اللبناني بشير عزام يصارع الزمن في مجموعته القصصية

time reading iconدقائق القراءة - 7
غلاف كتاب "نظراً لضيق الوقت" - الشرق
غلاف كتاب "نظراً لضيق الوقت" - الشرق
بيروت – رنا نجار

من خلال مجموعته القصصة "نظراً لضيق الوقت"، يبدو الكاتب اللبناني بشير عزّام مهووساً بمفهوم الزمن وعلاقته بالإنسان، بدءاً من الغلاف الذي يتصدره "حلزون" يزحف على كتابين، وصولاً إلى القصص الـ22 والحوارات والأحداث التي تدور في كنفها، فهو يربط قصصه القصيرة، بشكل أو بآخر بالوقت، عبر معادلة رياضية متخيّلة.

يتحمل عزّام مسؤولية كثير من الأحداث الدرامية التي تدور بشأن التجارب الإنسانية والحالات الاجتماعية كالزواج والطلاق وانتظام الحوار الداخلي بين حبيبين، أو علاقة الأب بابنه أو أزمة منتصف العمر أو الحظ أو الكآبة، وحتى قصة تلك الفتاة ذات العينين مختلفتي اللون، من خلال الوقت.

حتى مفهوم الزمكان (الزمان والمكان) في النسبية العامة لدى آينشتاين يجد طريقه إلى إحدى القصص.

ويرى عزّام أنّ "حيواتنا في صراع دائم مع الوقت، بعضه مفتعل تنسجه أوهامنا البشرية، لكن بعضه الآخر موضوعي، علميّ".

من يعرف هذا الكاتب (40 سنة) الذي صدرت له رواية مشتركة مع الكاتب جهاد بزي بعنوان "ملك اللوتو" عام 2011، ومن يتابع كتاباته الأدبية، يعرف أنه في كباش دائم مع الوقت والجدوى. وككثيرين يلازمه "إحساس الهامستر الذي يهرول دون توقّف على بَكَرة في قفص على مرأى من أطفال ذوي نوايا طيبة"، كما يردد.

ينعكس هذا المناخ في عدد من قصص المجموعة، ويتساءل عزام هنا: "هل هي ارتدادات بديهية لأزمة منتصف العمر؟ وفي إحدى قصصه التي هو بصدد كتابتها، "يحتلّ الزمن أيضاً حيّزاً من أحداثها ويلاحظ الراوي أنّ الإحساس المقلق بأنّ الموت يقترب لعلّه مجرّد الخداع الشعوري للقلق الحقيقيّ بأن الحياة تبتعد".

وسيلة فهم للنفس البشرية

ويتضح تأثر الكاتب بأدب وليام شكسبير وأسلوبه، لدرجة أنه كان البطل الخفي في القصص لانحيازها إلى الطبيعة البشرية وتناول قصص تتعلق بالمشاعر الإنسانية، مثل القلق والحب والزواج، حتى في الفصل الأخير أطلق سمّى الإحساس الباراسايكولوجي أو ما يعرف بعلم النفس الموازي، بـ"شكسبير 3.0".

تبدأ كل قصة في الكتاب الصادر عن دار "هاشيت أنطوان" اللبنانية الفرنسية، بحِكمة أو جملة لشكسبير كأنه الملاك الحارس أو الأب الروحي أو البطل الخفي للقصص.

يشرح عزّام أن "الكتاب ببنائه الهندسي، وبتركيزه على العلوم (الرياضيات والفيزياء والكيمياء ومعادلاتها) كخيط فضيّ رفيع يربط قصص المجموعة الواحدة بالأخرى، يوحي الكتاب بمسعى عبثي لتدجين الكتابة الأدبية بوصفها وسيلة فهم للنفس البشرية، ومن ثمّ وضع قواعد رياضية للاجتماع والسايكولوجيا البشريّتين.

ويحاول عزّام طرح نظرية علمية للبؤس البشري، ثم إعلان فشل محاولة شبيهة، في هذا السياق "يحضر شكسبير، بمكانته الأثيرة في التراث الأدبي الإنساني، على اعتبار إرثه تجسيداً للحالة القصوى في الأدب، كرمزٍ وكمادة اختبارية"، كما يفيد.

في قصّة "أبجدية السديم" مثلاً، نجد بطلها الدكتور معضاد يعمل على كتاب مصنوع بكامله من مقتطفات مأخوذة من شكسبير سيكون، برأيه، "الكتاب الأخير"

الذي يقفل عالم الأدب نهائياً، لتتفرّغ البشرية بعد ذلك للرياضيات. الأرجح أنّ المقتطفات من شكسبير المبعثرة في الكتاب، إنما "تسرّبت إليه سهواً من الكتاب الذي يعمل عليه معضاد معضاد"!.

خلفية تاريخية

من خلال هذه القصص البليغة في لغتها الأدبية والغنية في مفرداتها، يتّضح للقارئ أن عزام لديه اهتمام بالتاريخ خصوصاً عندما يستشهد بأحداث أو شخصيات تاريخية مطوّعاً المادة إلى سخرية، لما يخدم سياق القصة.

وربما غذّى هذه الثقافة التاريخية لكون عزام يعيش ويعمل متنقلاً بين بلدان عدّة، ويستهويه التاريخ في الأدب بشدّة: "أمين معلوف في سمرقند وربيع جابر في ثلاثية بيروت"مدينة العالم" وجبور الدويهي في "مطر حزيران".

وفي الأدب العالمي، يتضح تأثره بتولستوي في "الحرب والسلم"، وماركيز في "الجنرال في متاهته"". ويعتقد عزام أن التاريخ في الأدب يطوّع كمن يذوّب مكعّب سكّر في فنجان قهوة، يصنع حلاوته.

دراما لأحداث عادية

يكتب عزّام قصصه وحتى روايته السابقة "ملك اللوتو" بأسلوب ساخر عبثي مطوّعاً علم النَفس الفلسفي الذي تحمله حكاياته لجمل بسيطة سهلة.

في قصصه عالم متخيّل مئة في المئة، الأمر الذي يشدّ القارئ ويجعله يقرأ نصاً أدبياً خالصاً بعيداً من السياسية والذكريات والأيديولوجيات والسير الذاتية أو سرد قصص شخصية محدّدة التي تغلب على المنتج الأدبي العربي عامة.

قصصه متفلّتة من كلاسيكيات الأدب والرواية والقصة القصيرة، ولا تشبه غيرها. هذا إضافة إلى أن العالم الذي اخترعه عزّام في القصص المترابطة من حيت ثيمة الزمن والمعادلات الوهمية، فيحرّر القارئ من عناء التحليل والتفكير والإسقاطات على مجتمعات وواقع وشخصيات يقارنها بما يعرف في الحقيقة.

يبدو عزّام موهوباً في اختراع عالم قصصي وكأنه حكّاء بارع بالسرد للسرد، فهو نجح في رواية حكايات فقط من أجل المتعة وإن كان بين السطور أسئلة فلسفية وجودية.

منحى إنساني

تتناول قصص القسم الأول من الكتاب، مسائل الحب والعلاقات العاطفية والزواج. بينما تستطلع قصص الثاني، علاقات إنسانية تشوبها اعتلالات نفسية. أما في القسم الثالث، "فتنطلق قصصه من أحداث ومواقف يومية عادية بإمكانها في هذا المكان من العالم الذي يبدو أن الشقاء يرتاح لملازمته، أن تتفاعل بشكل مقلق سرعان ما يخرج عن السيطرة"، كما يفيد عزام.

ويشرح أنه سوى بعض قصص الجزء الثالث، معظم مكوّنات الكتاب متفلّتـة من أي سياقات مكانية وزمنية محددة، تأخذ منحى إنسانياً دون كثير من التجريد". كما أنها جميعاً، بما فيها ثلاثية "ماذا لو؟" (وكل منها قصة مكثّفة في جملة واحدة بصيغة سؤال)، قصص مبنيّة على حبكات درامية.

يعتبر عزّام قصصه "روايات مكثّفة أو "ميكرو-روايات". أما مصدر ولعه بالدراما، فهو "عائد إلى أن بشير عزام دخل عالم الأدب كقارئ من بوابة المسرح وشكسبير تحديداً وليس القصة". والأهم أن "عامل التسلية بمعنى "الإنترتاينمنت" يبقى عنصراً أساسياً وهاجساً دائماً" لدى الكاتب الذي لا يتوقف عن كتابة القصص كغذاء للروح، كما يرى أن "أي معيار لقياس نجاح قصة أفضل من هذا: قدرتها على حمل القارئ على إكمالها"!

رواية مؤجلة

كان يمكن لعزّام جمع المواد والأحداث الدرامية في "نظراً لضيق الوقت" في رواية واحدة، وربما كانت لتنتمي إلى الخيال العلمي لو طوّرها، فهو يحبّ الرواية وخاض تجربتها سابقاً وقارئاً نهماً لها، لكنه يعتبر أنه "فنٌ متطلّبٌ يستدعي نظام حياة من نوع خاص وصارم، طاقةً ووقتاً وجهداً بحثياً، كحميّة "كيتو"، بحسب تعبيره.

لكنّه يهوى القصص القصيرة أيضاً، ليس كوسيلة تعبير أدبي بديلة بالضرورة بل موازية، أما لماذا اختار أن يكون كتابه الثاني مجموعة قصصية، فالجواب الأصدق يأتي في العنوان نفسه: "نظراً لضيق الوقت""، بحسب عزّام.