
بعد تفشي وباء كورونا وما نتج عنه من إقفال قسري وخسائر مالية فادحة، واجهت المتاحف في مختلف أنحاء العالم هذا العام، تحديات معقدة، ربما تستمر إلى العام 2021.
وكشفت الأزمة الصحية للجائحة، نقاط ضعف المتاحف حول العالم، ما يتطلب ضرورة التضامن والتكاتف الإنساني والتفكير في أطر ومعايير جديدة، لإنقاذ تلك المتاحف كونها مؤسسات تحمل الكثير من حكايات التاريخ.
خسائر فادحة
رفض مدير متحف "اللوفر أبوظبي"، مانويل راباتيه، أن يكون لجائحة كورونا أي نقطة إيجابية، مؤكداً أنه "لا توجد إيجابية على الإطلاق، بل دمّر الوباء المتاحف وكبدها خسائر فادحة".
وقال راباتيه، في حديث خاص لـ"الشرق": "يمكنني القول أن الوباء أتاح فرصة للتضامن وإعادة صياغة التعريفات التقليدية للمتاحف، وتحديد أهدافها وتعزيز تفاعلها مع المجتمعات بطريقة تكون شاملة أكثر".
واعتبر راباتيه، أن "الجائحة كشفت نقاط ضعف المتاحف، خصوصاً الكبيرة والعريقة التي باتت اليوم أمام تحديات مزدوجة، لتجديد علاقتها بالزوار ووضع خطط أكثر عصرية تتلاءم مع ما يتطلبه الوضع الراهن، خصوصاً على صعيد الموازنة بين الرقمي والواقعي، وإعادة بناء جسور بين الماضي والحاضر والمستقبل".
المتاحف بالنسبة لمدير متحف "اللوفر أبوظبي" وزملائه من مدراء أهم المتاحف في العالم، ولعلماء المتاحف، والباحثين والخبراء الفنيين، الذين اجتمعوا افتراضياً أخيراً في مؤتمر دولي نظّمه "اللوفر أبوظبي" للبحث بالشكل الجديد للمتاحف، لا تكتمل إلا بجمهورها، ولا تضاهي أي تجربة رقمية أو افتراضية، مهما كانت ناجحة ومتقنة.
علاقة متغيرة
توقع راباتيه، أن تغير الأزمة الصحية حتماً علاقة الناس بالمتاحف، مشيراً إلى أن البنية التحتية للمتاحف تواجه تهديدات عدّة اليوم، ما يتطلب إعادة النظر في نماذج العمل التي تعمل من خلالها والمهام المنوطة بها".
واعتبر، أن الوقت حان لإعادة فتح المتاحف من جديد من دون المساومة على الإجراءات الوقائية والصحية، مشدداً على أن "التكيّف ضروري في زمن الوباء الذي قد يطول بعد السلالة الجديدة التي اكتشفت في بريطانيا".
دور منتظر
ورأى مدير متحف "اللوفر أبوظبي"، أن على المتاحف اليوم أن تلعب دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية كأداة جوهرية للمجتمع المدني.
هذا الدور المنتظر، تعوّل عليه زينة عريضة، مدير متحف "سُرسق" في العاصمة اللبنانية بيروت، وأحد أعضاء مجلس إدارة متحف الحضارات الأوروبية والمتوسطية في مدينة مرسيليا الفرنسية، والتي قالت لـ"الشرق": "عندما أعدنا افتتاح المتحف في 2015، حرصنا على أن يتعدى إطار السياحة ويكون متجانساً مع محيطه، وأداة تساهم في تغيير المشهد الثقافي، ومستوى الحريات، والقضايا الإنسانية والاجتماعية".
وأكد كل من راباتيه وعريضة، أن أهم ما اتفق عليه المجتمعون في المؤتمر هو "توطيد العلاقة مع الصوت المجتمعي المحيط بالمتحف، والبحث عن الخصوصية، إضافة إلى الإدماج، والتعاطف مع المجتمعات والجماعات، ليكون المتحف مساحة عامة ومنصة لسرد القصص الخاصة وتشارك المعرفة في العصر الرقمي".
تغيير ونهوض
عريضة شددت على أن "لا شيء يضاهي عنصرَي الجمال والدهشة اللذين كانا ويبقيان أساسيين لجذب رواد المتاحف"، لافتةً إلى أن "الجمهور بات اللاعب الأكبر في عالم المتاحف المستقبلي".
وأشارت إلى أنه لا يمكن للمتاحف أن تساهم في عمليات التغيير المجتمعي والنهوض، إلا إذا كان لديها سياسات ثقافية ودعم مادي على صعيد الدولة، معتبرة أن هذا التغيير من الصعب أن يبرز في دولة مثل لبنان، لعدم وجود ميزانية لوزارة الثقافة: "غالبية المؤسسات الثقافية قائمة على مبادرات فردية وخاصة"، حسبما قالت.
أما ميخائيل بيوتروفسكي، مدير متحف "الإرميتاج" في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية، فيرى أن "المتاحف تأتي في المقام الأول قبل كل شيء"، مشيراً إلى أن "هذا ما يميزنا عن ديزني لاند".
وأكد بيوتروفسكي، أنه "حان الوقت للتفكير بجماهير جديدة من دون إهمال فكرة القوانين الثقافية".
وضع كارثي وخسائر كبيرة
أما بالنسبة إلى حمادي بوكوم، مدير متحف الحضارات السوداء في العاصمة السنغالية دكار، فإن قضية تسريح العمّال من المتاحف بشكل ضخم في بعض المدن، جراء الأزمة الحالية، أمر "محزن جداً، لا يتوافق مع أهداف وتاريخ المتاحف ذات القيم الإنسانية.
خلال مؤتمر "اللوفر أبوظبي"، أثار بيتر كيلر، مدير المجلس الدولي للمتاحف، وضع المتاحف المالي، واصفاً إياه بـ"الكارثي"، مبيناً أن بين 6 و 30% من المتاحف، سيتعيّن عليها الإغلاق بشكل دائم.
وأكد كيلر، أن المنطقة الأكثر تضرراً هي الولايات المتحدة حيث غالبية المؤسسات تنتمي للقطاع الخاص أو الملكية الخاصة، متوقعاً أن "تفقد ثلث المتاحف خاصة في آسيا وإفريقيا، نصف دخلها".
وخسر متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك بالولايات المتحدة، وهو من أهم المتاحف في العالم، على مدى عامين 150 مليون دولار، وخسر متحف اللوفر في باريس، ولا يزال يخسر 10 ملايين يورو شهرياً جراء الإغلاق القسري اليوم، في حين يخسر متحف الملكة صوفيا في مدريد أموالاً طائلة، وخفضت ميزانيته بنسبة 40%.
مصير مهدّد
وذكر راباتيه، أن هناك متاحف كبيرة مثل اللوفر، وصوفيا، تعود ملكيتها إلى الدول ولديها رسالة وطنية ثقافية وأكاديمية وتربوية مهمة، لذلك لا تخاطر هذه الدول بإفلاسها وبالتالي إغلاقها.
وأكد أن "الوقت يداهم قطاع المتاحف في العالم الذي يعاني من أخطر أزمة مالية وجوهرية منذ الحرب العالمية الثانية، لذا تضافر الجهود مهم وإيجاد حلول سريعة بالنسبة لهوية المتاحف والبرامج وإعادة تموضعها بين الرقمي والواقعي".
حلول إنقاذية
وفي ما يتعلق بالحلول، فيرى راباتيه، أنه يجب البحث عن مصادر جديدة للتمويل، والاعتماد على المعارض المحلية المتواضعة، بدلاً من الدولية الباهظة التكاليف في الوقت الحالي، وإعادة التركيز على المجموعات، بينما تعتقد صوفي ماكاريو، مدير المتحف الوطني للفنون الآسيوية في باريس، أنه "علينا إعادة اختراع المهنة".
أما فريدريك جوسيه، رائد الأعمال وأحد رعاة الثقافة والفن، فيقترح تنظيم دورات متخصصة في تاريخ الفن مثلاً عبر الانترنت، ودفع مقابل مادي للحصول على شهادة في ذلك، الأمر الذي يفعله متحف "MOMA" في نيويورك.
وأكد جوسيه، أن المتاحف علامات تجارية وتستطيع تطوير منتجاتها، كما تفعل دور السينما مثلاً، أو تحذو حذو متحف اللوفر في باريس الذي يقدم استشارات، كما فعل في أبوظبي ونجح في ذلك.