الحائز على جائزة بوكر لـ"الشرق": الظلال مليئة بأفضل الكُتّاب

time reading iconدقائق القراءة - 11
الكاتب الإيرلندي بول لينش في مهرجان الأدب الهندي. 2 فبراير 2024 - AFP
الكاتب الإيرلندي بول لينش في مهرجان الأدب الهندي. 2 فبراير 2024 - AFP
دبي-ثناء عطوي

يقول الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك: "إن أسوأ ما في الحروب هو تناسل الأحداث الغرائبية وتحوّل القصص المأساوية إلى حدث عادي".. ذلك ما ينطبق تماماً على حروبنا المتناسلة، وبلداننا التي تشبه بأدائها ساعة "بيغ بن"، لكل وقت أزمة، وهكذا دواليك.

لكن بالنسبة للكُتّاب الذين يملكون حاسّة مغايرة تجاه الحروب، فإنها تصبح بهذا المعنى ملهمة لهم، ومسرحاً ملائماً لأعمالهم الأدبية، يتألقون بسردها، ويحصلون على الجوائز ببراعة روايتها.

هذا هو حال الأدب والحرب في العصور كلها، وهي مناسبة للحديث عن رواية "أغنية نبي" للكاتب الإيرلندي بول لينش، الحائز على جائزة "بوكر" العالمية 2023، إذ قال إن الحرب الأهلية السورية، وأزمة اللاجئين التي تلت ذلك، ولامبالاة الغرب بمحنة اللاجئين، عناصر شكّلت الإلهام الرئيس لروايته.

 لينش تحدّث لـ "الشرق" في حوار صريح عن الغرب ورؤيته لقضايانا، وعن أثر "بوكر" العالمية عليه، وعن "أغنية نبي"، وذلك أثناء زيارته لمدينة دبي، ومشاركته في مهرجان طيران الإمارات للآداب بنسخته الـ16.

نبدأ من روايتك الأخيرة الحائزة على "بوكر" العالمية، أنت تكتب عن شيء غير تقليدي، وربما لا نتوقع في عالمنا العربي أن تكتب عنه، لأنك تعيش في بلد آمن، لا مشكلات فيه، لذا نريدك أن تحدّثنا عن هذا الكتاب؟

من أين أبدأ؟ عندما يتحدث الكاتب عن مصدر إلهامه، عادة ما يوضح ذلك بعد حدوثه وتحقّقه، لأن ما يدور في ذهن الكاتب غالباً ما يكون غير مرئي له. لكني أذكر ما كنت أفكر فيه عام 2018، عندما بدأت بكتابة  "أغنية نبي"، وما كان يقلقني حينها. 

في تلك المرحلة شهدنا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب. وهما أمران كان لا يُمكن تصوّرهما بالنسبة لمن يعيش في الغرب. وكانت هناك الأزمة السورية أيضاً، التي نجم عنها أضخم تدفّق لعدد اللاجئين إلى دول الغرب، منذ الحرب العالمية الثانية. 

بدا لي -ككاتب وكمواطن- أن هناك عدم قدرة على التخيّل، من جانبنا في الغرب، لفهم ما يدفع شخص ما إلى ركوب هذه القوارب "قوارب اللجوء" والرحيل. 

فكّرت في هذا الأمر كثيراً، والمشكلة هي أننا عندما نشاهد الأحداث اليومية في نشرات الأخبار، يبدو الأمر وكأنه مشهد مصوّر من ضمن مشاهد كثيرة نراها عبر تلك القنوات. 

هل توصّلت إلى فهم ما يجري؟ 

أشاهد ما يحصل طبعاً، لكن المشهد لم يعد يؤثّر علينا لأننا نعيش معه منذ عقود. كبرنا كأطفال ونحن نشاهد المشهد نفسه في أخبار المساء، ثم أصبحنا بالغين غير مبالين أو معتادين، وتلاشت حماية النفس، لأننا نتناول العشاء، ونشاهد الأخبار من دون أن نشعر بما نرى. 

هل استطعت أن تعكس هذه المعاناة في كتابك؟

أعتقد أن هدف الكاتب لا يتمثّل في خلق التعاطف، لكن التعاطف يتواجد عندما تكتب رواية، فهذا هو ما ينتج عن الرواية. ودائماً ما أهتمّ بإيجاد طرق لتجاوز الدفاعات الذاتية للقارئ للوصول إليه، بطريقة تجعله يشعر حقاً بما يقرأه. 

لذلك، عندما كنت منغمساً في كتابة "أغنية نبي"، أدركت أنه يتحدث عن أحداث مثل سوريا، لكنه يتناول أيضاً الأحداث في العالم كله، في الماضي، وفي المستقبل. 

تنبأت بما سيجري بهذا المعنى؟

الأمر يشبه قصة أسطورية، قصة عظيمة في قالب أسطوري، وهو القالب الذي يسمح للعوالم الأخرى بالدخول إليه. الحرب الأوكرانية حدثت بعد أن كتبت الكتاب، وحرب غزة حدثت بعد كتابته أيضاً، فالكتاب بطبيعة الحال يتحدث عن هذه القصص، بهذا المعنى تنبأت بما يجري اليوم في العالم. 

لكن أحداث الكتاب في إيرلندا؟

 أعتقد أن حقيقة أن أحداث الكتاب تجري في إيرلندا تجعله أكثر قوّة، لأن الناس يعتقدون جازمين أن ذلك لا يمكن أن يحدث هنا أبداً. وفقط عندما تطبّق قصّة كتلك على حياة الأشخاص في الغرب، سيصبحون قادرين على فهم ما يحدث في مكان آخر من العالم. 

ما التأثير الذي تركه كتابك على القرّاء في بلادك؟ 

إنه أمر مثير للاهتمام للغاية، لأنك عندما تجلس لكتابة كتاب، لا أحد يطلب منك ذلك. أنت تضطر إلى القيام بذلك لأن هناك شيئاً ما في رأسك، وتشعر بالحاجة إلى إخراجه واستكشافه. 

لذلك، يُعدّ الكتاب عملاً نابعاً من إيمانك بنفسك ككاتب، وعندما تنتهي منه تأمل في أن يرغب الناس في قراءته، لكنك لا تعرف ما إذا كان سيشتريه الناشر، أو سيقرأه الناس.

لكنك تفكر في ذلك؟

نعم، وأكتب كتابي على أي حال، إنه عمل نابع من إيمان وعزيمة لمدة ثلاث أو أربع سنوات. لكن رؤية الاستجابة لهذا الكتاب، هو أمر استثنائي بالنسبة لي.

 الناس يرسلون لي رسائل طوال الوقت يخبرونني أنهم لم يقرؤوا كتاباً مثل هذا في حياتهم كبالغين، وأنه لم يسبق لهم الشعور بمثل هذا الألم، والتأثّر. 

 عندما كنا أطفالاً، هذا ما كانت تفعله الكتب بنا، وعندما أصبحنا مراهقين، اعتدنا أن نقرأ ونشعر بكل شيء بشكل أكثر كثافة، وماذا يحدث عندما نصبح بالغين، لم نعد نشعر بالروايات بالطريقة نفسها. 

أعتقد أنه انتصار أن تتمكّن هذه الرواية من أن تفعل هذا بالناس مرة أخرى، وأن كتاباً يمكن أن يمنح الناس هذا النوع من الاستجابة. 

هل تُرجم الكتاب إلى اللغة العربية؟ 

هناك نسخة مترجمة قادمة في العام المقبل، لكني لا أذكر اسم الناشر، لأنه لديّ الكثير من الناشرين، لكنه ناشر معروف. 

هل قرأت أعمالاً لكُتّاب عرب، وهل تأثرت بأي منهم؟ 

نعم قرأت، وتأثّرت بكتابات الروائية وعالمة أنثروبولوجيا عراقية هي شهد الراوي. أعتقد أن كتابتها تنقل شيئاً عميقاً للغاية عن الفقدان، عما قد تسببه الحروب. 

أعجبتني الطريقة التي تمكّنَت بها من إعادة صياغة المنظور الغربي، ورؤية كيف يكون الأمر عندما ينشأ المرء في مجتمع مدمّر لم يبق فيه أحد فيه. إنه أمر قوي للغاية يمكن أن يتناوله كاتب.

ماذا عن الكُتّاب الأجانب، من يعجبك منهم؟ 

الكُتّاب الذين أثروا بي أراهم كسلسلة متّصلة، ويتحدثون بهدوء إلى أنفسهم، منهم فيودور دوستويفسكي، وجوزيف كونراد، ووليام فولكنر، وفرجينيا وولف، وفلانيري أوكونور، وكورماك مكارثي. 

أعتقد أن هؤلاء الكُتّاب لديهم أفق لا نهائي، ويستطيعون تمكيننا من رؤية ما يرونه... وهذا نوع الكتابة الذي أحاول تقديمه. 

هل سبق لك أن زرت دولة عربية؟

هذه أول زيارة لي إلى دولة الإمارات. زرت المغرب من قبل، لكن هذا لا يعني أن هذا هو العالم العربي، لا يمكن احتساب هذه الزيارة. لذا، هذه هي المرّة الأولى لي هنا. 

وما هو انطباعك؟

 أنا متحمس. لكني هنا منذ فترة قصيرة، ولم أتعرّف جيداً على  المدينة بعد. لكني أشعر هنا في دبي، أنني في المستقبل. 

لكن ليس العالم العربي كله مثل دبي؟

نعم، أعرف ذلك (ضاحكاً)، إنها فريدة من نوعها.

هل لديك أي أفكار للمستقبل؟ 

المشكلة في الفوز بجائزة كبيرة مثل "بوكر"، أنها مسؤولية كبيرة، عليك أن تفكّر مراراً وتكراراً  بما ستفعله بعدها.

إنها تأتي بعد جائزة نوبل لجهة السمعة والأهمية.

فعلاً، وبالنسبة لكتاب يضعك على منصّة عالمية، فهذا يعني أن لديك قرّاء يزدادون بطريقة مذهلة، وبالتالي لا يترك لك ذلك سوى القليل من الوقت للكتابة، وقيل لي عندما فزت بها، أنني لن أكتب لمدة عام لأنه سيكون هناك الكثير من السفر.  

ما الذي يعنيه لك الفوز بهذه الجائزة؟ 

أعتقد أن كتاباً ما لن يكون موجوداً ما لم يكن له مزايا، وبالتالي فإن أهمية جائزة مثل "بوكر"، هو أنها تسلط الضوء عليك بالفعل للقرّاء، بطريقة لم تكن لتحدث من قبل، وهذا شيء جميل. إنها تجلب عالماً جديداً تماماً من القرّاء إلى عالمك.

هل توقّعت الحصول على هذه الجائزة؟ 

لا، لأن فرص الفوز واسعة جداً. أعتقد أن كل كاتب خيال جاد يتمنى سراً أن يفوز بها، وكنت واحداً من هؤلاء الكتّاب، لأنه إذا فزت بها، فإنك جيد، كما تعتقد.  

هل تعتقد أننا كقرّاء نهتم بالكتب التي حصلت على جوائز فقط، ونتجاهل الكتب الأخرى؟ 

أعتقد تماما أن القرّاء ينبغي لهم القراءة بشغف، وينبغي لهم البحث في الظلال عن أعمال أدبية عظيمة، لأن الظلال دائماً مليئة بأفضل الكُتّاب. 

الجائزة بالنسبة لنا تأتي لتهدئة فوضى الكم الهائل من الكتب التي تُنشر، وتساعد القرّاء على تحديد كتاب واحد ليُركزوا اهتمامهم عليه، لأن معظم الناس يقرؤون بشكل أساسي 5 روايات في السنة، ربما تعرفين هذا، إنه المتوسط الشخصي.

لذلك كيف يمكنك اختيار كتاب من بين الآلاف التي تُنشر كل عام في مجال الخيال؟ هنا يشعر الناس بالارتباك، والجوائز توجّه القراء نحو الكتب الجيدة، لذا الجوائز ضرورية، لكن الكتب المغمورة مهمّة أيضاً، وتعلمين، أنني أمضيت حياتي كلها أبحث في الظلال. 

الآن بعد زيارتك إلى دبي هل سوف تنفتح على العالم العربي أكثر؟ 

نعم، أعني أن يُتَرْجَم عمل إلى لغة أخرى، فهذا بحد ذاته هدية، والمترجمون ذو أهمية كبيرة لأنهم يبنون جسراً بين ثقافة وأخرى، وهكذا نأتي لنفهم الثقافة الأخرى حقاً. 

عندما نقرأ عملاً أدبياً آخر، وأكون قادراً على استيعاب نفسية وعقلية شخص من ثقافة مختلفة، يتبيّن لنا أننا لسنا مختلفين تماماً، بل نبدو متشابهين. 

إذن واظب على ترجمة كتبك إلى العربية.

 ستتم ترجمة كتبي طبعاً، أعتقد أننا وصلنا إلى 30 لغة حتى الآن. 

ما هي اللغات الأهم بالنسبة لك؟  

جميعها مهمّة. تُرجمت كتبي إلى جميع اللغات الأوروبية، الألمانية، الإيطالية، الأوكرانية، الروسية وغيرها.

لكن اللغة العربية في نهاية القائمة؟  

لا، بل إنها واحدة من الأوائل. 

 بول لينش

روائي إيرلندي مولود عام 1977، معروف بأسلوبه الشعري والغنائي واستكشافه الموضوعات المعقدة. هو مؤلّف 5 روايات: "ما وراء البحر"، "النعمة"، "الثلج الأسود"، "السماء الحمراء في الصباح"، "أغنية نبي".

التعاطف مع المحتاجين

كتبت صحيفة "Observer" عن روايته الفائزة: "إذا كان هناك كتاب مهم في عصرنا الحالي، فهو "أغنية نبي" لبول لينش... بيان أدبي للتعاطف مع المحتاجين، ورواية رائعة ومخيفة يجب وضعها بين أيدي صنّاع السياسات في كل مكان".

ونشر موقع "الإيرلندية المستقلة": "يقوم لينش بعمل ممتاز في إظهار مدى السرعة، إذ يمكن لمجتمع مثل مجتمعنا أن ينهار. بعض المشاهد تبدو وكأنها قصة مثيرة، سيجد القرّاء أنفسهم يحبسون أنفاسهم حرفياً، بينما يتم تقديم البعض الآخر بشكل جميل مثل النثر الغنائي."

تصنيفات

قصص قد تهمك