"الحرب، لا نهاية لها. نفق طويل وليس في آخره نور. لا هدنة، لا خلاص، حكمٌ بالإعدام، سجن مؤبّد، والعقوبة خسارات لا تحصى.. شعور بالذنب والخوف على من خلفتهم هناك. الهواتف المقطوعة. الرسائل التي لا تصل. الحرب التي صارت بعيدة، لكنها تحرق في كل لحظة عينيك"..
شذرات وأفكار تدوّنها الروائية اللبنانية نجوى بركات في مقالتها الأسبوعية، تعبّر فيها عن هواجس الحرب، وعن الخوف المقيم فينا، عن صدمة العنف التي لا تنفك تتجدّد، عن أيام تحاصرنا ولا مكان لنا خارجها، عن حرب لبنان وسوريا وفلسطين، وعن الحروب التي تزنّرنا مثل طوقٍ مُحكم.
الروائية والصحفية والمترجمة ومؤسّسة "محترف كيف تكتب رواية" نجوى بركات، تحدّثت لـ "الشرق" عن تلك الهموم الوطنية والشخصية، وعن الجوائز الأدبية وغيرها، أثناء مشاركتها في مهرجان طيران الإمارات للآداب في دورته السادسة عشرة 2024.
أبدأ من سؤال يشبه اللحظة، ومن مجال عملك في "محترف كيف تكتب رواية"، كيف لنا وأنت الخبيرة في ذلك أن نكتب رواية عن الحرب؟
لا توجد وصفة واحدة يمكن اتباعها بشأن أي موضوع للكتابة، نحن نشتغل على موضوعات الهمّ الإنساني عموماً. فالكتابة شيء يشبه السحر، وأن تكوني في مناطق الوعي واللاوعي، الحاضر والذاكرة، الماضي والحاضر، وبما تشعرين ككاتبة أنه قد يحدث. لكن هناك رواية تكتب الآن، بدأت من الحرب اللبنانية عام 1975، وانتقلت إلى أمكنة أخرى، مثل سوريا والعراق وليبيا...
إذن هناك روايات عدّة؟
هذا هو السؤال، هل هناك رواية واحدة عن الحرب أو روايات عدّة. أعتقد أن تلك هي مهمة النقّاد، نحن نكتب من منطقة الاعتراض والوجع، الكتابة هي فعل تمرّد واعتراض، على ما يجري وعدم القدرة على تغييره.
في منطقتنا أصبح الإنسان محكوماً بظرف خارجي، نصبح على يوم نكون فيه أناساً عاديين، ثم فجأة نضطر إلى الهرب، إلى الاختباء واللجوء، هناك بلدان نفقدها، بلدان تضيع وتنتهي. كل واحد فينا يحاول التعبير عن هذا الزلزال الذي يعيشه ويخصّه.
ما هو المشترك في هذه الحروب؟
التدمير الإنساني، تدميرنا كبشر من الداخل، نحن نعيد ونكرّر الحروب نفسها منذ فجر التاريخ. كانت هناك جماعة تغزو جماعة، ثم جيش يغزو الآخر، ودولة تغزو دولة. الحروب تأكل أبناءها لا منتصر فيها ولا خاسر.
سألتك عن الحرب لأننا نعيش على وقعها في فلسطين، كيف تصفين ما يجري في غزة؟
يسبق الخيال ما يجري هناك، يفوق أي تصوّر، حتى لو كنت شخصاً أكتب في مجال الخيال، وذهبت في مخيلتي إلى أبعد ما يكون، سوف يتجاوزني ما يحصل في غزة. عندما أسمع غزة، أفضّل أن أصمت. غزة ونقطة على السطر. أصبح الكلام قليلاً وضحلاً، لأن الموت بهذا الشكل والكم مع أبرياء وأطفال غير مقبول لا في الأدب ولا في الحياة الواقعية.
نشهد طفرة في الجوائز الأدبية العربية، ماذا تقولين عن أدب الجوائز، وقرّاء هذا الأدب؟
لدي إحساس أن الجوائز الأدبية حادت عن هدفها الأساسي، لأن الجوائز ينبغي أن تُمنح تقديراً للكتاب، وللكاتب الاستثنائي الذي أنتج عملاً خاصاً، كي تعطيه المزيد من الدعم. لكن جوائزنا هي جوائز تدجين، تقصّ أجنحة الكاتب التي ينبغي أن تكون طليقة.
أعتقد أن تلك الجوائز تشكّل ذائقة لدى القارئ العربي ستكون خطيرة على المدى البعيد، للأسباب التي سأذكرها:
لأنها ترفض التجريب، لأنها تخاف الأسئلة الكبيرة، لأنها تخشى الاعتراض؛ الكتابة هي فعل اعتراض ورفض، ندلّ من خلالها على الأماكن التي يوجد فيها لا عدل، وظلم ولا مساواة.
هل حصلت على جوائز سابقاً؟
سأحدثك عن آخر إصدار لي بعنوان "مستر نون" الصادر عن دار الآداب في بيروت، الكتاب لم يدخل في جوائز عربية، لكن عندما تُرجم إلى الفرنسية دخل في لائحة قصيرة لأهم جائزة فرنسية هي "Prix Femina étranger"، ونال بترجمته الإنجليزية جائزة "EBRD Literature Prize" أو "كفيناليست"، إلى جانب أولغا توكاروتشكا (نوبل الأدب)، والحائزة على جائزة الاتحاد الأوروبي.
ما عنيته هو عندما نُعطى فرصة، وعندما لا تكون الاعتبارات التافهة تحكم الجوائز، مثل القول إن هذا الموضوع لا نطرقه في جائزتنا، أو أن هذه الجنسية حصدت الجائزة قبل عام، أو ذاك الكاتب كتب عن شيء يخدش الحياء...
وكيف للكاتب أن يحصل على فرصته؟
هناك أعمال تثبت جدارتها، والفرصة هي أن لا تعرفي أحداً ولا أحد يعرفك، والفرصة أن يصل الكتاب كما هو، من دون تدخّل من أحد، ومن دون نظرة مسبقة عليه. لدينا اعتبارات في جوائزنا "ما خصّها" بالأدب.
ما هو المجال المهني الأكثر استحوذاً على وقتك هذه الأيام؟
لدي برنامج ثقافي تلفزيوني بعنوان "مطالعات"، أحاول فيه من خلال استضافتي للكُتّاب والمثقفين، أن أعيد تصويب البوصلة، إذ أدعو كُتّاباً لديهم كتب جديرة بالقراءة، وأستقبل في كل حلقة كاتبين يتحدثون عن آخر إصداراتهم.
للأسف لم يعد يوجد برامج ثقافية أدبية، الصحافة الثقافية والنقد غائبان تماماً، والتركيز على ما هو مرشّح على القوائم فقط، وهذا يترك عدداً كبيراً من الكتب الجيدة خارج دائرة الاهتمام.
أين موقع الكاتب العربي على خريطة الأدب العالمي؟
الكاتب العربي موجود، وهناك شباب يكتبون، وتوجد إصدارات جيدة، لكن ليس كل ما يكتب جيد ولا كل ما يروّج جيد.