لا توجد امرأة على وجه الأرض ترغب في أن يذهب أبناؤها إلى الحرب، وما من امرأة تحلم بحياة يموت في عزّها الرجال، أشقاء وأصدقاء وأزواج وأبناء .. وليست هناك امرأة تريد أن تموت في الحرب ويبقى أطفالها ينتظرون، أو يُدفن أطفالها تحت الأنقاض، وهي كالطير الجريح تراقب وتسمع أنفاسهم من بعيد.
تشتغل عقلية المرأة على الاستثمار في المستقبل، بل في الحياة نفسها، من خلال التأسيس للأسرة والعائلة؛ عقل المرأة ضد الفناء، تحترف البقاء، تتأقلم، وتحمي، وتبحث عن أماكن آمنة تأوي من حولها، بينما نرى الرجل يحرّك الحروب والثورات، ويوظّف الكثير من الجهد في عنفه المنزلي، وفي العسكر والجيش، وغيرها من ساحات الحياة.
نتحدّث عن المرأة اليوم، لأنه يومها العالمي في 8 آذار/ مارس، مع أني لست مع تلك الأيام "المترفة"، لكنه يستحقّ أن نتذكّر فيه أن هناك نساء "لسنَ بخير"، وأن نخصصّه للحديث عن المرأة الفلسطينية تحديداً، التي تدلّ علينا، نحن، نساء لبنان وسوريا والعراق، وغيرها من بلدان الدمار.
"الشرق" تكرّم النساء من خلال الحديث عن واقعنّ في ظل الحرب، وهي استطلعت للغاية آراء باحثات وكاتبات وإعلاميات عربيات.
رفيف صيداوي: "أنتيغون" فلسطين
الباحثة والناقدة الدكتورة رفيف صيداوي، أكدت في مداخلتها التي خصّت بها "الشرق"، أن ما يُميّز المرأة الفلسطينية، هي تلك الصلابة التي تشبه صلابة الصخر. كأن النساء الفلسطينيات عموماً، استمدَدْنَ هذه القوّة من أحكام التاريخ والجغرافيا؛ ولكأن تاريخ الاحتلال الصهيوني للبلاد لم يؤدّ إلا إلى زيادة منسوب الشجاعة والعَزم والإرادة لديهن.
فمَن منّا فاتَه مشهد عهد التميمي وهي طفلة تتحدّى جنود الاحتلال الإسرائيلي؟ تلك الأيقونة التي تعكس بطولات الفلسطينيات الموروثة عن أمّهاتهنّ وجدّاتهنّ وجدّات جدّاتهنّ، التي ينقلْنها بدورهنّ إلى بناتهنّ وحفيداتهنّ.
إنّها سيرورة حياتية لصدّ السيرورة الإلغائية التي نشهد الآن أقصى فظاعاتها الدرامية في غزّة. وبفضل ذلك اقترَنت صفة البطولة بالمرأة الفلسطينية حصراً.
وإذا كانت الأساطير والروايات والآداب عموماً قد جسّدت البطولة كقيمة عبر التخييل، فإن النساء الفلسطينيات صنعْنَ البطولة حتى أصبحنَ مصدرَ إلهام. "أنتيغون" الأسطورة اليونانية غدَت "أنتيغونات" واقعية حقيقية من لحمٍ ودم، مع ليلى خالد، وتيريز هلسا، وعائشة عودة، ورشيدة عبيدة، ورسمية عودة، ووداد قمري، وأمينة دحبور، وغيرهنّ وغيرهنّ.. وصولاً إلى طفلات غزّة اللائي نشاهدهنّ عبر شاشات التلفزة وهنّ يصرخن من أرض مدنهنّ المدمّرة وخيَم اللجوء، وألعابهنّ المُحطّمة ودفاترهنّ المدرسية المُضرّجة بالدماء، وجثث آبائهنّ وأمهاتهنّ وأخوتهنّ ورفاقهنّ وجيرانهنّ: لن نغادر أرضنا.
أقول لا عجب أن يتغنّى الشعراء بالأم الفلسطينية التي تُرضِع أبناءها حليب البطولة وتُعبّئهم بطاقة الحياة، حتى وَصَفَها الشاعر اللّبناني حسن عبد اللّه بأجمل الأمّهات: "أجمل الأمّهات التي انتظرت إبنها/ وعادْ/ عادَ مُستشهداً/ فبكتْ دَمعَتَيْن ووردة/ ولم تنزوِ في ثياب الحداد". وطَمْأنها الشاعر الفلسطينيّ محمود درويش بأنّ جذور التّين راسِخة في الصخر.. وفي الطين تعطيك غصوناً أخرى.. وغصون...
الإعلامية سحر الميزاري: 9 آلاف امرأة
تشير التقارير الأممية إلى مقتل نحو 9 آلاف امرأة على أيدي القوات الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر، وهذا الرقم لا يشمل من لقَينَ حتفهنّ ومازلن تحت الأنقاض. فأين هو العالم وحقوق المرأة مما يجري في غزة، والضفة، والأراضي المحتلة عموماً؟ سؤال أطرحه على الأمم المتحدة لعلها تعطينا جواباً ما.
محزن ولكن مهم في الوقت ذاته، تسليط الضوء عن المعايير المزدوجة في هذا العالم .. كالحديث عن أهمية دعم حقوق المرأة ودورها في اليوم العالمي المخصّص لها، ولكن أي امراة عنت بها الأمم المتحدة؟ لماذا لا يطبّق ذلك على المرأة الغزّية التي قُصفت مدينتها وبيتها وقُتل ابنها وزوجها ووالدها وتشرّدت عائلتها، وتهدّم ملجأها، ودمّرت إسرائيل إرثها وثقافتها؟
الكاتبة والإعلامية مايا الحاج: عالمها ليس وردياً
يوم المرأة العالمي ليس عيداً. الثامن من آذار أخذ طابعاً احتفالياً مع الوقت. تحوّل إلى معايدات كما لو كانت المرأة تنعمُ بعالمٍ ورديّ.
لا مشكلة عندي في الاحتفاء بالمرأة، وإنما مع ضرورة الوعي الكامل بخلفية هذا اليوم وتاريخيته. أن نأخذ من هذا اليوم فرصة لمساندة قضايا النساء حول العالم.
انظروا كيف تعيش المرأة في فلسطين اليوم؟ هل هذه الحال تستدعي احتفالاً بيوم المرأة؟ كم يبدو تافهاً الفرح بيومٍ يُسمّى باسم المرأة، في حين أنّ النساء تُباد على مرأى من العالم كلّه.
المرأة الفلسطينية تُعتقل، تُضرب، تُجوّع، تُرمّل وتُيتّم.. والأصعب من هذا كلّه، أنها تدفن أطفالها بيديها. هناك أمهات قضين سنوات طويلة في انتظار طفلٍ، وحين تحقّق المُراد قُتل الطفل وقُتل الحلم وقُتل الأمل.
فأيّ ألم أكبر من هذا؟
نعم، العدوان الاسرائيلي دمّر كل شرائح المجتمع الغزاوي، لكنّ معاناة النساء هي الأكبر. المرأة تدفع الثمن الأكبر، زوجة وابنة وأمّاً وجدّةً الاحتلال يقتل النساء. يُهجّرهن من بيوتهن. يسرق ملابسهن الداخلية من الأدراج ويستعرضها أمام العالم.
المرأة تُستباح حيّة وميتة! ثم تُطالعك نساء على السوشال ميديا وهنّ يحتفلن بـ"عيد المرأة".
أيّ قسوة هذه أو غباء أو نكران؟
الثامن من آذار يجب أن يكون يوماً عالمياً لأجل النساء في غزة. لأجل النساء المُضطهدات في كلّ مكان من هذا العالم. إلى كلّ امرأة حرّة كوني بخير، ولكن تذكري دوماً أنّ نساءً أخريات لسن بخير. كوني لهنّ السند. بكلمة، بصوت، بمنشور، أو على الأقل، بطريقة تفكير.
الممثلة والكاتبة دانا دجاني: نساء فلسطين هنّ الأقوى
في يوم المرأة هذا، أكرّم جميع النساء الفلسطينيات اللواتي ما زلن يعلّمن ويطعمنَ ويحمين أسرهنّ. أحيي الأمهات اللواتي دفنّ أطفالهنّ، والبنات اللواتي دفنّ إخوتهن. أولئك الذين يبثون لنا مثل بيسان ولمى، والذين ينقذون الأرواح مثل الدكتورة أميرة عسولي.
تُظهر لنا النساء في فلسطين أشكالاً عدّة من المقاومة، في سعيهنّ نحو التحرّر الجماعي. بالنسبة لي شخصياً، لا توجد امرأة في العالم أقوى من المرأة في فلسطين.