أحمد المرسي لـ "الشرق": أكتب النهايات أولاً لأنها تلهمني

"مقامرة على شرف الليدي ميتسي" على قائمة الجائزة العالمية للرواية العربية

time reading iconدقائق القراءة - 11
الروائي المصري أحمد المرسي. 18 فبراير 2024 (تصوير: فادي فرنسيس) - الشرق
الروائي المصري أحمد المرسي. 18 فبراير 2024 (تصوير: فادي فرنسيس) - الشرق
القاهرة-شريف صالح

عرف طريقه إلى نشر الروايات قبل نحو أربع سنوات، ومع ذلك دقّ الحظ بابه مرّتين؛ عندما وجد نفسه فائزاً بجائزة "ساويرس" عن روايته الثانية "مكتوب" (2021)، وعندما وصلت روايته الثالثة "مقامرة على شرف الليدي ميتسي" إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (2024)، وسرعان ما اكتشف أنه الكاتب المصري الوحيد على القائمة.

ليس سهلاً أن تكتب ثلاث روايات فقط، وتفوز أو تترشّح اثنتان منها لجوائز مرموقة. وليس سهلاً أن تكون شاباً في بدايات مشوارك الأدبي، ثم تجد نفسك محاطاً بأضواء وسائل الإعلام.

حول مقامرة الرواية والكتابة والجوائز، كان هذا الحوار مع الروائي الشاب أحمد المرسي:

هل هذه هي المرّة الأولى التي تقدّم فيها عملك إلى الجائزة العالمية للرواية العربية؟

نعم أوّل مرّة.. وجاء التقديم من خلال الناشر الذي كان له حقّ إرسال رواية واحدة، واختار روايتي "مقامرة على شرف الليدي ميتسي"، على الرغم من وجود أسماء أخرى مهمّة تنشر معه.. بصراحة نسيت الترشيح تماماً، ثم فوجئت باتصال صديق يخبرني أن الرواية تأهّلت للقائمة الطويلة.

أنت الآن تترقّب على مفترق طرق.. فماذا لو وجدت نفسك فائزاً أو خاسراً؟

لو خسرت سأكون ممتناً جداً للتجربة، والوصول إلى القائمة القصيرة إنجاز مهم جداً لي ككاتب.. إنها جائزة كبيرة عربياً، ويسعد أي كاتب الترشّح إليها.. أما لو فزت، فهذا بمثابة تقدير لتجربتي، وموهبتي التي تستحقّ الالتفات إليها. 

وبعيداً عن المكسب والخسارة في لعبة الجوائز، فالنجاح الحقيقي للكاتب وصول روايته للناس، ولا شك في أن الترشّح نفسه يفيد في ترويج الرواية العربية عموماً.

تتّفق مع تصنيف البعض لروايتك بأنها "تاريخية"؟

الرواية التاريخية ليست جديدة، هي فن قائم بذاته، نجدها لدى كُتّاب عالميين كبار مثل فيكتور هوغو أو تولستوي، لكنها رواية صعبة وتتطلّب بحثاً ودراسة. لكن ليس بالضرورة أن تكون أي رواية تدور في زمن آخر "تاريخية"، هناك مثلاً فانتازيا تاريخية مثل "مملكة الخواتم" و"صراع العروش"..

 لذلك أصنّف روايتي كخيال تاريخي، لأنني لم أنشغل فيها بالأحداث الرسمية أو البارزة، وإنما وظّفتها بحذر كخلفية. ولا أحكي حكاية التاريخ، وإنما كيف يتأثّر الإنسان العادي بالتاريخ.

هناك توجّه مضمر جعل الرواية التي تتوسّل التاريخ رائجة، وتحظى بحصّة الأسد في الجوائز؟

كما ذكرت لك، هذا النوع من الروايات يتطلب بحثاً.. وبسرعة ينكشف من بذل جهداً توثيقياً ومن لم يفعل. لا شك أن هذا الجهد، يوضع في اعتبار محكّمي الجوائز وهذا طبيعي، وغالباً لا تفوز أي رواية لمجرد أنها "تاريخية" ما لم تكن جيدة فنياً، ولا يشترط أن الجوائز تنحاز إليها.

هل اللجوء إلى قناع التاريخ هروب من اللحظة الراهنة؟

لا أظن أنه هروب، بل استشراف للواقع.. فعندما كتب جمال الغيطاني "الزيني بركات"، لم يكن هروباً، وإنما دراسة وتحليل التاريخ للوعي باللحظة الراهنة والمستقبل القادم.

إلى جانب الولع التاريخي، يُلاحظ أن الروايات الكبيرة أصبحت "موضة" وتفضّلها لجان التحكيم.

لا أعتقد أن هناك علاقة بين حجم الرواية وفوزها بجائزة ما. روايتي تصل إلى 350 صفحة، ولا أظنها كبيرة الحجم. الرواية التاريخية بطبيعتها كبيرة، فأنا أرسم عالماً واسعاً لا يعرفه القارئ، وأحتاج إلى وصف مفصّل لمشاهد كثيرة، وشخصيات وفترات زمنية، وبالتالي من الصعب اختزال كل هذا في مئة صفحة.

عين على السينما

عنوان الرواية طويل ومشابه للعناوين الأجنبية، لكنه حقق رواجاً صحيح؟

عندما أرسلت الرواية إلى الناشر كانت تحمل عنواناً آخر، لكنه فضّل هذا العنوان، ولا أنكر أنه حقّق جاذبية لدى القرّاء، على الرغم من أنه يبدو عنواناً أجنبياً كما أشرت.. وراض عمّا حقّقته الرواية من رواج، فضلاً عن صدور أكثر من طبعة حتى الآن.

على صعيد الرواج، من يقرأ النص يشعر أنه يصلح لأن يكون فيلماً أو مسلسلاً؟

بالفعل تلقّيت عروضاً لتحويلها إلى عمل تلفزيوني أو سينمائي، لكن لم أحسم الأمر حتى الآن.

هل يعني أنك تكتب وعينك على السينما؟

الفكرة نفسها هي التي تحتّم المشهدية السينمائية، النص يدور حول سباق الخيول في مصر الجديدة أوائل القرن العشرين، وفي العَمَلين السابقين، لم يكن لديّ هذه المشهدية البصرية، لكني لا أدخل إلى الأدب من مدخل السينما، بمعنى أني لا أتصوّر الرواية كسيناريو جاهز للتنفيذ.

بالعودة إلى الوراء، كيف جاءتك فكرة الرواية ومتى بدأت بكتابتها؟

كانت فترة صعبة أثناء جائحة كورونا، بدأت بجمع المراجع عام 2020، ثم انعزلت لكتابتها نحو ثلاث سنوات، واستفدت من معلومات كثيرة من قبيلة "الطحاوية". بقيت مشغولاً بها؛ لأنني لا أستطيع كتابة عَمَلين في وقت واحد.

عادةً لا أحدّد وقتاً للكتابة، وإن كنت أفضّل الليل بعد الانتهاء من الشغل، وبمصاحبة موسيقى معيّنة.. ثم أحافظ على الاستمرار في الكتابة بشكل يومي، كي لا أخرج من الحالة.

استغرقت كتابتها نحو ثلاث سنوات كما ذكرت. ثم عرضتها على دائرة من الأصدقاء، منهم بهاء حجازي، ودينا سلامة، واستفدت جداً من ملاحظتهم، إضافة إلى أوّل قارئة لي وهي أمي، التي تشجعني باستمرار، لذلك أهديتها أوّل رواية نشرتها "ما تبقّى من الشمس".

تتوزع الرواية بين أربع شخصيات، فهل وجدت صعوبة في التنقّل بينها؟

طالما الشخصية ليست مفتعلة أو زائدة على الحكاية، ليس هناك صعوبة في كتابتها، لذلك فالشخصيات الأربع تفاعلت تلقائياً وفق منطقها، وداخل منطقتها السردية.

أيها كان أقرب إلى أحمد المرسي؟

كنت منحازاً أو متماهياً أكثر مع "سليم حقي".. لأنه يتشارك معي الخوف والقلق نفسه من المستقبل. إنه شخص مسؤول وألمه ينبع من إحساسه بالمسؤولية.

تأثير الصورة

في الصفحات الأولى عثروا على أوراق مخبّأة في مرتبة فوزان الطحاوي، ألا تبدو حيلة العثور على أوراق مستهلكة؟

لا لم أركّز على هذه الحيلة، ولم يؤسّس النص من زاوية العثور على "أوراق"، وإنما اعتمدت على الراوي العليم، وعلى الصورة كمدخل يحفّز المتلقي لاستعادة زمن قد ولّى، وذكريات لها تأثيرها حتى اليوم على الشخصيات.. وربما بحكم دراستي في كلية الإعلام، أهتمّ كثيراً بالصورة وتأثيرها.

فتى عربي بدوي هو "فوزان الطحاوي" وسيدة إنجليزية "ميتسي"، شخصيات وأجواء تذكّرنا بأفلام الأبيض والأسود؟

الأحداث تعود إلى ما قبل ظهور السينما، شخصياً تأسرني المجتمعات متعدّدة الثقافات التي تتزواج وتتلاقح أو ما يسمى "الكوزموبوليتان، وهذه سمة في مجتمعنا منذ القدم.. أيام الإسكندر الأكبر، اختلط المصريون باليونانيين. وأيام محمد علي باشا كانت هناك جاليات كثيرة.

حتى الآن فإن وسط البلد في القاهرة، هو شاهد عظيم على التفاعل الحضاري وانتقال الأفكار.. لذلك أحب مدينة الإسكندرية بكل جالياتها، من اليونان والأرمن والشوام.. لأن هذا التنوّع يزيح فكرة العصبية والانغلاق، ويعزّز قيم التسامح، وتبادل الخبرات والتجارب الإنسانية.

سباق خيول وضابط وشاب بدوي وعودة إلى مئة عام، ألا تخشى المقارنة مع "واحة الغروب" لبهاء طاهر؟

قرأت تعليقاً بالفعل يعقد مقارنة بين "محمود عبد الظاهر "في رواية بهاء طاهر، و"سليم حقّي" في روايتي. لا أنكر أني أحب بهاء طاهر، وتأثّرت به مثلما تأثّرت بكُتّاب آخرين، مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وماركيز وربيع جابر.

 لكن التشابه بين الشخصيتين سطحي جداً. ربما الظرف التاريخي متشابه أيام ثورة عرابي وثورة 1919، ولو عدنا إلى موسوعة البوليس المصري، سنجد أنها مليئة بالعقوبات ضد ضبّاط البوليس. 

الكلام عن أي شرطي مصري في تلك الفترة لا بد أن يشبه الواقع حينها، فضلاً عن تقارب الفترة التاريخية تحت الاحتلال البريطاني. لكن هناك فروقاً كبيرة جداً بين الشخصيّتين. ومعظم الكتب التي تأثّرت بها قبل الكتابة كانت تاريخية، ودراسات اجتماعية وليست روايات.

تبدأ الرواية بخبر موت "فوزان" وتنتهي بتأكيد موته في هيئة غريبة، كأنك كتبت الرواية كلها وفي ذهنك الوصول إلى تلك النهاية؟

في رواياتي الثلاث، كتبت النهاية قبل البداية، وعندما أنجزها أتأكّد أنني سأكمل المشروع. فالنهاية تلهمني وتحثّني بالفعل على الوصول إليها. ماركيز قال إنه بدأ "مئة عام من العزلة" ولم يكن يعرف ماذا بعد. لكن هناك مدرسة أخرى يكون لدى المؤلف خريطة جاهزة، وكل شيء شبه مكتمل في ذهنه.

 عن نفسي أنتمي إلى هذه المدرسة، فعادة لا أكتب إلا بعد تجهيز ملف كامل بالشخصيات ودوافعها ومصائرها وآمالها وطبقتها الاجتماعية، حتى نهاية الشخصية خارج الرواية. مثلاً شخصية "مرعي المصري" سمسار الخيول، حياته في الرواية لم تنته، مع ذلك كانت حياته كاملة في رأسي حتى وفاته.

في أحد العناوين الداخلية نقرأ "لو كانت الأمنيات خيولاً"، هل هي رواية عن الأمل؟

بالفعل منطلقي منذ البداية أنها رواية عن "الأمل"، لكن ليس على نحو تقليدي.. وكما قالت إحدى الشخصيات في النصّ، بأنه أحياناً يكون عدم وصول الشخص لأمنية معينة هو دافعه للاستمرار في الحياة.

اللحظة الراهنة التي نعيشها تحتاج إلى هذه الجرعة من الأمل.. والإنسان مهما تعقّدت ظروفه، يظل بحاجة إلى أمل.. لكن الأمل مثلما هو منقذ للإنسان، هو مسبّب في هلاكه أيضاً، والتخلي عنه أفضل أحياناً، كأنه سلاح ذو حدّين.

العالم المعاصر يدفع الإنسان وراء أشياء كثيرة استهلاكية، إن لم يصل إليها يشعر أن حياته ستفسد، بينما التخلي عنها أكثر سعادة له في هذه الحالة.

بعد الروايات الثلاث ما العالم الذي يشغلك؟

في "ما يتبقى من الشمس" 2020، غالبا الروائي يكتب عن ذاته في أوّل عمل، لذلك عبّرت عن مخاوف من الموت والفقد، وبحث الإنسان عن الخلود عن طريق فلسفة الصورة. الرواية فيها شخصيتي أكثر..

أما  الرواية الثانية "مكتوب"، فهي تناقش فكرة القدر والغفران الإلهي والبشري. وتدور في إطار تاريخي من خلال رحلة حج في القرن السابع عشر. حيث يسعى البطل "منصور" إلى التطهّر من الجريمة، وفي القافلة نفسها يوجد "علي" الراغب في الثأر منه قبل نيل غفرانه.

 أما روايتي الجديدة التي أشتغل عليها حالياً، فهي تدور حول موضوع تقبّل الآخر، وإلى أي مدى تتغيّر وجهة نظر الإنسان إذا اقترب من عدوه بالشكل الكافي. الرواية فيها شقّ تاريخي يستلهم القرون الوسطى، وتدور بين الإسكندرية وإسبانيا.

على ما يبدو أجد نفسي في حقب زمنية بعيدة نسبياً، أستطيع من خلالها التعبير عن مخاوفي وأسئلتي.

تصنيفات

قصص قد تهمك