن.

ماذا يقدّم زاي ما لا تقدّمه المراكز اللغوية الأخرى؟

 توجد في بلداننا مراكز لتعليم العربية لغير الناطقين بها، لكن لم نجد أي مركز يشتغل على تعليم اللغة للناطقين بها.

ولأني آتية من مجالات التربية والتعليم وصناعة المناهج وصناعة السياسات التربوية، فضلاً عن تدريب المعلمين، فعندما اطلعنا على المراكز الموجودة في الوطن العربي، وجدنا أن هناك الكثير من المراكز باللغة العربية. منها ما هو مخصّص للأدب ومنها للشعر، وهناك المجامع اللغوية أيضاً. لكن مراكز تعليم العربية للناطقين بها تحديداً غير متوفر.

لذلك عندما يأتينا طلب لتدريب الأجانب، نحيلهم إلى مراكز أخرى، لأننا إذا وسّعنا دائرة اشتغالنا سنضيع عن الهدف الرئيس. إن أي مركز يجب أن يكون متخصصاً بمسألة محورية. أوجدنا المركز لأن هناك قضية نريد التركيز عليها. وهذا ما فعلناه في مركز "زاي"، الذي وُجد من أجل قضية رئيسة سنركز عليها وحدها، وليس على قضايا فرعية أخرى.

 كيف تفيدون الناطقين بلغتهم؟

وضعنا منذ البداية مسارات لعملنا. المسار الأول بحثي خالص، يتعلق بنشر أهم الدراسات العالمية حول تعليم العربية للناطقين بها، والقضايا ذات الصلة في مجلات عالمية.

بعد نشرها ترجمناها إلى العربية، تمّ تلخيصها وتييسيرها ووضعناها في متناول المعلمين والممارسين التربويين وصُنّاع القرار. أصبح  لدينا مئة بحث علمي متوفر على موقعنا. مبسّط ميسّر ومترجم. ومن بينها بحوث  أنجزناها في مركز "زاي" مثل بحث "الطلاقة في القراءة". كذلك سننشر قضية "الازدواجية اللغوية"، التي تُعدّ من أهم البحوث في هذا المجال.

كذلك نحن نأتي بعيون البحوث العالمية المنشورة عن موضوع تعليم العربية، ونترجمها ونضعها في متناول المختصّين والمهتمين.

نحن نتعاون مع باحثين حول العالم، في مجالات متنوّعة. فلدينا باحث من جامعة هارفارد، وآخر من جامعة حيفا، وفي ألمانيا هناك طبيب دماغ يضعنا في أحدث ما توصّل إليه العلم في مجال مرتبط  بعلاقة اللغة بالدماغ، وآخر مختص بالذكاء الاصطناعي، وآخرين في دول عدّة.

نحاول أن نجمع أهم الباحثين المرتبطين باللغة والعوامل التي تؤثر وتتأثر بها. مستندين بشكل علمي غير نظري، إلى ما يسهم في تطوير هذه اللغة وتعزيزها بين أبناء الجيل الجديد.

في المرحلة الثانية، نأخذ ما استخلصناه من البحوث، ونطوّر أدوات للتعامل معه. وأوّل أداة كانت "سرد"، وهي أداة ذكية لتشخيص صعوبات القراءة المبكرة عند الصغار، من الصف الأول وحتى السادس. أطلقناها حديثاً وجرّبناها على 500 طالب، ونعدّلها باستمرار بناء على البحوث الجارية.

لقد توصّلنا إلى ذلك كله، لأننا نعرف من البحوث أن هناك 16 مهارة ليصير التلميذ طليقاً في القراءة، وأصبح هناك ما يسمى اليوم بعلم القراءة أو Science of Readig.

هناك أداة تنبؤيىة أخرى نطوّرها تتعلق بالأولاد من عمر 4 إلى 6 سنوات قبل أن يدخلوا إلى المدرسة، نركز فيها على مهارات التعلّم، ونتنبأ فيها إذا كان سيعاني الطفل من صعوبات في القراءة، كي يبدأ الأهل والمدراس بمساعدته مبكراً.

المسار الثاني يتعلق بتدريب المعلمين. لدينا اليوم نحو 180 فيديو متوفّر على المنصّة من خبراء حول العالم، تتعلق بعلم الأعصاب، وبحوث الدماغ والبحث العلمي، وطرائق تعليم العربية، وكيف نطوّر تعليم الأطفال. 

كذلك نظّمنا دورة حول المقامات والموسيقى العربية للمهتمّين. ومركز "زاي" يمنح شهادات للذين ينجزون دورات كاملة في هذا المجال. نعمل أيضاً على مشروع "بارق" بالتعاون مع جامعة نيويورك أبوظبي، ومركز أبوظبي للغة العربية برئاسة الدكتور علي بن تميم.

مضى على المشروع 3 سنوات وأطلقناه حديثاً، وهو أول "مكنز" عربي يصنّف مستوى أي جملة عربية. يضم المشروع 10 ملايين كلمة مصنّفة. ومستمرين بهذا الجهد في "بارق 2" الذي سيطلقه مركز أبوظبي للغة العربية قريباً.

ما هي الخطط التي تحملونها لتطوير المشروعات اللغوية؟

نحن نقوم بخدمات بحثية لجهات مختصّة مثل "أديك" أبوظبي وغيرها من جهات رسمية، لكن نريد أن تكون المشروعات التي يقوم بها مركز "زاي" ويستفيد منها أهل العلم والاختصاص وأبناء العربية، على نطاق أوسع.

المعارف المتعلقة باللغة العربية في عالمنا قليلة وضامرة. لا يوجد لدينا رفاهية الوقت، ولا يسعنا أن ننتظر الآخرين حتى يبدأوا. يجب أن نستخدم ما هو موجود بحوزتنا، والاشتغال أكثر للوصول إلى وزارات التربية والتعليم في الوطن العربي.

 أعتقد أن هناك أزمة ثقة بين الوزارات والمراكز البحثية. ما نريد أن نكونه في "زاي" هو الذراع البحثية، وذراع تطوير المناهج وأدوات قياس للوزارات.

كما نطمح أيضاً أن نبدأ العمل على بحوث الدماغ عبر استخدام الرنين المغناطيسي. حصلنا على الأدوات ولدينا التوجه والفكرة والتمويل، لكن الأهالي ما زالوا متخوفين، علماً أنها وسيلة علمية حديثة أمنة ودقيقة جداً. لذلك نحتاج إلى تعاون المدارس معنا.

لنكن عمليين، إلى ماذا نحتاج بإلحاح كي نحمي لغتنا؟

نحتاج إلى أن نصل للأهل، والوزارات المعنية. نحتاج إلى أن نكون على قولٍ واحد "إحكوا عربي".

تصنيفات

قصص قد تهمك