مكتبة لإدوار الخراط في القاهرة.. وجائزة سنوية باسمه

time reading iconدقائق القراءة - 9
الأديب المصري الراحل إدوارد الخراط - Twitter
الأديب المصري الراحل إدوارد الخراط - Twitter
القاهرة- حمدي عابدينالشرق الأوسط

في افتتاح مكتبته التي تضم آثاره الأدبية والنقدية بوسط القاهرة، اعتبر مبدعون ونقاد مصريون أن إدوار الخراط كان صاحب مشروع إبداعي متميز في السرد المصري والعربي الحديث، وكان يسعى إلى التأثير في الأجيال الأخرى، ويجعلها امتداداً له، ولتياره الأدبي.

وقال الروائي إبراهيم عبد المجيد: "إن الخراط لم يكن مجرد كاتب؛ بل علامة فارقة في الأدب العربي، وقد عرفنا إبداعاته مبكراً، كانت مدهشة ومختلفة، وهو واحد من أوائل المجددين بين كتاب جيل الستينات، مع كاتبي القصة: محمد حافظ رجب، ويوسف الشاروني، وكان أكثر ما يميزه اللغة الإبداعية التي كان يكتب بها، وقد عرف في سن مبكرة جداً العلاقة بين اللغة والكتابة، فالأولى لم تكن بالنسبة له إناء حاملاً للمعنى؛ لكنها في نظره كانت المعنى نفسه، فقد كانت كتابته عبارة عن صور ذات تركيبات خاصة، محمولة على لغة لا تنتسب لسواه".

تأثر عبد المجيد -حسب قوله- في شبابه بإبداعات إدوار الخراط، وكتب قصة يحذو فيها حذوه، كان عنوانها "شمس الظهيرة"، ونشرها في مجلة "الطليعة"، في بداية السبعينات، ثم توقف عن الكتابة حتى يتخلص من تأثيره، ويجد طريقه بعيداً عن تأثيرات الآخرين: "وكان إدوار الخراط واحداً منهم، ويدرك أن العالم يمضي إلى الأمام، وأنه لا يمكن لكاتب أن يلغي آخر أو يوقفه، من هنا كان موقفه مع كتاب القصة من أبناء جيل السبعينات، وكتب كتاباً مهماً عنهم، بعنوان (القصة في السبعينات)، دشن بها وجودنا".

 "حساسية رمزية"

من جهته، ذكر الناقد الدكتور صبري حافظ، أن إدوار الخراط كان واحداً من أبناء مرحلة الأربعينات؛ حيث تكون معرفياً في سياقها، وكان من أوائل خريجي جامعة الإسكندرية التي أسسها طه حسين عام 1942، وضمن أول دفعة تخرجت فيها، مع مصطفى صفوان، وعبد الحميد صبرة، ومصطفى بدوي، وجميعهم صاروا رموزاً في الثقافة والعلوم والنقد فيما بعد، وعملوا في عدد من جامعات أوروبا، مثل هارفارد وأكسفورد.

وكان لدى الخراط -حسب رأي حافظ- حساسية مغايرة تكونت لديه منذ فترة الأربعينات التي شهدت ظهور يوسف إدريس وسعد مكاوي، وغيرهما؛ لكن كتابة إدوار تميزت بخاصية قريبة جداً من كتابات عادل كامل، وهو واحد من أبناء جيل نجيب محفوظ، "وقد كتبت مقالاً تتبعت خلاله تلك الحساسية الرمزية المغايرة التي كان يمثلها كامل، الذي أرى أنه كان أهم من نجيب محفوظ حينما بدآ معاً، والدليل على ذلك أن رواية عادل كامل التاريخية (ملك من شعاع) لا تزال أفضل من روايات محفوظ التاريخية الثلاث المعروفة، وحين انتقل للرواية الواقعية، وكتب (مليم الأكبر) قدم عملاً يعتبر علامة إبداعية في تاريخ الأدب المصري، هذا إضافة لإسهاماته المهمة في القصة القصيرة والمسرح، وقد أشرت إلى ذلك في دراسة نشرتها قبل 58 عاماً".

وأشار حافظ إلى أنه في دراسته الطويلة التي كتبها عام 1969 عن إدوار الخراط، والتي نشرها في حلقتين بمجلة "الآداب" البيروتية بعنوان "أقصوصة الرغبات المحبطة" عن مجموعته القصصية "حيطان عالية" كان قد مر على صدورها عشر سنوات، وظل الخراط محافظاً على حساسيته المغايرة في كتاباته التي قدمها فيما بعد، وهي مرتبطة في جزء منها بعادات المجتمع القبطي المسيحي المصري وعاداته وتقاليده، وقد ظل الخراط كاتباً إشكالياً مثيراً لكثير من المشكلات، أما عن مساهمات الخراط النقدية فقد كانت من أجل الترويج للتيار الذي يكتب فيه.

لم تكن كتاباته معيارية تلتزم بدرجة كبيرة بالخريطة الأدبية الأوسع، وبالتالي كان هناك كُتاب لا يلتفت إليهم، وكان إن كتب عنهم تأتي كتاباته سلبية جداً، وهو ما قام به عندما تصدى لإبداعات نجيب محفوظ، ومحفوظ كاتب كبير بالطبع بأي معيار، سواء كان محلياً، أو عالمياً؛ لكن نقد إدوار لصاحب "نوبل" كان يتسم بهذه الإشكالية التي تنتصر لطريقته في الكتابة، والتي كان يهدف منها أن يستمر أسلوبه ويسود، وهذا ما يتضح من طريقته في تقديم الأجيال الجديدة، وقد اختار منهم من كان يكتب بأسلوبه.

"مغامر ومجدد"

من جهته، قال الشاعر جمال القصاص، إن إدوار الخراط كان مغامراً مجدداً في شتى مناحي الإبداع، وذكرياته تظل ساطعة وحية لا تغيب، وقد تكون هي بذاتها ذاكرة خاصة له "كمبدع كبير"، لم يترك مجالاً إلا وكتب فيه، بما في ذلك الشعر، وقد قدم مجموعة شعرية. اللغة عند الخراط لم تكن ثمرة من ثمرات الطفولة فحسب؛ لكنها كانت صورة منحوتة سردياً، تبرز علاقته بالفن التشكيلي، وتظهر ما وراءها من فراغ وخطوط مبهمة، وتكوينات بارزة وغامضة، تشاكس الصمت والعمق معاً.

كان يستحلب اللغة، ويطاردها إلى أقصى مفرداتها ومرادفاتها بقوة الصورة البصرية، وكان هدفه الكشف عما تحتويه المفردة الشعرية من أشياء تكمن فيما وراء الإدراك المادي الملموس، ما وراء النطق والسمع والبصر. هذه البصيرة المتقدة بالكتابة والوعي بجمالياتها، هي التي جعلتنا كأبناء لجماعة "إضاءة" الشعرية نتواصل معه، وهو الذي أطلق علينا جيل السبعينات، وكان المحفز الأساسي وراء كل ما قدمناه من إبداعات وحراك ثقافي على مختلف الأصعدة.

ولفت القصاص إلى فكرة "الإصاتة" واللعب على جماليات الحرف شعرياً، وهي الفكرة التي مارسها في بعض قصائده، وأيضاً رفيقاه الشاعر حلمي سالم وحسن طلب.

لقد استعرناها من كتابات إدوار الخراط وغرامه اللغوي الباذخ. كانت لعبة شعرية مغوية ومهمة جداً، ضمن نسق شعر التفعيلة.

أضاف القصاص أن "أجمل ما تعلمناه من إدوار الخراط أنه كان يمنحنا الثقة بالذات وبكينونتنا المبدعة، ولم يكن يفعل ذلك مع الشعراء فقط؛ لكنه أيضاً يدعم الفنانين وكثيراً من المشتغلين بالهم الثقافي العام".

 "القصة القصيدة"

أما الكاتب منتصر القفاش، فقد بدأ بالحديث عن أول لقاء جمعه ومجموعة من زملائه بإدوار الخراط، والذي كان قد نحت مصطلح "القصة القصيدة" في دراسته عن يحيي الطاهر عبد الله. وقتها شعر القفاش وزملاؤه بأن هذا المصطلح يفتح الباب أمام نوع آخر من السرد: "فقررنا أن تتضمن مجلة كنا قررنا طباعتها حوارين: مع إدوار الخراط، والناقد الكبير سيد البحراوي، لنقدم على أساسهما نظرتين مختلفتين للقصة القصيرة.

وقد كان حوارنا معه هو أساس الفصل الذي تضمنه مؤلفه (الكتابة عبر النوعية)، وقد أشار فيه إلى لقائنا معه الذي كان أشبه بورشة نقدية مصغرة. وقد كان من الكتاب الذي يرون أنه يجب على المبدع أن يبلور آراءه النقدية، ويكون له موقف نقدي من الكتابة والإبداع، لذلك كان مهموماً طوال الوقت بالكتابة عن الآخرين، أو طرح رؤيته للقصة والرواية والشعر.

وليس غريباً تعدد التسميات التي كان يقترحها الخراط؛ سواء لنصوصه أو لنصوص الآخرين، مثل: متتالية قصصية، وكولاج روائي، ونزوات روائية.

وقد يبدو هذا ظاهرياً به نوع من التكلف؛ لكن الذي يمعن النظر سوف يجد أن الخراط يريد طول الوقت من القارئ أن يعيد النظر في النوع الأدبي وفي إمكاناته، وخصائصه، وما هو معروف عنه، وقد كانت تجربته الإبداعية يتداخل فيها الواقع والحلم والأسطورة، واللغة التقريرية والشعرية، والوصف الحسي الدقيق للتفاصيل التي يمكن أن تشكل في كتاباته لوحات مستقلة، تجعل القارئ يستمتع بوصفه لأي شيء، بما فيها آثار العصافير على الرمال، وقد فعل ذلك في مجموعته القصصية (اختناقات العشق والصباح)، وفيها يختلط الوصف الحسي بالرؤى الصوفية، وهي سمة يتميز بها الخراط في كل كتاب من مؤلفاته؛ حيث يتعايش القارئ مع (اللاحدود).

لم يكن إدوار يعرف التمهيد، ولا يمنح القارئ فرصة لالتقاط أنفاسه؛ بل كان يقدم عجينة سردية يتداخل فيها كثير من الأزمنة والمستويات، في رحلة إبداعية كانت بلا ضمانات ولا خرائط".

من جهته، تحدث الدكتور إيهاب الخراط، النجل الأكبر لإدوار الخراط، مستعرضاً ما تتضمنه المكتبة من ذخائر ومقتنيات ومؤلفات، وكتب مترجمة، فضلاً عن مخطوطاته من الروايات والقصص ومسوداتها، والكتب والأعمال التي ترجمها، ورسائل الدكتوراه والماجستير التي كُتبت عن إبداعاته، وقال إنه تقرر إتاحتها جميعاً للدراسة والتعرف عليها ودراستها.

وأعلن إيهاب -بناء على مقترحات من الحضور- إطلاق جائزة للخراط، تهتم بالكتابات الطليعية الشابة المجددة، وأنه سوف يتم الإعلان عن الفائزين بها في احتفال يقام سنوياً بالمكتبة، في يوم ميلاد إدوار الخراط.

*هذا المحتوى من صحيفة الشرق الأوسط.