بعد جدل "الغريب".. هل تصلح العامية لترجمة كلاسيكيات الأدب العالمي؟

time reading iconدقائق القراءة - 7
غلاف رواية الغريب للفيلسوف الفرنسي ألبير كامو- ترجمة هكتور فهمي باللهجة العامية المصرية - الشرق
غلاف رواية الغريب للفيلسوف الفرنسي ألبير كامو- ترجمة هكتور فهمي باللهجة العامية المصرية - الشرق
القاهرة-أماني السيد

أثارت ترجمة رواية "الغريب" للأديب الفرنسي ألبير كامو بالعامية المصرية، آراء متباينة بين مؤيد ومعارض، وتساؤلات عن إشكالية تقديم كلاسيكيات الأدب العالمي بلغة تختلف عن اللغة العربية الفصحى، وتأثير اللغة في قوة العمل.

التساؤلات بدأت بعد أن تُرجمت رواية "الغريب" بلهجة محلية، وسبق أن ترجمها التونسي ضياء بوسالمي إلى اللهجة التونسية بدلاً من الفصحى، كما سبق أن ترجم عالم النفس مصطفى صفوان مسرحية "عطيل" لويليام شكسبير إلى العامية المصرية أيضاً.

وصدرت "الغريب" عن دار "هن" للنشر والتوزيع، وترجمها هكتور فهمي المترجم المصري المقيم في فرنسا الذي سبق له أيضاً ترجمة "الأمير الصغير" لأنطوان دو سانت إكزوبيري بالعامية.

أسباب اختيار العامية

وكشف هكتور لـ"الشرق" أن "السبب الرئيسي لاختيار العامية كان بهدف لفت الانتباه إلى مشكلة الازدواج اللغوي في مصر"، مضيفاً أنه "يرفض مصطلح العامية، ويعتبر اللغة المصرية منفصلة عن اللغة العربية، ولها مستويات مختلفة"، لافتاً إلى أن العمل قُدّم بـ"اللغة المصرية الفصحى"، وفق تعبيره.

وتابع: "الجيل الحالي في مصر منفصل عن الثقافة بسبب الأعمال التي يغلب تقديمها بلغة غير مستخدمة في الحياة اليومية وتشكل عبئاً لفهمها".

وتأتي ترجمة كلاسيكية الأدب الفرنسي بالعامية لواقع شخصي مر به هكتور، وهو انصرافه عن قراءة الترجمات بالفصحى، إذ قال "أنا أجيد الفرنسية، وقد اطلعت على ترجمات العمل بأكثر من لغة للوصول إلى المعنى الأدق".

"منظور خاطئ"

ويرجع اختيار رواية "الغريب" للترجمة إلى الروائي والناشر رجائي موسى، والقائم بمراجعتها قبل النشر، وكشف لـ"الشرق" سبب موافقته على طرحها بالعامية، قائلاً: "البعض يتعامل مع اللغة المصرية والعامية باعتبارها لغة العوام، وأقل منزلة من الفصحى ولا تصلح للأدب، وهذا منظور خاطئ، وكأن الثقافة لها لغة خاصة بالنخبة فقط".

وعن تاريخ اللغة المصرية، أوضح موسى أنها "ترجع إلى القرن السابع الميلادي، ولها تراكيبها وقواعدها الخاصة، ثم تلتها المصرية الحديثة التي تتمتع بتشبع من اللغة العربية، وتعد رافداً مهماً منها"، وتساءل: "لماذا نستقبل الكتابة بالعامية في الشعر ونرفضها في الرواية؟".

وأضاف الناشر بدار "هن" أن "ترجمة (الغريب) تعد تجربة لاستمرار اللغة المصرية". ويرى أن "تقديم العمل باللغة المصرية فرصة لنشر ثقافي عن مصر، باعتبارها تجربة في الإبداع"، وتابع: "تستضيف الرواية اللغة المصرية بدلالتها كاملة، وهذا ليس ضعفاً في الترجمة أو اللغة".

انتقادات حادة

رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة الدكتور صلاح فضل، وهو أحد أبرز الرافضين لترجمة الأدب بالعامية، قال لـ"الشرق" إن ترجمة الرواية الفرنسية للعامية "تصرف سيئ ورديء، ويشوه نموذجية العمل الإبداعي التي تحتمل في درجة كبيرة منها على الصياغة لمستوى اللغة الكلية، أو كما تسمى اللغة الأدبية".

وأشار فضل، صاحب العديد من الترجمات من اللغة الإسبانية، إلى أن "العامية لغة كلام فقط، وليست لغة ذات ثراء معجمي"، موضحاً أنه "هذه التصرفات لا يرتكبها إلا من اشتدت غربتهم مع وطنهم، وانفصل وجدانهم، وأصبحوا يعيشون في وهم يدفعهم للاعتقاد بأن الفصحى لغة صعبة، والعامية أسهل منها في الكتابة والقراءة"، معتبراً ذلك "خطأ فادحاً لأن العامية شديدة الصعوبة في القراءة والتواصل الإبداعي".

ورأى أن "الترجمة بالعامية تسقط من نظر بقية الشعوب العربية لوجود اختلافات جذرية في اللهجات"، مشيراً إلى أنه "لا يوجد مجال للمقارنة بين الشعر بالعامية والأدب، باعتبار أن الشعر له إيقاعاته وصورته الفنية البديعة التي ينافس بها شعر الفصحى"، ويضيف: "تزداد قيمة شعر العامية بالغناء لأنها عملية فنية".

إشكالية الترجمة بالعامية

وتتجدد إشكالية الترجمة بالعامية مع إصدار ترجمات بلغة تختلف عن العربية الفصحى، وأوضح المترجم طه عبد المنعم أن "الأزمة أثيرت سابقاً بترجمات للعامية، مثل ترجمة مصطفى صفوان لمسرحية (عطيل) لشكسبير".

وفي حديثه لـ"الشرق"، ضرب عبد المنعم مثالاً، وهو ترجمات أعمال شكسبير بلغات ولهجات عديدة حول العالم، وعن رأيه في ترجمة روائع الأدب بالعامية، قال "قضية ترجمة النصوص للعامية قديمة، ولكنها لم تتصدر المشهد من قبل، وهذا المجهود لا يقلل من اللغة العربية في شيء".

ولم يلجأ عبدالمنعم للترجمة بالعامية سابقاً، ولكنه يرى أنه في بعض الأحيان توجد كلمات ومصطلحات لا تُفهم إلا بترجمتها للعامية، متطرقاً إلى أن ترجمة كلاسيكيات الأدب العالمي بالعامية تتيح وصولها للقراء، وتابع: "تعدد الترجمات يثري النص، فالمترجم ينقل روح النص".

قدسية العربية الفصحى

ولم يتوقع المترجم المصري حدوث هذا الجدل قبل قراءة العمل، خاصة أنه لم يمر بمرحلة الطباعة بعد، ويرى هكتور أن سبب ظهور الإشكالية هو "مساس لغة العمل لاثنين من المقدسات، وهي كلاسيكيات الأدب العالمية، واللغة العربية الفصحى".

وأضاف لـ"الشرق" أنه "باعتبار أن الرواية عمل فلسفي أدبي، وأن الاعتقاد الشائع في أن فهمها يتطلب لغة قوية مثل اللغة العربية الفصحى، استطعت ببساطة طرح العمل المترجم عن كلاسيكية عالمية، ولكن بلغة مصرية".

وعن الجدل حول الفصحى والعامية، قال الكاتب المصري المقيم في المملكة المتحدة سامح فكري حنا، إن "الخطورة تكمن في تعزيز الاستقطاب بين المنشغلين بالعمل الثقافي، بما يحجب الرؤية عن الواقع التاريخي والاجتماعي المعقد للغة (في مستوياتها المختلفة)، وكذلك الواقع المعقد للترجمة".

وأكد لـ"الشرق" أن "اقتران الفصحى بالمثقفين والأدب له أبعاد تاريخية واجتماعية"، معتبراً أن الأهمية جاءت "من كون الفصحى هي الوسيط اللغوي للنص القرآني، وهو النص المقدس المركزي في الثقافة العربية".

وتابع "كذلك التدوين منح الفصحى سلطة رمزية، كما منح كل من يستخدمها في التعبير رأسمال رمزي تفتقر إليه العامية، التي ارتبطت في الأذهان بالشفاهي، وما هو زائل وغير ثابت وغير أصيل".

وأشار حنا إلى أن المؤسسات المجتمعية والثقافية لعبت دوراً كبيراً في ترسيخ هذه الثنائية، وأوضح أن "الوضع تغير قليلاً في العقود الأخيرة بسبب الإنتاج الأدبي لكُتاب أنتجوا نصوصهم بالعامية مثل عبد الرحمن الأبنودي، وصلاح جاهين وغيرهم".

تصنيفات