تستحقّ تجربة الكتابة والتأليف التوقّف والبحث في خفاياها، ربما تختلف دوافع الكتابة بين المؤلفين، لكنها تتفق في وجود التحديات، وخصوصاً لدى الكُتّاب الشباب، أصحاب التجارب البكر، التي ماتزال في طور التشكّل، حيث الكثير من المنعطفات والإخفاقات.
وللتعرّف على بعض الخفايا المقترنة برحلة الكتابة، التقت "الشرق" الكاتب السعودي الشاب عبد الرحمن سفر، مؤلف كتاب "لصوص النار.. قصّة العبقرية" ورواية "أغلال عرفة"، وتحدث عن تجربته ومنعطفات رحلته في عالم الكتابة.
1. كيف بدأت الكتابة؟
أثناء دراستي في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، مررت بفترة تراجع على المستوى الدراسي عام 2008، تركت في نفسي أثراً سيئاً، فقررت البدء بكتابة رواية.
كتبت حينها نحو 300 صفحة باللغة الإنجليزية، وكانت تجربة مليئة بالكثير من الأخطاء، والحمد لله أن ما كتبته بقي لم يُنشر.
ثم بدأت بعدها بتوسيع دائرة معارفي، من خلال الاطلاع على الأدب اللاتيني والأوروبي، وكذلك الأدب العربي، لكن باستحياء. اكتشفت أيضاً الأدب الإنساني الغائب عني تماماً، وأدركت أن باستطاعتي كتابة رواية بطريقة مختلفة، أشرح من خلالها الدوافع التي قادت إلى أحداث 11 سبتمبر.
اعتقدت أني سأكتب عملاً أسطورياً، لكن الآراء السلبية لأصدقائي جعلتني أكثر تعقّلاً، والحقيقة أنها تجربة إيجابية بطريقة أو بأخرى.
عام 2012 بدأت تجربة أخرى باللغة الإنجليزية، بحكم اطلاعي الموسّع على الأدب الغربي، وكانت عبارة عن عملين لم يرى أي منهما النور أيضاً.
2. حضورك الفعلي بدأ من كتاب "لصوص النار .. قصّة العبقرية" ماذا يوجد خلف الرواية؟
عشت أزمة فكرية إن صحّت تسميتها عام 2016، تمحورت حول أسئلة مثل: هل أنا إنسان ذكي أم كسول؟ لماذا سقف عقلي متدنٍ مقارنة بزملائي، لماذا أنا بطيء في التفكير، وخاصة أني أدرس في جامعة طلابها يتفوّقون بشكل مرعب، وغيرها من الأسئلة المرهقة.
كنت أبحث عن إجابة من خلال علم النفس، وعلم الأعصاب، ما جعلني أقرأ كثيراً في هذا الاتجاه، بهدف فهم ذاتي لأتجاوز هذه الأزمة، وحين توفّرت لدي بعض المعرفة، حوّلتها إلى محتوى، وقررت إنشاء قناة يوتيوب خاصّة بي.
لكني استمعت إلى نصيحة أحد الأصدقاء، الذي أخبرني أن هذا المحتوى جدير بتحويله إلى كتاب وليس (يوتيوب)، ومن هناك بدأت رحلة كتاب لصوص النار، علماً أني لم أتوقّع التزامي وجدّيتي لإكمال الكتاب، وأعتقد أن رحلة البحث عالجتني بنسبة تتجاوز 70%.
3. استغرقت كتابة "لصوص النار" أربع سنوات لماذا؟
في البداية لم يكن لدي تصوّر كامل أو محاور واضحة، كانت لدي خلفية بحكم القراءات والمحاضرات والنقاشات، لكنها لم تكن كافية، فقرّرت الالتزام والانتظام بالكتابة. كتبت نحو 30 مسودّة على مدار أربع سنوات بشكل مستمر.
الهاجس الذي كان يشغلني حينها، هو كيف أستطيع إخراج محتوى أصيل وجديد وغير مستنسخ، وخصوصاً أني اطلعت على كتاب لمؤلف كندي، تناول فيه العبقرية والعباقرة، ومعظم من كتبوا عن العبقرية لديهم ميول لتقديس العباقرة والمبالغة في وصفهم.
كان الحل ببساطة، الاطلاع على بحوث ومراجع أخرى، مثل جامعة هارفرد، وبحث آخر من جامعة كندية مترجم عن اللغة الألمانية، كذلك البحث في مسارات عدّة، أبرزها التاريخ وعلم النفس من أجل بناء حجج واضحة.
ثم تفرّعت نحو علم الاقتصاد السلوكي، وعلم الاجتماع، وعلم الأعصاب، واستفدت جداً من علماء الاقتصاد، لأنهم يرون البشر على هيئة بيانات، وبذلك تمكّنت من اكتشاف عوالم جديدة لم أكن أعلم عنها شيئاً، جعلتني أتحدى المسلّمات، وكشفت لي عن المخفي من جبل الجليد.
4. ألا تعتقد أن الباحث تفوّق على الأديب في إصدارك الثاني "أغلال عرفة"؟
صحيح، فالمسودات الأولى من "أغلال عرفة"، كانت عبارة عن بحوث علمية في صورة حوارات بين الشخصيات، وكأني أعطيت لكل شخصية مرجعاً ليطرح وجهة نظره.
أردت أن أناقش موضوع المسّ، وكذلك موضوع الأمراض النفسية والعصبية، ما يعني أن الحوار سيكون من منظور ديني، ومنظور علمي، فكان لابد من الصدام، واستحضار مراجع علمية، وأحداث تاريخية، وقصائد شعرية.
لكن بعد ذلك، وجدت أنها ستفسد سلاسة الحوار، فاضطررت إلى إدخال أدوات سردية أخرى، أبرزها محاولة إيهام القارئ أن هذه الأحداث حقيقية، من خلال البحوث واللوائح القانونية، والصور والرسومات المدرجة في الرواية، واستخدام الخطوط المختلفة.
شعرت أنها ستثير فضول القارئ، وتطرح أسئلة عن مدى حقيقة هذه المرفقات. أعتقد أني نجحت إلى حد كبير، ومن أجمل التعليقات التي وصلتني من أحد القرّاء، أنه بعد الانتهاء من قراءة الرواية، ذهب للبحث عن شخصية (عرفة) على جوجل، ما اعتبرته نجاحاً.
5. ما الدافع للغوص في هذه المنطقة الوعرة مثل الكآبة والأمراض النفسية والسجون؟
لو أردنا تلخيص فكرة "أغلال عرفة" في سطر واحد، ربما سأطرحها على هيئة سؤال: ما هي العلاقة بين الأمراض النفسية والمسّ؟ أشعر أن هذا الموضوع مثير للاهتمام، ونعيشه في مجتمعاتنا منذ زمن.
أما عن السوداوية، وهي موضوع حساس جداً، فقد حرصت على احترام تلك الشريحة التي عانت من ذلك، وكان يجب أن يكون الطرح على قدر كبير من الجدّية، بعيداً عن الحسّ الفكاهي.
كما رأيت أن السجن مساحة جيدة لمثل تلك الحوارات الكاشفة عن التشوّهات الداخلية جراء التحرّش وقسوة المعاملة.
6. حين تناولت موضوع المسّ وتفسيراته بين العلم والجهل ألم تخشَ الانزلاق في فخ التحيّز؟
موضوع المسّ حاضر في مختلف الثقافات حول العالم، وستجد تشابهاً كبيراً في الأعراض وآلية العلاج مع اختلاف التفسيرات والأسباب، لكن العلم واحد، ومهما اختلفت المرجعيات، فالعلم لا يختلف.
أعلم أن السير في هذه المنطقة كمن يسير في حقل ألغام، لذلك حاولت ألا أكون مع أو ضد، مع استحضار الأدلة والبراهين لكلا الطرفين، من خلال الحوارات، مع توضيح أثر الدجّالين وتأثيرهم على المجتمع.
7. كيف استطعت المحافظة على الحسّ الروائي في ظل تشعّبات البحث العلمي؟
استخدمت العلم من أجل الرواية، بمعنى أن الرواية احتوت على طرح علمي رصين استقيته من مراجع صارمة، وحاولت بقدر المستطاع أن تكون المصادر والمعلومات حقيقية.
كما استخدمت الأدب للتخفيف من حدّة الطرح العلمي وجفافه، على أمل أن يستمتع القارئ ويستفيد، ويولّد لديه فضول يدفعه لاستكشاف الموضوع بشكل أكبر.
لعنة العصر
8. ما هي العقبات التي واجهتها في الكتابة ويمكن لأي كاتب شاب أن يواجهها؟
أبرز التحديات التي يجب على الكاتب أن يتصالح معها هي نضوج العمل، إذ يجب أن يأخذ وقته الكافي ليختمر.
الركض خلف النجومية وحب الظهور السريع هو لعنة العصر، كل شيء يُنجز بسرعة سيؤثر في محتوى الكتاب، على مستوى الفكرة أو التنفيذ.
أيضاً هناك المشكلة اللغوية، أعتقد أن الكُتّاب المعاصرين لا يراعون جانب اللغة، معتمدين على المحرّر، معتبرين أن اللغة مجرد إطار للفكرة التي يجب أن تصل للناس بأي شكل.
9. نلاحظ غيابك عن مواقع التواصل ما هي الأسباب؟
أجد حرجاً في أن أدعو أحداً كي "يقرأ كتابي"، وإن بطريقة غير مباشرة. أشعر بأنه من غير اللائق أن نستجدي القرّاء بأي وسيلة كانت، ومع ذلك هناك من يفعل ذلك، وهذا يتعلق بطبيعة كل شخص.
10. ماذا عن أعمالك الجديدة؟
حالياً أعمل على إنجاز عملَين، الأول تاريخي فنتازي مرعب، قطعت فيه شوطاً كبيراً، والثاني محاولة لترجمة رواية كتبتها قبل 12 سنة باللغة الإنجليزية، بحكم اطلاعي حينها على مراجع أدبية إنجليزية كثيرة، بسبب انبهاري حينها بالغرب.