بلغ النحّات المصري القديم مكانة رفيعة في تاريخ النحت، كمؤسس لقواعد هذا الفن وأساليبه وتقنياته، وافتخر نحّات الإغريق الأكبر ديداروس بأنه تعلم أصول هذا الفن في مصر.
تعدّدت المدارس الفنية في مصر، وكان لكل منها قواعدها وأساليبها، واشتهرت مدرسَتَي "منف" و"طيبة" بمنحوتاتهما الفريدة، ومنها تماثيل خفرع، وكنوز مقبرة توت عنخ آمون.
بعد مرور أكثر من 3 آلاف عام، ظهر النحّات سيد المطعني، ابن القرنة سائراً على نهج مدرسة أجداده وروحها في طيبة.
كانت البداية في أوائل ستينيات القرن الماضي، حين أبدع المطعني في نحت تميمة مصرية قديمة من الحجر، هي "الجعران" أو الخنفساء، وقدّمه إلى عالم الآثار الشهير لبيب حبشي.
"الجعران" أو الشمس لحظة الشروق
و"الجعران" أو "الجعل"، هو أشهر التمائم المصرية القديمة، ويمثّل الشمس حين تشرق، ويطلق عليه لفظ "خبر" باللغة الهيروغليفية. وكان المصريون القدماء، يضعونه كتميمة فوق القلب، وعلى الجبهة، كما كان رمزاً للحظ والسعادة.
انبهر النحّات الكبير بموهبة هذا الصبي ودقّته الفنية، فتبنّاه عملياً، وأطلعه على أسرار الكتابة المصرية القديمة، ثم أهداه كتباً عدّة تضمّ صوراً عن إبداعات المصري القديم.
بدل عن ضائع
سيد المطعني تحدّث لـ"الشرق "عن هذا اللقاء الذي شكّل نقطة تحوّل في حياته، وقال: "كرّست وقتي لتعلّم فن النحت، وبفضل توجيهات لبيب حبشي، عُرضت أعمالي في مختلف دول العالم".
في تسعينيات القرن الماضي، قامت هيئة الآثار بترميم المقبرة رقم (52) الواقعة في مقابر النبلاء بالأقصر، وتُعرف باسم مقبرة "نخت"، ويعود تاريخها إلى عصر الدولة الحديثة في مصر القديمة.
كان يزيّن المقبرة تمثال من الحجر الجيري يصل ارتفاعه إلى 40 سنتمتراً، نقله عالم الآثار الأميركي إلى متحف المتروبوليتان في الولايات المتحدة عام 1915، وذلك على متن الباخرة "العربية"، التي غرقت في بحر إيرلندا، وضاع معها التمثال.
بعد مرور 75 عاماً، طلبت مصلحة الآثار من الفنان سيد المطعني، أن يعيد نحت التمثال نفسه، اعتماداً على الصور الفوتوغرافية الملتقطة له. فتمّ وضعه في المقبرة في مقصورته الأصلية.
شارك المطعني في معارض دولية عدّة، وكانت البداية في لوزان في سويسرا في سبعينيات القرن الماضي. يقول: "كنت أقوم بنحت التماثيل الصغيرة خلال المعرض، وأقدّمها هدايا للزوّار".
دكتوراه فخرية
حصل المطعني على الدكتوراه الفخرية من جامعة كارلتون في أستراليا، كما حصل على دكتوراه فخرية من الهند.
وعلى الرغم من سمعته الكبيرة، لا يزال المطعني متمسّكاً بورشته البسيطة في قرية الطارف بالبر الغربي بالأقصر. ويؤكد أن هدفه الأكبر "هو تعليم الأجيال الجديدة فن النحت حتى تستمر المسيرة".
ورش النحت
شيّد المطعني مصانع صغيرة وورش نحت في الأقصر، لتوفير فرص عمل لأبناء منطقته، وتعليمهم فن النحت على "الألاباستر"، بالأساليب المصرية القديمة.
بلغت مسيرة سيدة المطعني 60 عاماً، استخدم خلالها أحجار الطبيعة المصرية المتاحة كلها، وقام بنحت أعماله من الجرانيت والحجر الجيري والرملي، وشكّل بعض أعماله الفنية من الصلصال.
زار المطعني في ورشته مسؤولين من مختلف دول العالم، آخرها زيارة رئيسة وزراء الدنمارك مته فريدريكسن في شهر مارس، كما زاره عدد من المشاهير من مختلف أنحاء العالم.