
تواجه صناعة النشر في المنطقة العربية أزمة كبيرة مع تزايد انتشار طبعات الكتب المنسوخة التي لا تراعي حقوق الملكية الفكرية، في وقت يراهن فيه كثير من العاملين في صناعة النشر على ما يصفونه بـ"وعي القارئ"، باعتباره المنقذ الوحيد للصناعة فيما يتعلق بتلك الأزمة، خاصة مع تنامي الأزمات الاقتصادية التي تدفع الكثير من القراء إلى اللجوء إلى تلك النوعية من الكتب التي بالطبع تكون تكلفتها أقل بكثير من الكتب الأصلية.
تسببت قرصنة الكتب في خسائر فادحة لدور النشر المكبلة بحقوق نشر تدفعها للكاتب، فضلاً عن تكاليف الطباعة والتوزيع، وفرق من المراجعين اللغويين ومصممي الأغلفة، كما تسببت أيضاً بشكل مباشر في تقليص إصدارات دور النشر العربية باهظة الثمن، وبالأخص تلك التي تضم ترجمات روائع الآداب العالمية في مكتبات العاصمة المصرية القاهرة.
"نادي القراء المحترفين" هو مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تضم نحو 70 ألف شخص، أطلقت مبادرة جديدة تهدف إلى مواجهة ظاهرة قرصنة الكتب، وتدعو لاقتناء الكتب الأصلية، في محاولة لتقليص آثار الأزمة التي تعاني منها دور النشر العربية.
الأكثر مبيعاً
الكاتب المصري عمر طاهر كان أحد أبرز من خاضوا المعارك ضد "نسخ الكتب" بشكل غير قانوني، وهو أيضاً أحد أكثر الكُتاب المصريين الذين تعرضوا للقرصنة، حسبما يصف في تصريحاته لـ"الشرق".
عمر طاهر أكد لـ"الشرق" أنه كان من أوائل ضحايا "قرصنة الكتب" في عام 2005، مع بداية ظاهرة "البيست سيلر" (الأكثر مبيعاً)، خاصة مع إقبال القراء على حفلات توقيع كتابه الساخر "شكلها باظت"، ورواية الكاتب علاء الأسواني "عمارة يعقوبيان".
"هذا الإقبال أغرى المزورين بطباعة الكتب، وتحقيق مكاسب لا يمكن حصرها"، وفق صاحب "كابتن مصر".
ويرى الكاتب الساخر عمر طاهر أن الفترة الزمنية من 2005 حتى الآن شهدت طفرة غير عادية في الكتابة والقراءة، و"سرقة الكتب أيضاً"، مضيفاً لـ"الشرق": "الواقع بعيد عن كل الادعاءات السائدة حول عزوف القارئ العربي عن القراءة، القارئ العربي نهم بدليل أن أقل عدد مرات تحميل كتاب مسروق على الإنترنت تتجاوز 60 ألف مرة، هل يمكن أن يتخيل أحدهم ماذا يمكن أن تفعل بسوق الكتاب لو تحولت هذه القراءات إلى طبعات تباع بشكل شرعي؟".
"الدرع الأخيرة"
عمر طاهر يلقي بالمسؤولية بشكل كامل على القارئ، باعتباره "الدرع الأخيرة"، بحسب وصفه، "الطرف الوحيد الذي في يده حماية صناعة الكتاب هو القارئ، فالدولة لم تعد مهتمة بذلك، ليس أدل على ذلك من مساهمة بعض الجهات الرسمية في إعطاء تصاريح لإقامة معارض للكتاب المزور في الجامعات، والنوادي. الدولة تعرف أماكن المطابع غير المرخصة والكتب المزورة ولا أحد يتحرك. على استحياء مرة كل عام، وتقوم الجهات المعنية بعمل ضبطية قد تصل إلى مليوني كتاب مزور ثم يدفع السارق 500 جنيه، ويخرج ومعه الكتب!"، حسبما وصف الكاتب المصري الساخر.
وتعد مصر واحدة من أكبر أسواق الكتاب المزورة، بحسب عضو اتحاد الناشرين المصريين ورئيس لجنة التطوير المهني علي عبدالمنعم، الذي قال لـ"الشرق" إن "الاتحاد حارب كثيراً من أجل استصدار التشريعات اللازمة لحماية الملكية الفكرية في كافة المجالات، خصوصاً بعد التأثيرات الفادحة لغياب العقوبات الرادعة للمزورين"، بحسب تعبيره.
دور النشر.. مهام غير مكتملة
على الجانب الآخر، يقف الكاتب الشاب أحمد عبدالمنعم معلناً رفضه اضطلاع الكاتب بمهمة الدفاع عن حقوق النشر وحقوق البيع، قائلاً: "الكاتب من المفترض ألا يكون مهتماً بموضوع كيفية وصول الكتاب للقارئ، يهمني أن يصل كتابي للناس فقط، ليس من المفترض أن تؤرقني إنما تؤرق دور النشر، خصوصاً أنهم لا يقومون بدورهم كاملاً، لا دعاية للكتب أو توزيعاً، ككاتب لا أحب أن أتورط في عملية البيع فحقوقي المعنوية محفوظة ما دام اسمي على الكتاب، من يستفيد بالحقوق المادية في الكتب قليلون".
أحمد عبدالمنعم أكد في تصريحاته لـ"الشرق" أنه لا يدعو إلى القرصنة "لكن حين يقرأ كتابي أي شخص فهذا موضع ترحيب، وإذا كان لدينا ما نضغط من أجل تغييره، فالأولى أن نضغط على الناشر ليجتهد في الوصول للقارئ، وخفض أسعار الكتب أو النزول بطبعات شعبية، ذلك لأن ارتفاع أسعار الكتب وهو السبب الأول للجوء القارئ للكتاب المقرصن".
في "نادي القراء المحترفين" استغرقت المناقشة بين الأعضاء حول مدى أخلاقية شراء الكتب المقرصنة أشهراً، حتى اقتنع معظم الأعضاء بأهمية شراء الكتب الأصلية.
في بداية النقاش في "نادي القراء المحترفين" كان غالبية الأعضاء يرون أنه لا غضاضة في اقتناء الكتاب المقرصن خاصة في ظل ارتفاع أسعار الكتب، حسب إسلام وهبان، مدير المجموعة، "فالقارئ ليس مشغولاً بالجانب المعنوي أو حقوق الملكية الفكرية للكاتب ودار النشر وحقوق الترجمة التي يدفعها الناشر وكل هذه الأمور، بقدر انشغاله بالحصول على عدد كتب أكبر بسعر أقل، كانت هذه الفكرة السائدة قبل أن نخوض في نقاش طويل بشأن القرصنة وتداعياتها".
"أغلى من الأصلي"
عمر طاهر عبّر عن رفضه للطرح الخاص بأن ارتفاع أسعار الكتب هو السبب الرئيسي في تنامي ظاهرة "نسخ الكتب"، واصفاً في تصريحاته لـ"الشرق": "يدّعى من يشتري الكتاب المزور أنه يشتريه بسبب ارتفاع أسعار الكتب، بينما الحقيقة أن الكتب المزورة صارت تباع أغلى سعراً من الكتاب الأصلي، وقد كان كتابي (كحل وحبهان) يباع بـ45 جنيهاً، في الوقت الذي تباع فيه نسخه المزورة بـ50 جنيهاً مصرياً".
ورغم أن البعض يعتبر الطبعات الشعبية "حلاً مثالياً" لمواجهة الظاهرة، فإن التجربة أثبتت فشل هذا الطرح مع عمر طاهر، الذي طرح اثنين من كتبه في 2014 و2015 في شكل طبعات شعبية لا يتجاوز سعرها 15 جنيهاً مصرياً، لكن سرعان ما تم تزويرها أيضاً وبيعها بأسعار أغلى من سعر الطبعة الشعبية، يقول طاهر: "بعد تجربة الطبعات الشعبية، لا سبيل إلى مواجهة هذه الظاهرة إلا من خلال وعي القارئ، ورفضه للكتاب المزور".
كانت هذه الواقعة تحديداً فرصة ليدرك القارئ والناشر أن الفارق المالي ليس كبيراً، "لكن التهديد الذي يشكله استمرار شراء الكتاب المقرصن صار (تهديد وجود) لصناعة النشر ككل"، بحسب إسلام وهبان الذي تابع: "إذا استمر الوضع على ذلك، فإن قراصنة الكتب أنفسهم لن يجدوا ما يطبعونه على الأرصفة، باختصار لأن دور النشر ستفلس، والكُتاب لن يتمكنوا من نشر كتبهم".
يضيف وهبان: "بعد كثير من البحث والتفاوض مع دور النشر وجدت أن أغلب الكتب والروايات تكون قريبة السعر من الكتاب المقرصن، ويكون الفارق على الأكثر 5 أو 10 جنيهات مصرية، ذلك لأن سارقي الكتب يطمعون في تحقيق أقصى ربح ممكن، إلا في استثناءات قليلة جداً يكون أجر الكاتب نفسه مرتفعاً، وتعتمد دار النشر على أن هذا الكاتب سيحقق ربحاً معيناً يغطي هذا الأجر وخسائر الكتب الأخرى، فتقوم برفع سعر الكتاب، وهذه استثناءات أقل من 1% من إجمالي المطبوعات".
انطلق "نادي القراء المحترفين" في البحث عن قوائم الكتب الرخيصة، والتي تقل أسعارها عن 50 جنيهاً، كمرحلة أولى لتشجيع بقية الأعضاء على شراء الكتاب الأصلي بدلاً من المقرصن، ثم تواصلوا مع دور النشر لتوفير علاقة مباشرة بين الناشر والقارئ بعيداً عن أزمات التوزيع التي عجزت عن تلبية احتياجات القراء.
"قناة اتصال"
يختصر وهبان القصة، مشيراً إلى أن هناك الكثير من الكتب أسعارها معقولة، "لكن القارئ مشغول فقط بمجموعة من الأسماء اللامعة التي تكون أسعار كتبها كبيرة، بينما هناك آلاف الإصدارات الأخرى ربما للكاتب نفسه لكن ليست على نفس القدر من الشهرة، بأسعار جيدة، وبالتالي يمكن أن تتجه المجموعة إلى تشجيع القراء على اقتناء هذه الكتب الأصلية، بدلاً من التشجيع على اقتناء الكتب المقرصنة والمسروقة.
ويضيف وهبان: "في نهاية المطاف انتشار هذه الثقافة سيساعد الناشر على تغطية نفقاته وتحقيق هامش يعينه على الاستمرار، وستدور العجلة ليستمر الكاتب في الكتابة، ويجد القارئ ما يقرأه".
محاولات إسلام ورفاقه في اكتشاف وتقديم قوائم الكتب الأصلية رخيصة السعر، لم تكن أحادية الجانب، فسريعاً وجدت الخطة تجاوباً من اتحاد الناشرين الذي وفر بدوره "قناة اتصال" بين قراء النادي وبين الناشرين، على أن يقدم الناشرون تخفيضاً دائماً لأعضاء الجروب تصل نسبته إلى 40% من سعر الكتاب الأصلي، خاصة فيما يتعلق بالإصدارات القديمة، في محاولة لتقليل الهوة بين الضغوط المالية على القارئ وبين احتياجات دور النشر اللازمة لاستمرار الصناعة.