تنكأ الكاتبة اللبنانية علوية صبح، الجرح اللبناني، وتعود بالقارئ إلى زمن الخلاف الداخلي إبان الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990، عبر روايتها "افرح يا قلبي"، فتعالج صراع الإخوة كما لو أنه صورة عن صراع وطن.
تنطلق الكاتبة من وصف شوارع مشطورة إلى محورين في العاصمة بيروت، والتي كانت مقسمة بين شرقية وغربية، لترسم بالقلم أشكال المسلحين، والقذائف التي كانت تنهال أمام وخلف سيارة بطل الرواية غسان، عازف العود المتيم بالموسيقى والهارب من جحيمين اثنين، عائلته وبلده.
ويقرر غسان الهجرة هارباً من "دار العز" قريته الشمالية الساحلية، والتي تجسد في الرواية لبنان ككل، حيث تجد فيها سكاناً من طوائف مختلفة تتعايش معاً، قبل أن تتقاتل أو تختلف على أسلوب العيش.
فتقول الرواية: "سافر غسان وترك كل شيء وراءه، الحرب والدمار وعائلته التي تشبه وطنه بحروبها الصغيرة المدمرة وأمامه المجهول".
ويسأل غسان نفسه في السياق الروائي، كيف سيجد طريقه في نيويورك التي يهاجر إليها، وهو الرجل النحيل ذو القامة القصيرة.
وفي الطائرة جاءه صوت أم كلثوم "افرح يا قلبي" فغطى غسان أذنيه، كي لا يشعر بالحنين إلى حبه الأول "نور" وما تمثّله من ذكريات الصبا.
صراع الإخوة
يكتشف القارئ أن الأغنية ليست سوى نقيض المشهد والشخصيات الواردة في الرواية، إذ ترسم التطورات خيوطاً درامية متشابكة، تخلط كآبة الحب بالحرب وبالاضطرابات النفسية والصراع المنزلي الذي يمتد من "دار العز" إلى مدينة نيويورك.
ووصفت الكاتبة، غسان بكل تفاصيله، قائلة إن له علاقة غريبة بالأصوات "إذا تكلّم معه أحد يشعر أنه يراه بأذنيه، الأصوات كانت دليله إلى الأشياء، كأن حواسه كلها تسكن فيها، كان عزاؤه أنه تعلّم حفظ الأشياء من رنّتها".
وإحساس غسان المرهف، من الموسيقى إلى صوت البحر وأوراق الخريف، لا يشبه الصراع العائلي الدامي وتعنيف الأم على يد أب يمارس تسلطه بأبشع صوره، فيما ترضى الزوجة بالتعنيف حتى لا تخرب بيتها.
كبرت هذه الصراعات مع الأيام داخل العائلة إلى حد التقاتل على ألعاب الصغار، قبل أن تبلغ مرحلة القتل الفعلي، فالرواية تستعرض الشخصيات المتناقضة لستة إخوة وأب قاسٍ وأم تعاني الويلات بسبب التعذيب والظلم والخيانة.
ويبحث أفراد العائلة عن الانتماء والهوية، لكن الشر يحكم خطواتهم، فيقدم عفيف على قتل أخيه جمال بسبب الاختلاف العقائدي، أما الإخوة الآخرون فلكل منهم حكاية لا تقل ضياعاً عن الأخرى، فيشكلون جميعاً من الأم والأب أسرة منقسمة ومؤلمة تبحث عن ملذاتها بصمت وبخفاء وتقع صريعة التناحر.
يمثل الأب جبروت السلطة، لكنه لا يقوى على الحسم بين أبنائه، ويتراءى للقارئ أن الإخوة هم زعماء في وطن احترب طويلاً، ولا تزال مكوناته في خلاف حتى في زمن السلم.
نهاية مفتوحة
وتقع رواية "افرح يا قلبي" في 351 صفحة، من القطع المتوسط، وهي صادرة عن "دار الآداب" في بيروت، والتي سبق أن نشرت لعلوية صبح روايات "مريم الحكايا" و"دنيا" و"اسمُه الغرام" و"أن تعشق الحياة".
وقالت الروائية اللبنانية عن أحدث أعمالها: "أقلقني كثيراً موضوع الهوية والانتماء وعلاقة الشرق بالغرب، والكشف عن عالم الإخوة الذكور وكل ما حملته الرواية من هواجس أخرى كالغربة والجذور والاقتلاع وغير ذلك، ووجدت في الموسيقى، التي أبحرت فيها عنصراً أساسياً، بل جاءت بطلاً حقيقياً في الرواية".
وأضافت: "بقدر ما تحدثت عن الهجرة والاقتلاع، جاءت الرواية أشبه بحفر وسفر إلى دواخل الشخصيات عبر المونولوجات أو العلاقات".
وأوضحت الكاتبة التي حصلت على جوائز أدبية، وتُرجم عدد من مؤلفاتها إلى الإنجليزية، أن عنوان "افرح يا قلبي" جاء مشتقاً من أغنية مصرية شهيرة "هي أغنية أم كلثوم التي جاءت مرتبطة بفرح الحب عند غسان".
وبينما تحتبس أنفاس القارئ لمعرفة مصير بطل الرواية، آثرت المؤلفة ترك النهاية مفتوحة، وهو اختيار قالت عنه "لا أعرف ما يكون مصير غسان، المأزق كبير، فأي خلاص له؟ أي خلاص لعالم مهدد بالسقوط كما هو مصير الطائرة؟ وما مصير علاقة الشرق بالغرب؟".
وأضافت: "وحده القارئ يتخيل النهاية التي يريد أو يتمنى، القارئ دائماً عندي شريك في النهاية".