الهواتف الذكية.."ماكينات قمار" لها مفعول الدوبامين

time reading iconدقائق القراءة - 7
غلاف كتاب "كيف تنفصل عن هاتفك" 2023 - catherineprice.com
غلاف كتاب "كيف تنفصل عن هاتفك" 2023 - catherineprice.com
دبي-الشرق

نشرت الكاتبة كاثرين برايس مؤلفة كتاب كيف تقطع علاقتك بهاتفك "How to Break Up With Your Phone"، أو كيف تنفصل عن هاتفك"، المتخصّصة بمساعدة الأشخاص على استخدام هواتفهم أقل، والعيش أكثر، تقريراً مفصّلاً حول تأثير الهواتف على حياتنا اجتماعياً وثقافياً، والآليات التي يستخدمها مصمّمو التطبيقات لجعل البشر أكثر إدماناً.

وكتبت برايس في مقالها، "كانت الساعة 3.30 صباحاً، عندما أدركت أنني بحاجة إلى الانفصال عن هاتفي. كنت أحمل طفلي بين ذراعيّ وأتصفّح موقع eBay، كان طفلي يحدّق في وجهي. بينما أنا أنظر إلى هاتفي".

تقول  "شعرت بالهلع.. إذ لم يكن هذا هو الانطباع الذي أردت يأخذه طفلي عن العلاقة الإنسانية، ولم تكن هذه الطريقة التي أردت أن أعيش بها حياتي الخاصّة. قرّرت في تلك اللحظة أنني بحاجة إلى "الانفصال" عن هاتفي وإقامة علاقة جديدة بحدود أفضل".

تضيف: "كان ذلك عام 2016، حينها لم أتمكّن من العثور على كتاب يتناول سبب كون هواتفنا جذّابة للغاية، وتأثيرها علينا، ناهيك عن كتاب يقدّم حلاً. لذلك قررت أن أكتب بنفسي ما تعلمته، وذلك غيّر حياتي بالفعل".

"ماكينات قمار"

تقول الكاتبة كاثرين برايس لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية: "هناك العديد من الأسباب التي تجعلنا مقيّدين بهواتفنا، ولكن السبب الذي أجده الأكثر إثارة للغضب، هو أن معظم التطبيقات التي نستهلكها مصمّمة عمداً لربطنا بها، لأنها الطريقة الوحيدة التي يجني من خلالها مصمّموها الأموال".

تضيف: "يجذبنا صانعو التطبيقات من خلال محاكاة التقنيات المستخدمة في "ماكينات القمار"، التي تعدّ من أكثر الآلات التي تمّ اختراعها إدماناً على الإطلاق. وذلك لأنها مصمّمة لتحفيز إطلاق "الدوبامين"، وهو ناقل عصبي يساعد (من بين أشياء أخرى) أدمغتنا، على التسجيل عندما يكون السلوك يستحقّ التكرار، ومن ثم يحفّزنا على تكراره".

وتوضح الكاتبة أن "الدوبامين ضروري لبقاء جنسنا البشري، لأنه يضمن استمرارنا في القيام بأشياء مثل الأكل والتكاثر. لكن الشيء الصعب في أنظمة الدوبامين لدينا هو أنها غير تمييزية، بمعنى أنه إذا أدى سلوك ما إلى إطلاق الدوبامين، فسنكون متحمّسين لتكرار هذا السلوك، بغض النظر عما إذا كان مفيداً لنا مثل التمارين الرياضية، أو ضارّاً مثل تعاطي المخدرات، أو إضاعة ساعة على TikTok".

تضيف: "وكلما زاد سلوك معيّن يؤدي إلى إطلاق الدوبامين، كلما زاد احتمال أن يصبح هذا السلوك عادة (وفي الحالات الأكثر، إدماناً). هذا يعني أنك إذا كنت تريد إنشاء منتج (أو خوارزمية) تجذب الناس، فالأمر بسيط للغاية، عليك دمج أكبر عدد ممكن من محفّزات الدوبامين في تصميم منتجك. وهذا بالضبط ما فعله مصمّمو التكنولوجيا".

محفّزات الدوبامين

وتقول كاثرين برايس: "هواتفنا وتطبيقاتنا مليئة بالعديد من محفزات الدوبامين، لدرجة أن الخبراء مثل تريستان هاريس، المؤسس المشارك والمدير التنفيذي لمركز التكنولوجيا الإنسانية، يشير إلى الهواتف على أنها "ماكينات قمار نحتفظ بها في جيوبنا".

ويقول هاريس: "لم يسبق أن كان لدى حفنة من مصمّمي التكنولوجيا مثل هذه السيطرة على الطريقة التي يفكّر بها مليارات الناس، ويتصرفون بها في حياتنا".

وتوضح الكاتبة أن "الألوان الزاهية هي محفّزات للدوبامين، وكذلك الأمر بالنسبة للحداثة، وعدم القدرة على التنبّؤ، والترقّب، وكل ذلك نختبره تقريباً في كل مرّة نفحص فيها هواتفنا".

 وتشير إلى أن "المكافآت هي أيضاً محفّزات ضخمة. ففي حالة ماكينات القمار، من الواضح أن المكافأة المحتملة هي المال. أما على صعيد هواتفنا، فالمكافآت الأكثر شيوعاً تأتي على شكل تأكيد اجتماعي، مثل الإعجاب أو التعليق على منشور. ولذلك فإن تطبيقات وسائل التواصل والأخبار والبريد الإلكتروني والألعاب والتسوّق، تحتوي على أكبر عدد من محفّزات الدوبامين".

"اقتصاد الاهتمام"

وتوضح كاثرين برايس أن هذه التطبيقات هي  جزء مما يُعرف بـ"اقتصاد الاهتمام"، “attention economy"، إذ يتمّ بيع اهتمامنا (والبيانات حول ما من المحتمل أن نوليه اهتماماً) وليس السلع أو الخدمات. في هذا الاقتصاد، نحن لسنا عملاء هذه التطبيقات، بل المعلنين. نحن في الأساس، المنتج الذي تمّ التلاعب به لمنح اهتمامنا مجاناً".

وترى برايس أن السبب وراء ذلك "أن حياتنا هي في النهاية ما نوليه الاهتمام. نحن نختبر فقط، ونتذكر ما ننتبه إليه، بالتأكيد، هناك العديد من الأسباب التي قد تجعلنا نرغب - أو نحتاج - إلى الاهتمام بما هو موجود على هواتفنا".

 وتقول: "من الضروري أيضاً أن نتذكّر أن انتباهنا، مثل الوقت، عبارة عن معادلة محصّلتها صفر: كل دقيقة نقضيها في التصفّح من دون قصد، هي دقيقة لم ننفقها على شيء آخر، شيء قد نهتم به بالفعل. وهذا أمر مهم، لأن هذه الدقائق، عندما تتكرر على مدار ساعات وأيام وأسابيع وشهور، تضيف قيمة إلى حياتنا، أو تُفقدها قيمة".

وتحذّر برايس أنه "إذا لم ندرك ما يحدث - ولم نقاومه بوعي - فقد نصبح مثل فئران المختبر المدرّبة على الضغط للحصول على الطعام، ننقر أو نضغط عليها أي شيء تعدنا بتقديمه، بغض النظر عما إذا كان له أهمية أو قيمة بالنسبة لنا".

وتؤكد أن "الناس أصبحوا معتادين للغاية، بفضل الدوبامين، على الاعتقاد بأن فحص هواتفهم هو سلوك يستحقّ التكرار، لدرجة أنه عندما لا نتمكن من التحقّق من هواتفنا، غالباً ما نشعر بالقلق، ونبدأ في تجربة "Fomo"أو "The fear of missing out".

 وتقول "القلق بالطبع أمر مزعج، فماذا نفعل للتخفيف منه؟ نتحقّق من هواتفنا. وعندما نفعل ذلك، نواجه محفّز الدوبامين، مما يعزّز فكرة أن فحص الهواتف هو سلوك يستحق" التكرار. وهكذا تستمر الدورة، حتى نكسرها".

الشفاء من الهاتف

تروي برايس كيف عالجت تداعيات الانفصال عن هاتفها والذي يخشاه الكثير من الناس، بحالة تسمى بـ"النوموفوبيا" قائلة: "خطوتي الأولى كانت عملية تفكيك هاتفي، وتقليل تعرّضي لمحفّزات الدوبامين، عن طريق إيقاف تشغيل معظم الإشعارات، وإخفاء أو حذف معظم التطبيقات التي تستغرق وقتاً طويلاً، وتحويل شاشة هاتفي إلى الأبيض والأسود". 

وتقول" أنشأت حدوداً مادية مع هاتفي، عن طريق حظره من غرفة نومي وطاولة غرفة الطعام، وشحنه في الخزانة ليلاً. وأحتفظ بكتاب أو بمذكراتي على طاولة بجوار سريري حيث كان هاتفي موجوداً.

سألت نفسي ما الذي أريد أن أفعله حقاً في وقت فراغي أكثر فائدة. على سبيل المثال، كنت أرغب في تحسين عزف الجيتار، لذلك سجّلت اسمي في فصل دراسي جماعي، وبدأت في ترك جيتاري خارج علبته في المنزل، ونتيجة لذلك، التقيت بمجتمع من البالغين وكوّنت صداقات جديدة غير متوقّعة.

وتختم برايس كتابها بالقول: "علاقتي بهاتفي لا تزال غير مثالية، ولا توجد علاقة على الإطلاق. لكنها تحسّنت بطرق لم أكن أتوقعها أبداً، عندما قررت الانفصال عنه لأول مرة.  أنا أكثر حضوراً اليوم، أشعر بأني أكثر هدوءاً وأكثر ارتباطاً بعائلتي وأصدقائي ونفسي. هذه حياتك. ما الذي تريد الاهتمام به؟"

تصنيفات

قصص قد تهمك