تشهد الأبجدية المغولية، وهي من الخطوط النادرة التي تُقرأ عمودياً، اهتماماً جديداً في منغوليا بعدما شارفت على الاندثار في منشئها، وذلك رداً على سياسة تعليمية جديدة انتهجتها الجارة الصينية.
تبدأ الحكاية من أحد صفوف أولان باتور، حين كان أحد التلاميذ يقلب دفاترهم 90 درجة وقت الانتقال من اللغة المغولية إلى الكيريلية، المعتمدة إبان الحقبة السوفيتية في الثلاثينات.
ويكتب المدرس الحروف على اللوح من الأعلى إلى الأسفل ومن اليسار إلى اليمين، أمام مجموعة من الكبار والصغار الراغبين في تعلم أبجدية تعود أقله إلى عهد جنكيز خان، مؤسس إمبراطورية المغول، في القرن الثاني عشر. وقد أتوا مدفوعين، بجملة من الدوافع، بإصلاح تعليمي في منطقة منغوليا الداخلية في الصين المجاورة، حيث يفرض تدريس بعض المواد المهمّة بلغة الماندرين على حساب المغولية.
وقد أثار هذا الإصلاح احتجاجات في بداية العام الدراسي في هذه المنطقة التي يقطنها نحو 4.5 مليون شخص من المغول (أي أقل من 20% من إجمالي سكان الصين، لكن أكثر من سكان منغوليا المقدر عددهم بثلاثة ملايين نسمة).
وتقول توغتوخجارغال باتوغتوخ البالغة من العمر 46 عاماً، "أسفت كثيراً لما حصل في منغوليا الداخلية"، كاشفة أنها تشعر أيضاً بأنها "مستهدفة" من خلال هذا الإصلاح. وتضيف: "لهذا السبب تحديداً، أريد تشجيع الآخرين على تعلم أبجديتنا".
وقد أثار هذا القرار تظاهرة في العاصمة أولان باتور في سبتمبر الماضي، خلال زيارة لوزير الخارجية الصيني وانغ يي، وارتفع شعار "فلندافع عن لغتنا" وسط الساحة الرئيسية في العاصمة المنغولية حيث احتشد نحو مئة متظاهر.
مسألة هويّة
وإثر تلك الاحتجاجات، قرر المدرس باتبيليغ لخاغفاباتار، تقديم هذه الحصص بالمجان، وقال: "نعيش في عصر التغيرات السريعة والعولمة ولا وقت كي يفكر الناس بمسائل الهوية".
وأضاف: "لكنني أصبحت ألاحظ أن الطلاب يعيرون اهتماماً أكبر للقيم الوطنية، وهم يريدون الدفاع عن حروف استخدمها شعبنا منذ أكثر من ألف سنة".
ورغم تأييد الحكومة لاعتماد خط الكتابة التقليدي المعروف بـ"هودوم" الذي طواه النسيان في عهد النظام الموالي للسوفييت الذي انهار في مطلع التسعينات، إلا أن أسلوب الكتابة هذا بقي حكراً على علماء اللسانيات وقلة قليلة ممن تقدم بهم العمر، كما أن الكيريلية لا تزال تغطي إلى حد بعيد اللافتات المنتشرة في شوارع العاصمة.
لكن التلفزيون الرسمي بات يعتمد الكتابتين، وتعهدت الحكومة بتوفير كل المستندات الرسمية باللغتين اعتباراً من 2025. وقد أصبح الرئيس باتولغا خالتما، وهو بطل المصارعة السابق، مدرساً للهودوم على التلفزيون.
كنز ثمين
ويقول زاياباتار دالاي، مدير الدراسات المغولية في الجامعة الوطنية إن الناس في منغوليا بذاتها: "ما عادوا يكترثون لخطنا التقليدي، ولم ندرك أن لغتنا كنز ثمين سوى بدفع من مغول منغوليا الداخلية".
ويضيف: "إذا استطعنا نقل خطنا إلى المنصات الرقمية، فسيكون في وسعنا الحفاظ على لغتنا التقليدية للأجيال المقبلة".
ولا يدرس التلاميذ الخط التقليدي في المدرسة سوى خلال سنة دراسية واحدة غير أن العودة إلى الأبجدية القديمة بحروفها الخمسة والثلاثين ليست بالأمر السهل، فقد أدى التحول إلى الكيريلية إلى تعديلات نحوية، كدمج الأسماء وحروف الجر الواجب فصلها في الهودوم، كما تطلب الأمر في عصر الهاتف المحمول تطبيقات خاصة، ولذلك أنشأ مطوّر البرامج أولزي-أورشيخ داشخو شبكة على نسق "فيسبوك" تتيح تحميل نصوص مكتوبة بهذه الطريقة.