تعرض فيينا حتى أبريل المقبل 2022، أعمالاً فنّية تنتمي للحقبة النازية، تشمل منحوتات نيوكلاسيكية، ولوحات فنية عليها ختم "الصليب المعقوف"، بعدما تنكّرت النمسا طويلاً لهذا الإرث الثقيل.
ويسلّط المعرض الذي يقام في أحد المتاحف بالعاصمة النمساوية بعنوان "فيينا تنتظم في الصف"، الضوء بشكل غير مسبوق على السياسة الفنية لموطن أدولف هتلر الذي ضمته ألمانيا النازية إلى أراضيها في عام 1938.
ويضمّ المعرض لوحات وفخاريات وملصقات يُمنع طرحها في السوق، وقرّر متحف فيينا عرضها مرقمةً من دون ترتيبها بالكامل، كما لو كانت معدة للعرض سريعاً قبل إعادتها إلى المستودع.
ولا يمكن عرض هذه الأعمال بطريقة فنّية كما في متحف اللوفر على سبيل المثال، لأنّها شاهدة على التاريخ ولا يمكن اعتبارها مجرد أعمال فنية.
وقالت إنجريد هولزشوه، واحدة من القيّمين على المشروع الذي أعدّته بعد 4 سنوات من الأبحاث "كان واضحاً لنا أنّ هذا العمل لم يكن عرضاً فنياً كلاسيكياً".
سيطرة ثقافية
وأضافت أنّ المعرض كان عليه "أن يكون فوضوياً"، لتجنب "إعطاء هالة" للمجموعة المعروضة.
واعتبرت هولزشوه أنّ الوقت قد حان لـ"مواجهة التاريخ"، لأنّ "الثغرات التي يتعيّن سدّها لا تزال كثيرة"، في حين أنّ القانون النمساوي يعاقب بشدة أي طرف يمجّد النازية.
وبعد ضمّ النمسا إلى ألمانيا على يد الحكومة النازية في 12 مارس عام 1938، سيطر النظام على السياسة الثقافية بهدف جعلها "منسجمة مع رؤيته الأيديولوجية والعنصرية".
وكان على الفنانين التسجيل لدى هيئة وصاية نازية كانت تُسمى "غرفة الفنون الجميلة" ومهمتها التأكد من أنّ العمل الفنّي يتوافق مع الشرائع التي تمليها برلين آنذاك.
ولم تغيّر الأعمال المعروضة تاريخ الفنّ، ففي إحدى اللوحات ترسم هيرتا كاراسيك سترزيجوفسكي بواقعية فلاحة صغيرة، أما إيجو بوتشه فيخلّد في بعض لوحاته الزيتية دخول هتلر إلى فيينا.
وبالتالي، كان الفنانون ينجزون أعمالهم مستجيبين لحاجات الدعاية السياسية النازية.
إقبال كبير
ويذكر كتيّب المعرض المكون من 300 صفحة أنّ من رفض الامتثال للقواعد النازية، اضطر إلى الفرار أو أُرسل إلى معسكر اعتقال.
وبعد عام 1945، أُرشِفت آثار هذا التيار داخل قبو. وقدمت النمسا نفسها كضحية للنازية. ولم يُنفّذ أي عمل لإحياء الذاكرة حتى نهاية الثمانينيات.
وافتُتح المعرض في أكتوبر الماضي، واستقطب أكثر من 4 آلاف زائر خلال الشهر الأول. ووفق الناطقة باسم المتحف كونستانزي شافر، فإن ذلك يدل على "الاهتمام الكبير" لدى الجمهور بإجراء مراجعة تاريخية لهذه المرحلة.
واعتبر مدير مركز توثيق المقاومة النمساوي المؤرخ جيرهارد بومجارتنر، أنّ "الحالة المزاجية العامة تغيّرت وبدأت عملية تأمل وتفكير" في العقود الأخيرة.
وعندما شارك حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف الذي أسسه نازيون سابقون، في الحكومة، حرص على إظهار حسن نيّة من خلال دعم جميع المبادرات لإحياء ذكرى ضحايا "الهولوكوست".
وأطلقت فيينا في الآونة الأخيرة مسابقة هدفها وضع إطار تاريخي لتمثال كارل لوجر، وهو رئيس سابق لبلدية العاصمة عُرف بمواقفه المعادية للسامية وشكّل مصدر إلهام لهتلر، فيما تعيد المدينة درس أسماء شوارعها، التي يكرّم بعضها شخصيات تحوم شبهات حولها.
وقالت العضو في مجلس البلدية فيرونيكا كوب-هاسلر "من الضروري أن تكون لديك معرفة كاملة بالماضي لاتخاذ قرارات مستقبلية"، مشددة على أهمية أن يتمتّع الشخص بـ"ثقافة الذاكرة" و"نظرة نقدية".