مصر.. مجمع اللغة العربية يبحث "تعريب العلوم"

time reading iconدقائق القراءة - 11
جانب من فعاليات المؤتمر السنوي الـ88 لمجمع اللغة العربية في العاصمة المصرية القاهرة- في 9 مايو 2022 - الشرق
جانب من فعاليات المؤتمر السنوي الـ88 لمجمع اللغة العربية في العاصمة المصرية القاهرة- في 9 مايو 2022 - الشرق
القاهرة-الشرق

انطلقت فعاليات المؤتمر السنوي الـ88 لمجمع اللغة العربية في مصر، السبت، بحضور أعضاء المجمع في القاعة الرئيسية بمقر المجمع في جزيرة الزمالك بالقاهرة، بعد توقف دام عامين بسبب جائحة كورونا.

ورغم تراجع الجائحة إلى حد كبير في مصر والدول العربية، فضّل عدد من الأعضاء والضيوف المصريين والعرب المشاركة افتراضياً في فعاليات المؤتمر الذي حمل عنوان "تعريب العلوم.. التجارب والمشكلات والحلول".

تدارُك

استهل المؤتمر أعماله بكلمة رئيس المجمع الدكتور صلاح فضل، الأكاديمي والمترجم المصري، والتي بلّغ عبرها تحيات ودعم وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري الدكتور خالد عبدالغفار لأعضاء المجمع، معبّراً عن استجابة الدولة والمجتمع لرسالة مجمع اللغة العربية والتعويل عليها في إحياء اللغة.

ورأى فضل أن التطرق إلى قضية تعريب العلوم مرة جديدة في المؤتمر، هذا العام، يمس عصباً حساساً وثيق الصلة بقضايا اللغة والثقافة والمعرفة والعلم والمستقبل.

وخلال كلمته، دحض رئيس المجمع عدة فرضيات متصلة بمشاكل تعريب العلوم، أولها التفريق بين مفهوم "اللغة الأم"، وهي لغة الكتابة والعلم والثقافة والتراث وبين اللهجات المنبثقة عنها، إذ يزعم البعض أن سبب تراجع الإبداع العلمي العربي عدم تفكير العرب بلغتهم الأم، حاسبين اللهجة لغة والعاميّات لغات، وفق تعبيره.

 واعتبر فضل أن قضية زمن الاحتجاج، وهو الزمن الذي يحتج بما قبله في تدوين التراث اللغوي العربي، وتعسف البعض في حصرها بسقوط الدولة الأموية، يسلب العربية فضلها في نقل العلوم إلى العربية عبر حركة الترجمة الواسعة التي استضافها بيت الحكمة في عصر الخليفة المأمون، أحد خلفاء الدولة العباسية. 

"مهمة مقدسة"

أما الدكتور عبد الحميد مدكور، الأكاديمي المصري وأمين عام مجمع اللغة العربية، فاضطلع في كلمته بحصر أعمال ومستجدات المجمع بين المؤتمرين: الأخير في 2019 والمنعقد حالياً، وما شهده المجمع من رحيل أعضاء بلغ عددهم 21 عضواً، فضلاً عن إنجازات البرنامج الثقافي للمجمع.

 ولفت مدكور إلى تجربة قصر العيني في تدريس الطب باللغة العربية التي تزعمها الطبيب الفرنسي "كلوت بك"، والتي نجحت حتى أجهضها المعتمد البريطاني "اللورد كرومر" إبان الاستعمار الإنجليزي لمصر.

واعتبر أن تعريب العلوم بطرق الاشتقاق أو الترجمة أو الإضافة أو الصياغة مهمة "علمية مقدسة". واستحث الآلاف من طلاب العلم المبتعثين سنوياً في مختلف التخصصات على ترجمة كتاب واحد أثناء بعثاتهم لتوسيع نطاق اللغة، مؤكداً أن تعريب النظام التعليمي يحتاج إلى سياسة متدرجة.

وفي تصريحات لـ "الشرق"، أشار الأمين العام لمجمع الخالدين إلى أن لجان المجمع "لم تتوقف" عن العمل خلال عامي الجائحة؛ ويقدّرها بما يزيد عن 35 لجنة، واصل أعضاؤها العمل مع التوسع في الاعتماد على التقنية في التواصل بين الأعضاء ومباشرة أعمال المجمع التي ألقى فيروس كورونا بظلاله عليها من خلال تعطيل المؤتمر السنوي.

 وفقاً لمدكور، فإن تعريب التدريس والتأليف مراحل لا تأتي بجرّة قلم، وإنما تحتاج إلى جهد متواصل لإدخال ألوان التراث الإنساني كافة في حمى اللغة العربية، بعون التقنية.

 ويرى مدكور أن "لجنة الذكاء الاصطناعي" تعد أحدث لجان مجمع اللغة العربية، مؤكداً أن محور علاقة اللغة العربية بالذكاء الاصطناعي أحد أهم محاور الجلسات النقاشية المغلقة خلال المؤتمر هذا العام، والتي ستتناول بالبحث والدراسة مسألة تطويع التقنية في خدمة اللغة والتحايل على برمجة الأجهزة بلغات غير العربية، فضلاً عن استضافة المبدعين لوضع حلول فعّالة.

 تجربة عملية

وعبر تطبيق زووم، ألقى الدكتور محمود السيد، رئيس المجمع اللغوي في العاصمة السورية دمشق، كلمته بمناسبة الجلسة الافتتاحية لمؤتمر "مجمع الخالدين" السنوي، كما يطلق على مجمع اللغة العربية في القاهرة، نسبة إلى خلود اللغة العربية.

وشدد السيد على أن قضية تعريب العلوم قضية قديمة، مؤكداً تعدد التوصيات في هذا الشأن، مقابل القليل الذي نُفذ منها، إذ كان أول مؤتمر يناقش قضية التعريب في ستينيات القرن الماضي.

واعتبر رئيس مجمع دمشق أن غياب ما أسماه "السياسة اللغوية" هو المسؤول عن تعثر عمليات تعريب العلوم وشيوع "العربيزي" (في إشارة إلى كتابة العربية بحروف إنجليزية، وهو ما شاع على منصات التواصل الاجتماعي)، و"الفرانكو آراب" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى واجهات المتاجر.

واستشهد بتجربة سوريا في تعريب العلوم وعمرها "قرن كامل"، ونتائجها الواضحة في مخرجات التعليم السوري، معتبراً الداعين لإبعاد اللغة العربية عن التعليم الجامعي "نغمات نشاز"، على حد وصفه.

واستنكر السيد مشهد المؤتمرات العلمية التي تعتمد على اللغات الأجنبية في التواصل، بالرغم من أن قضياها عربية وأغلب حضورها عرب، معتبراً أن تلك الحالة "فقدان حياء قومي"، بينما أقرّت الأمم المتحدة العربية من بين اللغات الست الحية.

لغة قانون

بدوره، تطرق المستشار عبد العزيز سالمان، الفقيه الدستوري نائب رئيس المحكمة الدستورية في مصر، وأحد ضيوف شرف المجمع، إلى علاقة القضاء باللغة العربية، مؤكداً  حرص المحاكم المصرية على أن يكون أي مستند ضمن ملفات القضايا عربياً فصيحاً أو مترجماً، وألا تكون ديباجة أي أحكام أو أسبابها أو منطوقة سوى بالعربية. 

وأشار سالمان إلى تجربة محكمة النقض المصرية التي كانت أحكامها في مراحل تميزها نموذجاً للغة الصلبة الحاسمة، مؤكداً أن "وضوح اللفظ والخلو من المحسنات والخيال في لغة القانون ليس ترفاً، إذ يتصل بعقوبات مقيّدة للحرية الشخصية، لا سيما في النصوص العقابية".

وسرد الفقيه الدستوري تاريخ اللغة العربية في الدساتير المصرية بدءاً من عام 1882 حتى دستور 2014، مؤكداً أن إصدار التشريعات الحمائية للغة يعد أحد الإجراءات المقترحة لتمكين اللغة العربية من الحياة اليومية.

وأكد سالمان أن أي مشروع قانون لحماية العربية لا بد من أن يعتمد على عدد من المرتكزات، أبرزها أن يشمل القانون جميع مناحي الحياة كالمحاكم ونظام التعليم في جميع مراحله والأمور التجارية والإعلانية، والعقود، والمصنفات الفنية، وجميع فئات النشاط الرسمي والمؤسسات العامة والخاصة والمجتمع المدني.

وشدد سالمان على ضرورة اعتماد "الغرامات الخفيفة" كأدوات عقابية في البداية ضد انتهاك اللغة، وتوجيه ريع تلك الغرامات إلى صندوق لدعم اللغة مع التأكيد على إزالة المخالفة أو الانتهاك.

مرفأ

من جانبه، ألمح الدكتور مصطفى الفقي، رئيس مكتبة الإسكندرية وضيف الشرف الثاني لجلسة افتتاح المؤتمر السنوي، إلى مصطلح "مجمع الخالدين" في وصف مجمع اللغة العربية، بالرغم من أن لفظ الخلود يتصل بالخالق وحده، فيما يأتي توصيف "الخالدين" لوصف دور أعضاء المجمع دعماً للغة خالدة.

وأضاف: "العربية ليست لغة تعبير فحسب، وإنما أداة تفكير"، إذ أجمل الفقي عبر منصة المؤتمر رؤيته للغة العربية وفضلها، ودوافع اعتباره إياها "لغة فريدة" تشترك فيها المنطقة العربية، إذا ما قورنت على سبيل المثال بالقارة الأوروبية التي تشمل 11 لغة و9 قوميات.

وأكد المفكر المصري أن اللغة العربية معيار أساسي في تشكيل القومية، مستشهداً بتجربة سوريا في تعريب العلوم، بوصفها قصة نجاح في هذا الصدد، مع ضرورة عدم التغافل عن الروافد المعرفية واللغات الأخرى وأهمية إتقانها، في ضوء أن العربية هي "المرفأ" الذي يلوذ به العربي للتعبير والتفكير.

واختتم الفقي مشيراً إلى وضع اللغة العربية على قائمة أولويات الدولة المصرية في الفترة الحالية، وذلك عبر توجيه مكتبة الإسكندرية إلى قيادة حركة ترجمة واسعة تشتمل على تجربة تعريب حقيقية لأمهات الكتب. 

قضية التعريب 

وألقى الدكتور أحمد فؤاد باشا، عضو المجمع، كلمة الباحثين المصريين بالجلسة الافتتاحية، والتي تناول فيها قضية التعريب على وجه الخصوص، موضوع تخصصه.

ورسم باشا سمات لغة العلم العربية، قائلاً: "لغة اصطلاحية تتميز بالبعد عن المبالغة والذاتية، والتمسك بالمنهجية والموضوعية، والارتباط بحقائق الواقع والتطلع إلى المستقبل بما تفرزه العلوم من أفكار ونظريات، وما تحرزه التقنية من أجيال المخترعات".

 ومثّل عضو المجمع للغة العلم العربية بنص تراثي من الموسوعة الطبية لأبي القاسم الزهراوي "التصريف لمن عجز عن التأليف"، المولود في الأندلس عام 936 ميلادياً، يشرح فيه بلغة علمية تعليمية عملية جراحية والأدوات المستخدمة فيها.

 واعتبر أن أبرز معوقات تعريب العلوم هي حالة العولمة اللغوية المهيمنة في العصر الحالي، والتي تستوجب في المقابل دفع حركة النهضة العلمية بثورة تعريب شاملة، وتحقيق ما أطلق عليه "التنمية اللغوية المستدامة".

تاريخ

 تم تدشين مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1932 بمرسوم ملكي من الملك فؤاد الأول، بهدف الحفاظ على سلامة اللغة العربية.

 ومن أبرز الأسماء التي تصدرت رئاسة المجمع محمد توفيق رفعت، وأحمد لطفي السيد، وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.

ومجمع اللغة العربية هو عضو اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، والذي تأسس عام 1971، بعضوية مجامع القاهرة ودمشق وبغداد.

 وتتواصل أعمال المؤتمر السنوي لمجمع اللغة العربية في الفترة ما بين 9 و19 من مايو الجاري، ما بين ندوات مفتوحة وجلسات مغلقة تناقش طوائف من المصطلحات العلمية واللغوية والأدبية في الطب، والهندسة، والأدب، والرياضيات، واللهجات والبحوث اللغوية، والحاسبات وغيرها.

ويستضيف المؤتمر هذا العام الشاعرين أحمد عبد المعطي حجازي وفاروق جويدة، والدكتور محمد المنسي قنديل، ومحمد المخزنجي، والأستاذ إبراهيم عبد المجيد، والدكتورة ريم بسيوني، والروائية هالة البدري.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات