اعتدنا أن نرى روبوتات آلية تقوم بمهام الأطباء والعمّال، وخصوصاً في أثناء مواجهة فيروس كورونا، لكنها المرّة الأولى التي نرى فيها روبوتاً "فناناً"، ينبض بالحياة، يحمل عدّته وألوانه، ويقلّد أسلوب الرسّام ذاته.
هذا ما شاهده آلاف الناس في الجادة الخامسة في نيويورك، وفي جادة الشانزليزيه في باريس، إذ استوقفتهم الفنانة اليابانية كوساما يايوي Kusama Yayoi (1929)، وهي تقف أمام واجهات متاجر لوي فيتون، وترسم بأسلوبها المنقّط دوائرها الملوّنة على الواجهات الزجاجية، مجتذبةً آلاف المارّة، ومبطئةً حركة مرور السيارات.
هذه الشراكة الجديدة التي عقدتها مجموعة Louis Vuitton مع الفنانة اليابانية، تأتي في محاولة لإعادة ابتكار واجهات متاجرها "احتفاءً بالفن، والجرأة، والحرفية، والنقاط المرسومة، والنقاط المعدنية، والنقاط اللامتناهية، وزهور كوساما، التي تنعش عالم لويس فويتون".
أسلوب حيّ
لم يتخيّل المارّة أن الفنانة التي تنفّذ أعمالها بأسلوبٍ حيّ أمامهم، هي "روبوت" يتقمّص شخصية الرسامة ذاتها، ويؤدي الحركات عينها، بواقعية مدهشة، تدعونا إلى تغيير رؤيتنا للفن، الذي لن يبقى كما يبدو محصوراً بالفنانين وحدهم، بل سيتيح المجال للروبوتات أن تبدع بطرقٍ أخرى، كما سيتيح المجال لأشخاص ليسوا فنانين في الأصل، للولوج إلى هذا العالم، والإبداع من داخل الذكاء الاصطناعي.
تسليع الفن
قد يرى البعض أن ربط أسماء الفنانين وأعمالهم بالسلع، هو محاولة لتسليع الفن، أو دمج الفن بالثقافة السلعية لأهداف تجارية، وإظهار المنتج بصورة أقلّ مادية، لكن لهذه الصورة إيجابيات أيضاً، أبرزها إخراج الفن إلى مساحاتٍ أوسع، والابتعاد عن المفهوم التأطيري للوحة، التي وجدت نفسها بعيدةً عن الجدران المغلقة، وانتقلت من ثقافة النخبة إلى ثقافة الشارع والجمهور.
"ملكة التنقيط"
وكوساما هي فنانة معاصرة تُعرف بـ "ملكة التنقيط"، ويتقاطع نتاجها الفني من رسومٍ، وتحف، وتراكيب، حول النقاط والدوائر! وكانت منذ طفولتها، ترسم على الأشجار والأثاث والملابس، نقاطها الملوّنة، في رغبةٍ مبكرة للتعبير عن ميولها الفنية.
يرتكز عمل كوساما على الفن المفاهيمي، وقد اشتهرت بمعارضها المؤلفة من غرفٍ مغطّاة بالمرايا والأضواء والنقاط، التي أبهرت النقّاد والفنانين والحضور، وهي بحسب مجلة "تايمز" من "أكثر الأشخاص تأثيراً في العالم".
وكانت كوساما قد صرّحت في مقابلة مع The Art Newspaper الأميركية قائلةً: "أرسم كل يوم، سأستمر في خلق عالم مليء بالرهبة، يحتضن جميع رسائل الحب والسلام والكون ".
مصحّة عقلية
الفنانة اليابانية في التسعينات من عمرها، وهي تعيش طواعيةً في مصحّة عقلية، وكانت دائماً تعتقد أنها تنتمي إلى ذلك المكان نتيجة مرضٍ ما. وقالت في مقابلة لها عام 2012: "أحارب الألم والقلق والخوف كل يوم، والطريقة الوحيدة التي وجدتها تخفّف من مرضي هي الاستمرار في ابتكار الفن، الذي سيسمح لي بالعيش".
عام 2017 افتتح في طوكيو متحف "يايوي كوساما" الخاص بأعمالها، ويقام لها معرض استعادي كبير في هونغ كونغ حالياً.
اقرأ أيضاً: